الدرس 67 _زكاة الغلات الأربعة 5
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والنِّصاب، وهو ألفا رطلٍ وسبعمائة رطلٍ، بالعراقيّ: هو ثلاثمائة صاع، هي خمسة أوسُق(1)
(1) يقع الكلام في عدَّة أمورٍ:
الأوَّل: في اعتبار النِّصاب.
الثَّاني: في مقداره.
الثَّالث: في مقدار الصَّاع بالأرطال والأمداد.
الرَّابع: في مقدار المدّ.
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام اعتبار النِّصاب في زكاة الغلاَّت الأربع، بل هو متسالم عليه بينهم، والرِّوايات الدَّالَّة عليه متواترة.
وفي المدارك: «هذا الشَّرط مجمعٌ عليه بين الأصحاب...».
أقول: هناك رواية يظهر منها عدم اعتبار النِّصاب، وهي رواية إسحاق بن عمَّار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «قال: سألته عن الحنطة والتَّمر، عن زكاتهما؟ فقال: العُشْر ونصف العُشْر، العُشْر فيما سقت السَّماء ونصف العُشْر ممَّا سقي بالسَّواني، فقلت: ليس عن هذا أسألك، إنَّما أسألك عمَّا خرج منه، قليلاً كان أو كثيراً، أله حدٌّ يزكَّى ممَّا خرج منه؟ فقال: زكِّ ما خرج منه، قليلاً كان أو كثيراً، من كلِّ عشرة واحداً، ومن كلِّ عشرة نصف واحد، قلتُ: فالحنطة والتَّمر سواء؟ قال: نعم»([1]).
وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة عليِّ بن السّندي.
وثانياً: أنَّه مقطوع بعدم حجِّيَّتها؛ لمخالفتها للرِّوايات المتواترة وللسُّنَّة القطعيَّة.
وقد ذكرنا في علم الأصول أنَّه يشترط في حُجيَّة الخبر عدم مخالفته للسُّنَّة القطعيَّة.
وعليه، فهي ليست حُجَّة حتى لو كانت صحيحةً بالمعنى المصطلح عليه في علم الحديث.
وثالثاً: أنَّها موافقة لأبي حنيفة، حيث إنَّه ذهب إلى عدم اعتبار النِّصاب، ووجوب الزَّكاة في كلِّ ما خرج قليلاً كان أو كثيراً، وهذا يزيدها وهناً على وهن.
والخلاصة: أنَّه لا إشكال في اعتبار النِّصاب في وجوب الزَّكاة.
الأمر الثَّاني: المعروف بين الأعلام أنَّ مقدار النِّصاب خمسة أَوْسق، والوَسْق ستُّون صاعاً، وهذا أيضاً لا خلاف فيه بين الأعلام.
ويدلُّ عليه مضافاً إلى التسالم بين الأعلام الرِّوايات الكثيرة:
منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: مَاْ أنبتتِ الأرضُ مِنَ الحِنْطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب ما بلغ خمسة أوساق، والوسق ستوّن صاعاً فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العُشر، وما كان منه يُسقى بالرّشاء والدوالي والنواضح ففيه نصف العُشر، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلاً ففيه العُشر تاماً، وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شيء، وليس فيما أنبتتِ الأرضُ شيءٌ إلاَّ في هذه الأربعة أشياء»([2]).
ومنها: صحيحة سعد بن سعد الأشعري قال: سألتُ أبا الحسن (عليه السلام) عن أقلَّ ما تجب فيه الزَّكاة من البُرِّ والشَّعير والتَّمر والزَّبيب؟ فقال: خمسة أَوْساق بوسق النَّبيِّ (ص)، فقلت: كم الوَسْق؟ قال: ستُّون صاعاً، قلت: وهل على العنب زكاة، أو إنَّما يجب عليه إذا صيَّره زبيباً؟ قال: نعم، إذا خرصه أخرج زكاته»([3]).
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: ليس فيما دون خمسة أَوْساق شيءٌ، والوَسْق ستُّون صاعاً»([4])، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.
وأمَّا ما ورد في بعض الرِّوايات من أنَّ النِّصاب وَسْق، كما في موثقة الحلبيِّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: سألته في كم تجب الزَّكاة منَ الحنطة والشَّعير والزَّبيب والتَّمر؟ قال: في ستِّين صاعاً»([5]).
