الدرس 54 _زكاة الأنعام 26
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يفرَّق بين مجتمع في الملك، كما لا يجمع بين متفرّق فيه. ولا عبرة بالخلطة، سواء كانت خلطة أعيان، كأربعين بين شريكين، أو ثمانين بينهما مشاعة، أو خلطة أوصاف كالاتِّحاد في المرعى والمشرب والمراح مع تميُّز المالين(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا يُضمّ مال إنسان إلى غيره، وإن اجتمعت شرائط الخلطة، وكانا في مكان واحد، بل يعتبر في مال كلّ أحد بلوغ النّصاب، وفي المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، ويدلّ عليه أنَّ ملك النّصاب شرط في وجوب الزّكاة، كالحول...»، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده في شيء من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، كما أنَّ النُّصوص واضحة الدَّلالة عليه، فلا يجزي حينئذٍ بلوغ النِّصاب منهما في وجوب الفريضة».
أقول: قدِ استدلّ مضافاً إلى التسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً بجملة من الرِّوايات:
منها: رواية زرارة المرويّة في العِلَل عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال زرارة: قلتُ له: مائتي درهم بين خمس أُناس أو عشرة حال عليها الحول، وهي عندهم، أيجب عليهم زكاتها؟ قال: لا، هي بمنزلة تلك يعني جوابه في الحرث ليس عليهم شيء حتّى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم، قلت: وكذلك في الشّاة والإِبل والبقر والذّهب والفضّة وجميع الأموال؟ قال: نعم»([1])، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة إسماعيل بن سهب، فهو ضعيف.
ومنها: صحيحة محمَّد بن قيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث زكاة الغنم «قال: ولا يفرَّق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرِّق»([2]).
والمراد أنَّه تجب الزّكاة في المجتمع في الملك، وإن كان متفرّقاً في أماكن، ولا تجب في المتفرّق في الملك وإن كان مجتمعاً إذا لم يبلغ ملك كلّ واحد نصاباً.
وهذه العبارة أي لا يفرّق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرّق رواها المخالفون عن النّبيّ (ص).
واستدلوا بها لمذهبهم، بحملها على إرادة الاجتماع في المكان، لا الاجتماع والافتراق في الملك.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ المراد منها كما عرفت هو إرادة الاجتماع والافتراق في الملك.
ومنها: رواية محمَّد بن خالد «أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصّدقة. فقال: مُرْ مُصدِّقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء، ولا يجمع بين المتفرّق، ولا يفرّق بين المجتمع...»([3])، بالحمل على الاجتماع في الملك لا المكان، كما عن المخالفين. وهي ضعيفة بعدم وثاقة محمّد بن خالد، والظّاهر أنَّ المراد منه والي المدينة.
ثمَّ إنَّ ما ذكرناه هو ردٌّ على ما حكي عن بعض العامّة من أنَّ الخِلطة بكسر الخاء وهي العشرة، بجعل المالين مالاً واحداً، فتجب زكاته على مالكيهما، سواء كانت خلطة أعيان، كأربعين بين شريكين، أو خلطة أوصاف كالاتِّحاد في المرعى والمشرب والمراح والفحل والحالب، مع تميّز المالين، وهو عندنا باطل؛ لانتفاء ما يدلّ عليه، بل جميع ما دلّ على اشتراط الملكيّة والنّصاب يقضي بخلافه، فإنَّ مفادها ليس إلاّ اشتراط بلوغ ما ملكه من الأجناس الزّكويّة حدّ النّصاب في وجوب الزّكاة فيه.
وقدِ اتّضح ممّا تقدّم أنَّه لا يفرّق بين مالي المالك الواحد ولو تباعد، مكانهما، وفي الجواهر: «بل الإجماع أيضاً بقسميه عليه، والنّصوص واضحة الشّمول له، سواء كان بينهما مسافة القصر أو لا».
أقول: لا إشكال في المسألة؛ لأنَّ المستفاد من الرِّوايات كونه مالكاً للنصاب من غير فرق بين كونه مجتمعاً في مكان واحد أو متفرّقاً فيه، ونسب إلى بعض العامّة القول: بأنّه إن كان بينها مسافة القصر لوحظ كلّ منهما بانفراده، ولا يخفى عليك ضعفه، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يجبر جنس بآخر(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنّه إذا كان عنده أموال زكويّة من أجناس مختلفة، وكان كلّها أو بعضها أقلّ من النّصاب، فلا يجبر النّاقص منها بالجنس الآخر، مثلاً إذا كان عنده تسعة عشر ديناراً ومائة وتسعون درهماً فلا يجبر نقص الدّنانير بالدّراهم ولا العكس.
