الدرس 1189 _كتاب الخمس 69
ومنها: رواية محمَّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (قَاْل: إنَّ أشدَّ
ما فيه النَّاسُ يوم القيامة أنْ يقوم صاحب الخُمُس، فيقول: يا ربّ! خُمُسي، وقد طيّبنا ذلك لشيعتنا لِتَطِيبَ ولادتُهم، ولِتَزكُوا أولادُهم)([1]).
وهي ضعيفة بطريق الشَّيخ الطُّوسيّ والكُلينيّ (رحمهما اﷲ) بمحمَّد بن سنان، وعدم وثاقة صباح الأزرق، كما أنَّها ضعيفة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه اﷲ) في الفقيه؛ لأنَّ في طريقه إلى محمَّد بن مسلم اثنَيْن مجهولَين من أحفاد البرقيّ.
ورواها الشَّيخ المفيد (رحمه اﷲ) في المقنعة، وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: صحيحة ضُريس الكُنَاسيّ (قَاْل: قَاْل أبو عبد اﷲ (عليه السلام): أتدري من أين دخل على النَّاس الزِّنا؟ فقلتُ: لا أدري، فقال: من قِبل خُمُسنا أهل البيت، إلاَّ لشيعتنا الأطيبين، فإنَّه مُحلَّلٌ لهم ولميلادهم)([2]).
ومنها: التَّوقيع المرويّ عن كتاب إكمال الدِّين للشَّيخ الصَّدوق (رحمه اﷲ) عن محمَّد بن عصام الكُلينيّ، عن محمَّد بن يعقوب الكُلينيّ، عن إسحاق بن يعقوب في ما ورد عليه من التَّوقيعات بخطِّ صاحب الزَّمان (عليه السلام) (أمَّا ما سألت عنه من أمر المنكرين لي إلى أن قال: وأمَّا المُتلبِّسون بأموالنا فمَنِ استحلّ منها شيئاً فأكله فإنَّما يأكل النِّيران، وأمَّا الخُمُس فقد أُبيح لشيعتنا، وجُعلوا منه في حلّ، إلى أنْ
يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث)([3])، وهي ضعيفة بجهالة إسحاق بن يعقوب، وعدم وثاقة محمَّد بن محمَّد بن عصام الكُلينيّ.
ومنها: ما رُوي عن الإمام العسكريّ (عليه السلام) في التفسير المنسوب إليه عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (أنَّه قال لرسول اﷲ (صلّى الله عليه وآله): قد علمت يا رسول اﷲ، أنَّه سيكون بعدك ملكٌ عضوضٌ وجبرٌ، فيستولى على خُمُسي (من السَّبيّ) والغنائم، ويبيعونه فلا يحلُّ لمشتريه، لأنَّ نصيبي فيه، فقد وهبتُ نصيبي منه لكلِّ مَنْ ملك شيئاً من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل ومشرب، ولتطيب مواليدهم، ولا يكون أولادهم أولاد حرام، فقال رسول اﷲ (صلّى الله عليه وآله): ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، وقد تبعتَ رسول اﷲ في فعلك، أحلّ الشِّيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي، ولا أُحلّها أنا ولا أنت لغيرهم)([4]).
ولكنَّها ضعيفة؛ لأنَّ التَّفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام) لم يثبت بطريق معتبر، فإنَّ في الطَّريق جملة من المجاهيل، كمحمَّد بن القاسم الأسترآباديّ، ويوسف بن محمَّد بن زياد، وعليّ بن محمَّد بن سيار، وهناك بعض الرِّوايات الضّعاف أيضاً لا حاجة لنقلها، لاسيّما أنَّها ضعيفة الدَّلالة أيضاً.
ويرد على هذه الرِّوايات المستدلّ بها على إباحة الخُمُس، وتحليله للشِّيعة:
أوَّلاً: أنَّ أغلبها ضعيف السَّند، كما عرفت، مع إعراض المشهور عنها، بل لم يذهب أحدٌ من المتقدِّمين إلى إباحة جميع الخُمُس بسهميه الإمام (عليه السلام) والسَّادة الكرام للشِّيعة إلاَّ ما حُكي عن سلاَّر الدَّيلميّ (رحمه اﷲ).
