الدرس 1148 _كتاب الخمس 28
أقول: أوَّلاً: إنَّ هذه الرِّواية حسنةٌ، فإنَّ أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ (رحمه اﷲ) وثَّقه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه اﷲ)، حيث قال في حقِّه: (وكان رجلاً ثقةً ديّناً فاضلاً رحمة اﷲ عليه ورضوانه)([1])، كما أنَّه ترضَّى عنه في عشرة مواضع.
وقد ذكرنا أيضاً في أكثر من مناسبة أنَّ رواية ابن أبي عمير عن غير واحد لا تضرّ في المقام؛ للاطمئنان بوجود الثِّقة في غير الواحد.
والخلاصة: أنَّه لا إشكال في السَّند.
وثانياً: أنَّ دلالتها على المطلب متوقِّفة على كون المراد من الخامس الَّذي نسيه ابن أبي عمير هو الَّذي ذكره الشَّيخ الصَّدوق (رحمه اﷲ) بعد ذكره للرِّواية.
ولكنَّ هذا التَّفسير من الشَّيخ الصَّدوق (رحمه اﷲ) ليس حُجَّةً يمكن الاعتماد عليها، لا سيَّما أنَّه قال: (أظنّ الخامس الَّذي نسيه...)، ومن المعلوم أنَّ الظَّنّ لا يُغني من الحقِّ شيئاً.
ومن جملة الرِّوايات المستدلّ بها: معتبرة السَّكونيّ عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قَاْل: أتى رجلٌ أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: إنِّي كسبتُ مالاً أغمضتُ في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردتُ التَّوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقدِ اختلط عليَّ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تصدَّق بخُمُس مالك، فإنَّ اﷲ (قد) رضي من الأشياء بالخُمُس، وسائر المال لك حلال)([2]).
وقد يُشكل على الاستدلال بهذه المعتبرة: بأنَّ قوله (عليه السلام): (تصدَّق...)، ظاهرٌ في الصَّدقة بالمعنى المعروف، وهو التّصدُّق على الفقراء والمساكين.
وعليه، فالمراد منها غير الخُمُس المعهود، فإنَّ لفظ (الخُمُس)، وإن كان المراد منه المعنى المعهود؛ باعتبار ثبوت الحقيقة المتشرعيّة للخُمُس في عصر الصَّادقين (عليهما السلام)، إلاَّ أنَّ ظهور لفظ (الصَّدقة) في غير الخُمُس المعهود أقوى من ظهور لفظ (الخُمُس) في المعنى المعهود.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ قوله (عليه السلام) في ذيل المعتبرة: (فإنَّ اﷲ قد رضي من الأشياء بالخُمُس)، ظاهرٌ جدّاً في أنَّ المراد بالخُمُس هو الخُمُس المعهود؛ إذ من المعلوم أنَّه لم يُعهد من الشَّارع المقدَّس وجود خُمُس آخر غير الخُمُس المصطلح عليه في شيءٍ فضلاً عن الأشياء.
وعليه، فيكون الذَّيل قرينةً على المراد من الصَّدقة، لاسيَّما أنَّ ظهور سائر الرِّوايات وبالأخصّ رواية عمَّار بن مروان في الخُمُس المعهود أقوى من ظهور هذه المعتبرة في الصَّدقة المعهودة، وهذه قرينة أخرى على حمل الصَّدقة على المعنى اللُّغويّ العامّ الشَّامل للخُمُس المعهود.
أضف إلى ذلك: أنَّ الموجود في نسخة الفقيه: (أخْرِج خُمُس مالك) بدل (تصدَّق بخمس مالك)، وعليه فالأمر هيِّن.
والخلاصة: أنَّ الاستدلال بهذه المعتبرة قويٌّ لا إشكال فيه.
ومن جملة الأدلَّة المستدلّ بها على وجوب الخُمُس في هذا النَّوع: مرسلة الشَّيخ المفيد (رحمه اﷲ)، حيث أرسل عن الصَّادق (عليه السلام): (عَنْ رَجُلٍ اكْتَسَبَ مَالاً مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، ثُمَّ أَرَادَ التَّوْبَةَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَهُ الْحَلَالُ بِعَيْنِهِ مِنَ الْحَرَامِ، فَقَالَ: يُخْرِجُ مِنْهُ الْخُمُسَ، وَقَدْ طَابَ، إِنَ اﷲَ تَعَالَى طَهَّرَ الْأَمْوَالَ بِالْخُمُسِ)([3])، وهذه الرِّواية وإن كانت تامَّة الدَّلالة؛ لظهورها في إرادة الخُمُس المعروف، وأنَّه هو السَّبب لحلّيّة باقي المال، إلاَّ أنَّها ضعيفة بالإرسال.
مضافاً إلى أنَّ راويها، وهو الشَّيخ المفيد (رحمه اﷲ)، لم يعمل بها، كما لا يخفى.
والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه جماعة من الأعلام المتقدِّمين، وجملة من المتأخِّرين، من عدم الوجوب ليس تامّاً؛ إذ هو طرح للرِّوايات المتقدِّمة، رغم اعتبار أسانيد بعضها.
ومن هنا أجاد صاحب الحدائق (رحمه اﷲ) في ردّ القول بعدم الوجوب، حيث قال: (وطرحها أي لهذه الأخبار مع تكرُّرها في الأصول، واتّفاق الأصحاب على القول بها ممَّا لا يجترئ عليه ذو مسكة...)([4])، واﷲ العالم بحقائق أحكامه.
الجهة الثَّانية: في مصرف هذا القسم من الخُمُس، فهل مصرفه مصرف سائر أقسام الخُمُس، أم أنَّ مصرفه الفقراء، فيتصدّق به عليهم؟
هل مصرف هذا الخُمُس هو مصرف سائر أقسام الخُمُس من المعادن والغنائم والكنز وأرباح المكاسب، وغيرها، أم أنَّ مصرف هذا الخُمُس هو الفقراء والمساكين؟
قال صاحب الحدائق (رحمه اﷲ): (جمهور الأصحاب(رضوان اﷲ عليهم); على أنَّ مصرفه هو مصرف غيره من المصارف التي تضمَّنتها الآية)([5])، وعن المصنِّف (رحمه اﷲ) في البيان: (أنَّ ظاهر الأصحاب ذلك...)([6]).
وبالجملة، فهذا هو المشهور والمعروف بينهم.
ولكن عن جملة من متأخِّري المتأخِّرين منهم صاحب المدارك (رحمه اﷲ) أنَّ مصرفه هو الفقراء والمساكين.
([1]) كمال الدين وتمام النعمة: ص369.
([2]) الوسائل باب 10 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح4.
([3]) المقنعة: ص283.
([4]) الحدائق: ج12، ص336.
([5]) الحدائق: ج12، ص336.
([6]) حكاه عنه في الجواهر: ج16، ص72.