وكما في مرسلة ابن سنان «قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عنِ الزَّكاة، في كَمْ تجب في الحِنطة والشَّعير؟ فقال: في وَسْق»([6])، وهي ضعيفة بالإرسال.
أو أنَّ النِّصاب وَسْقان، كما في رواية أبي بصير «قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تجب الصَّدقة إلاَّ في وَسْقَيْن، والوَسْق ستُّون صاعاً»([7])، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عليِّ بن السّندي.
وفي روايته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: لا يكون في الحبِّ، ولا في النَّخل، ولا في العنب زكاةٌ حتَّى تبلغ وَسْقَيْن، والوَسْق ستُّون صاعاً»([8])، وهي ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن محمَّد الجوهري، واشتراك محمَّد بن عليِّ بين الثِّقة والضَّعيف.
ففيها: أنَّها مخالفة للسُّنَّة القطعيَّة، فلا تكون حُجَّة حينئذٍ.
ومن هنا كان الأولى ردُّ علمها إلى أهلها (عليهم السلام).
هذا، وقد حملها الشَّيخ (رحمه الله) على الاستحباب، وحمل الاختلاف فيها على اختلاف مراتبه، ولكنَّك عرفت أنَّها ليست حُجَّةٍ، فكيف تُحمَل على الاستحباب؟!
والخلاصة إلى هنا: أنَّ النِّصاب هو خمسة أوساق، والله العالم.
الأمر الثَّالث: المعروف بين الأعلام أنَّ الصاَّع تسعة أرطال بالعراقيّ وستَّة بالمدنيّ، وهو أربعة أمداد.
ويدلُّ على أنَّه ستَّة أرطال بالمدنيّ صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: كان رسول الله (ص) يتوضَّأ بمُدٍّ، ويغتسل بصاع، والمدّ رطل ونصف، والصَّاع ستَّة أرطال»([9]).
قال الشَّيخ (رحمه الله): «يعني أرطال المدينة، فيكون تسعة أرطال بالعراقيّ».
وفي مفتاح الكرامة بعد أن نقل هذه الرِّواية، وما ذكره الشَّيخ في تفسير الرَّطْل الواقع فيها قال: «والظَّاهر من جماعة أنَّ التَّفسىر من تتمَّة الرِّواىة، وىشهد له قوله في التَّذكرة ما نصُّه: وقول الباقر (عليه السلام): والمدُّ رطل ونصف والصَّاع ستَّة أرطال بأرطال المدينة، يكون تسعة أرطال بالعراقيّ.
وعن المحقق: أنه نقل الخبر من كتاب الحسين بن سعيد هكذا: والصاع ستة أرطال بأرطال المدينة، يكون تسعة أرطال بالعراقيّ».
والإنصاف: أنَّه لم يثبت كون التَّفسير من تتمَّة الرِّواية، وكلام العلاَّمة (رحمه الله) في التذكرة لا يكون حُجَّةً علينا.
ونَقْل المحقِّق (رحمه الله) الرِّواية من كتاب الحسين بن سعيد إنَّما يصحُّ الاستدلال به لو ذَكَر طريقه إلى الكتاب، والفرض أنَّه لم يذكره، فتكون مرسلةً بنقل المحقِّق (رحمه الله).
ومهما يكن، فإنَّها صحيحة في التَّهذيب والاستبصار، وهي دالَّة على أنَّه ستَّة أرطال.
([1]) صدر الحديث: الوسائل باب 4 من أبواب زكاة الغلاَّت ح6 وذيله باب 3 من أبواب زكاة الغلاَّت ح2.
([2]) الوسائل باب 1 من أبواب زكاة الغلاَّت ح5.
([3]) الوسائل باب 1 من أبواب زكاة الغلاَّت ح1.
([4]) الوسائل باب 1 من أبواب زكاة الغلاَّت ح6.
([5]) الوسائل باب 1 من أبواب زكاة الغلاَّت ح10.
([6]) الوسائل باب 3 من أبواب زكاة الغلاَّت ح4.
([7]) الوسائل باب 3 من أبواب زكاة الغلاَّت ح1.
([8]) الوسائل باب 3 من أبواب زكاة الغلاَّت ح3.
([9]) الوسائل باب 50 من أبواب الوضوء ح1.