وفي المدارك: «هذا قول علمائنا أجمع، حكاه في المنتهى، ووافقنا عليه أكثر العامّة، وقال بعضهم: يضمّ الذّهب والفضّة، لأنّهما متّفقان في كونهما أثماناً، وقال آخرون: يضمّ الحنطة والشّعير؛ لاشتراكهما في كونهما قوتاً»، وفي الجواهر : «إجماعاً بقسميه ونصوصاً...».
أقول: يدلّ على ذلك مضافاً إلى التسالم بين الأعلام عندنا قديماً وحديثاً الموجب للقطع بالمسألة، ومضافاً إلى عموم الأدلّة الدّالّة على اعتبار بلوغ النّصاب في كلّ جنس جملة منَ الرِّوايات:
منها: صحيحة زرارة «أنّه قال لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهماً وتسعة عشر ديناراً، أيزكَّيها؟ فقال: لا، ليس عليه زكاة في الدّراهم، ولا في الدّنانير حتّى يتمّ»([4]).
وفي نفس الصّحيحة في زكاة الأنعام «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل كنّ عنده أربع أنيُق وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرون بقرةً، أيزكّيهنّ؟ قال: لا يزكّي شيئاً منهنّ، لأنّه ليس شيء منهنّ تامّاً، فليس تجب فيه الزّكاة»([5])، وكذا غيرها.
ولا ينافي ذلك ما ورد في رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «قال: قلتُ له: تسعون ومائة درهم وتسعة عشر ديناراً، أعليها في الزّكاة شيء؟ فقال: إذا اجتمع الذّهب والفضّة، فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزّكاة، لأنّ عين المال الدّراهم، وكلّ ما خلا الدّراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدّراهم في الزّكاة والدّيّات»([6]).
وذلك لأنّها أوّلاً: ضعيفة بجهالة إسماعيل بن مَرَّار.
وثانياً: أنَّ كلَّ الأعلام أعرضوا عنها، ولم ينقل القول بمضمونها عن أحد منَّا، وإعراض الجميع عن الرّواية الصّحيحة يوجب وهنها، فكيف إذا كانت ضعيفةً في حدّ نفسها.
وثالثاً مع قطع النّظر عن ذلك : يمكن حملها على التّقيّة لموافقتها لجماعة من العامّة.
وأمّا ما ورد في موثّقة إسحاق بن عمّار «قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجلٍ له مائة درهم وعشرة دنانير، أعليه زكاةٌ؟ قال: إنْ كان فرَّ بها منَ الزَّكاة فعليه الزَّكاة، قلتُ: لم يفرَّ بها، ورث مائة درهم وعشرة دنانير، قال: ليس عليه زكاةٌ، قلتُ: فلا تُكسَر الدَّراهم على الدَّنانير ولا الدَّنانير على الدَّراهم؟ قال: لا»([7])، فهو منافٍ لما تقدم من سقوط الزكاة بذلك لو فعله فراراً للروايات الدالة على السقوط.
وعليه، فتحمل هذه الموثَّقة على الاستحباب، والله العالم بحقائق أحكامه.
وقع الفراغ منه صبيحة يوم الجمعة لخمس خلون من شعبان المعظم سنة 1422 للهجرة، الموافق للتَّاسع عشر من آذار سنة 2021 للميلاد، وذلك في الضاحيَّة الجنوبيَّة لمدينة بيروت.
وأسال الله سبحانه وتعالى أن يوفِّقني لإتمام بقيَّة الأبحاث، فإنَّه أكرم المسؤولين، وأجود المعطين، وأرحم الرَّاحمين، وخير الموفِّقين، وهو سميع المجيب، وآخر دعوانا أن الحمد ﷲ رب العالمين.
وأنا الأقل حسن بن عليِّ الرُّميتي العاملي، عامله الله بلطفه الخفي والجلي.
([1]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح2.
([2]) الوسائل باب 11 من أبواب زكاة الأنعام ح1.
([3]) الوسائل باب 11 من أبواب زكاة الأنعام ح2.
([4]) الوسائل باب 5 من أبواب الذهب والفضة ح1.
([5]) الوسائل باب 1 من أبواب زكاة الأنعام ح2.
([6]) الوسائل باب 1 من أبواب زكاة الذّهب والفضّة ح7.
([7]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الذّهب والفضّة ح3.