الدرس 1176 _كتاب الخمس 56
الأوَّل: في كمّـيّة القِسمة: فهل يُقسّم الخُمُس أسداساً أم أخماساً؟
فالمعروف بين الأعلام أنَّه يُقسّم الخُمُس ستة أقسام، ثلاثة للنَّبيّ (ص): وهي سهم اﷲ تعالى، وسهم رسوله (ص)، وسهم ذي القربى، وبعده للإمام (عليه السلام) القائم مقامه، والثَّلاثة الأُخر وهي النِّصف لليتامى، والمساكين، وابن السَّبيل.
وفي الجواهر: ( أنَّ هذا هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك في صريح الانتصار، وظاهر الغنية، وكشف الرُّموز أو صريحها...)([1]).
وعن كنز العرفان: (أنَّه مذهب أصحابنا).
وعن الأمالي للشَّيخ الصَّدوق (رحمه اﷲ): (أنَّه من دين الإماميّة).
وحكى المحقِّق (رحمه اﷲ) في الشَّرائع، والعلاَّمة (رحمه اﷲ) في المنتهى والتَّذكرة عن بعض الأصحاب قولاً بأنَّه يُقسَّم خمسة أقسام بحذف سهم اﷲ (عز وجل) ، وربَّما نُسِب إلى ابن الجنيد (رحمه اﷲ).
وعليه، فيكون سهم اﷲ (عز وجل) لرسوله (ص)، وسهم ذي القربى لهم، والثَّلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السَّبيل.
وإلى هذا القول ذهب أكثر العامَّة، ونقله المحقِّق (رحمه اﷲ) في المعتبر عن أبي حنيفة والشَّافعي.
إذا عرفت ذلك، فقد استُدلَّ للقول الأوَّل المشهور بين الأعلام بالكتاب المجيد والسُّنّة النَّبويّة الشَّريفة:
أمَّا الكتاب المجيد، فقوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) ]الأنفال: 41].
وقد عرفت أنَّ المراد بالغنيمة هو مطلق الفائدة لا خصوص غنيمة دار الحرب، وهي صريحة بأنَّ الخُمُس يُقسَّم على ستَّة أسهم.
وأمَّا السُّنّة النَّبويّة الشَّريفة، فالرِّوايات مستفيضة جدّاً، ولكنَّها كلّها ضعيفة السَّند، وقيل: إنَّها متواترةٌ معنى، أو إجمالاً، ولكن لم يثبت ذلك:
منها: مرسلة عبد اﷲ بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام) في قول اﷲ تعالى: (﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) قَاْل: خمس اﷲ للإِمام، وخمس الرَّسول للإِمام، وخمس ذوي القربىٰ لقرابة الرَّسول الإِمام، واليتامى يتامى آل الرَّسول، والمساكين منهم، وأبناء السَّبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم)([2])، وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: مرسلة حمَّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصَّالح (عليه السلام) (قَاْل: الخُمُس من خمسة أشياء: مِنَ الغنائم، والغَوْص، ومِنَ الكنوز، ومِنَ المعادن، والملاحة، يُؤخذ من كلِّ هذه الصُّنوف الخُمُس، فيُجعل لمَنْ جعله اﷲ له، وتُقسَّم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك، ويُقسَّم بينهم الخُمُس على ستَّة أسهم: سهم ﷲ، وسهم لرسول اﷲ (ص)، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السَّبيل، فسهم اﷲ وسهم رسول اﷲ لأولي الأمر من بعد رسول اﷲ وراثة، وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، وسهم
مقسوم له من اﷲ، وله نصف الخُمُس كملاً، ونصف الخُمُس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، يُقسّم بينهم على الكتاب والسُّنّة (الكفاف والسِّعة) إلى أن قال: وإنَّما جعل اﷲ هذا الخُمُس خاصَّةً لهم دون مساكين النَّاس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات النَّاس تنزيهاً مِنَ اﷲ لهم لقرابتهم برسول اﷲ (ص)، وكرامةً من اﷲ لهم عن أوساخ النَّاس، فجعل لهم خاصَّة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيّرهم في موضع الذُّلّ والمسكنة، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض، وهؤلاء الَّذين جعل اﷲ لهم الخُمُس هم قرابة النَّبيّ (ص) الَّذين ذكرهم اﷲ فقال: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين) ]الشعراء: 214]، وهم بنو عبد المطّلب أنفسهم الذَّكر منهم والأُنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد، ولا فيهم ولا منهم في هذا الخُمُس من مواليهم، وقد تحلّ صدقات النَّاس لمواليهم وهم والنَّاس سواء، ومَنْ كانت أُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش، فإنَّ الصَّدقات تحلُّ له وليس له من الخُمُس شيء، لأنَّ اﷲ يقول: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ) ]الأحزاب: 5] إلى أن قال: وليس في مال الخُمُس زكاة؛ لأنَّ فقراء النَّاس جعل أرزاقهم في أموال النَّاس على ثمانية أسهم، فلم يبقَ منهم أحد، وجعل للفقراء قرابة الرَّسول (ص) نصف الخُمُس، فأغناهم به عن صدقات النَّاس وصدقات النَّبيّ (ص) ووليّ الأمر، فلم يبقَ فقير من فقراء النَّاس، ولم يبقَ فقير من فقراء قرابة رسول اﷲ (ص) إلاّ وقد استغنى، فلا فقير، ولذلك لم يكن على مال النَّبيّ والوليّ زكاة
لأنَّه لم يبقَ فقير محتاج، ولكن عليهم أشياء تنوبهم من وجوه، ولهم من تلك الوجوه كما عليهم)([3])، وهي ضعيفة أيضاً بالإرسال.
([1]) الجواهر: ج16، ص84.
([2]) الوسائل باب 1 من أبواب قسمة الخمس ح2.
([3]) الوسائل باب 1 من أبواب قسمة الخُمُس ح8.