ومع هذا، فقد حُكي عن ابن فهد الحلّيّ (رحمه اﷲ) في شرح النَّافع إنكار نسبته إلى الدَّيلميّ، حيث قال: (إنَّ مذهب الدَّيلميّ إباحة نصف الإمام خاصَّة)([5]).
ثمَّ إنَّه على فرض صحَّة النِّسبة إليه، إلاَّ أنَّ مخالفته لا تضرُّ في المقام.
وثانياً: أنَّ إباحة جميع الخُمُس يُنافي الحكمة المقتضية لتشريعه، وهي استغناء بني هاشم به عن وجوه الصَّدقات المُحرّمة عليهم، فلو كان جميع الخُمُس مُباحاً للشِّيعة، والمفروض أنَّ الزَّكاة الواجبة محرَّمةٌ على بني هاشم، فمن أين يعيش فقراء بني هاشم؟!
وثالثاً: أنَّ روايات التَّحليل معارَضةٌ بالرِّوايات الكثيرة الدَّالّة على وجوب إخراج جميع الخُمُس، وعدم إباحة شيءٍ منه.
فقد روى الكُلينيّ عن عليِّ بن إبراهيم عن أبيه (قَاْل: كنتُ عند أبي جعفر الثَّاني (عليه السلام) إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل،
وكان يتولَّى له الوقف بقُمْ، فقال: يا سيدي، اِجعلني من عشرة آلاف في حلّ، فإنِّي قد أنفقتها، فقال له: أنت في حلّ، فلمَّا خرج صالح، قال أبو جعفر (عليه السلام): أحدهم يثب على أموال آل محمّد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه، ثمَّ يجيء، فيقول: اِجعلني في حلّ، أتراه ظنّ أنِّي أقول: لا أفعل، واﷲ ليسألنَّهم اﷲ يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً)([6])، وهي حسنة.
ومنها: صحيحة عليّ بن مَهْزِيار([7]) الطوَّيلة المتقدِّمة في أرباح المكاسب.
ومنها: معتبرة أبي الحسين محمَّد بن جعفر الأسديّ المتقدِّمة عند الكلام عن الخُمُس في الكنز حيث (قَاْل: كان في ما ورد عليّ ]من] الشَّيخ أبي جعفر محمَّد بن عثمان العَمْري(قدّس اﷲ روحه); في جواب مسائلي إلى صاحب الدَّار (عليه السلام): وأمَّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا، ويتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا، فمَنْ فعل ذلك فهو ملعون، ونحن خصماؤه، فقد قال النّبيّ (صلّى الله عليه وآله): المُستحلّ من عترتي ما حرَّم اﷲ ملعون على لساني، ولسان كلّ نبيٍّ مجاب، فمَنْ ظلمنا كان من جملة الظَّالمين لنا، وكانت لعنة اﷲ عليه لقوله (عز وجل) : (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِين) [هود: 18] إلى أن قال: وأمَّا ما سألت عنه من أمر الضّياع الَّتي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها،
وأداء الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى النَّاحية احتساباً للأجر وتقرُّباً إليكم؟ فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا؟! إنّه مَنْ فعل شيئاً من ذلك لغير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرم عليه، ومَنْ أكل من مالنا شيئاً فإنَّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلىٰ سعيراً)([8]).
وقد عرفت أنَّها معتبرة، فراجع ما ذكرناه عند الكلام عن خُمُس الكنز.
([1]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح5.
([2]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح3.
([3]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح16.
([4]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح20.
([5]) المهذب البارع: ج1، ص571.
([6]) الوسائل باب 3 من أبواب الأنفال ح1.
([7]) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح5.
([8]) الوسائل باب 3 من أبواب الأنفال ح7.