الدرس 1130 _كتاب الخمس 10
ومنها: رواية حكيم مؤذن بني عبس (عيس) عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قَاْل: قلتُ له: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ)، قَاْل: هي واﷲ! الإِفادة يوماً بيوم، إلاَّ أنَّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حِلٍّ ليزكوا) ([1])، ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سنان، وبجهالة حكيم مؤذن بني عبس (عيس).
والخلاصة: أنَّه لا إشكال في إطلاق الآية الشَّريفة.
إن قلت: لو كانت الآية الشَّريفة مطلقةً فتشمل هذا النَّوع من الخُمُس، فلماذا لم يتصدَّ لأخذه الرَّسول (ص) والأمير (عليه السلام) من بعده؟! بل لم يظهر أنَّه كان له أثرٌ في صدر الإسلام؛ إذ لم يرد عندنا ولو في رواية ضعيفة أنَّ النَّبيّ (ص) أخذ هذا النَّوع من الخُمُس، وكذا الأئمَّة (عليهم السلام) إلى زمن الصَّادقَيْن (عليهما السلام)، حيث يظهر من الرِّوايات الواردة عن الإمام الصَّادق (عليه السلام) وجود هذا النَّوع من الخُمُس في زمنه (عليه السلام) .
قلتُ: يمكن الجواب عنه بما هو المعروف بين الأعلام من أنَّ الأحكام الشَّرعية تدريجيّةُ الوجود، فلم يكن بيانها بتمامها في زمن واحد، بل كان بيانها وتبليغها للنَّاس في أزمنة متعدِّدة خلال ما يقرب من مائتي سنة ونيّف، بل يظهر من بعض الرِّوايات أنَّ جملةً من الأحكام يُظهرها صاحب الزَّمان (عج) حين ظهوره، وهي الآن مستورة عنده.
وعليه، فيمكن أن يكون بيان هذا النَّوع من الخُمُس متأخّراً إلى زمن الصَّادقَيْن (عليهما السلام) لحكمة لا نعلمها.
أضف إلى ذلك: أنَّ الجزم بعدم أخذ هذا النَّوع من الخُمُس في زمن النَّبيّ (ص) والأئمَّة (عليهم السلام) من بعده إلى زمن الصَّادقَيْن (عليهما السلام)، في غير محلِّه؛ إذ لعلَّ هذا النَّوع من الخُمُس كان موجوداً في ذاك الوقت ولكن لم يصل إلينا خبرٌ عنه؛ لما هو معلوم من أنَّ كثيراً من الرِّوايات خفيت علينا؛ لعدَّة أسبابٍ يطول شرحها، وإلاَّ فإنَّ هناك كثيراً من الحوادث حصلت في صدر الإسلام ولم نعلم عنها شيئاً، واﷲ العالم.
هذا تمام الكلام بالنِّسبة للآية الشَّريفة.
وأمَّا الرِّوايات الشريفة، فقد عرفت أنَّها تجاوزت حدّ التَّواتر:
منها: موثَّقة سماعة (قَاْل: سألتُ أبا الحسن (عليه السلام) عن الخُمُس؟ فقال: في كلِّ ما أفاد النَّاس من قليلٍ أو كثيرٍ)([2]).
ومنها: صحيحة عليِّ بن مَهْزِيار (قَاْل: قال لي أبو عليّ بن راشد، قلتُ له: أمرتني بالقِيَام بأمرِك، وأَخْذ حقِّك، فأعلمتُ مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيُّ شيءٍ حقُّه؟ فلم أدرِ ما أُجيبُه؟ فقال: يجب عليهم الخُمُس، فقلتُ: ففي أيِّ شيءٍ؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم (وضياعهم)، قلتُ: والتَّاجر عليه، والصَّانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم)([3])، وأبو عليّ بن راشد هو الحَسَن بن راشد البغداديّ الثِّقة من أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام).
ومنها: صحيحة ثانية لعليّ بن مَهْزِيار (قَاْل: كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ: أقرأني عليٌّ كتابَ أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضِّياع، أنَّه أوجب عليهم نصف السُّدُس بعد المؤونة، وأنَّه ليس على مَنْ لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السُّدس، ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضِّياع الخُمُس بعد المؤونة مؤونة الضَّيعة وخراجها، لا مؤونة الرَّجل وعياله، فكتب وقرأه عليُّ بن مَهْزِيار : عليه الخُمُس بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السُّلطان)([4])، فإنَّ إبراهيم بن محمَّد الهمدانيّ، وإن كان غير موثَّق، لأنّ الروايات المادحة له ضعيفة السند، إلاَّ أنَّه لا يضرّ ذلك بعد شهادة عليّ بن مَهْزِيار بأنَّ الكاتب هو أبو الحسن الثَّالث (عليه السلام).
ثمَّ إنَّ الوجه في إيجابه نصف السدس هو إباحته الباقي للشِّيعة؛ لانحصار الحقِّ فيه (عليه السلام).
ومنها: روايته الثَّالثة عن عليِّ بن محمَّد بن شُجاع النَّيسابوريّ (أنّه سأل أبا الحسن الثَّالث (عليه السلام) عن رجلٍ أصاب من ضيعته من الِحنطة مائة كُرٍّ ما يُزكَّى، فأخذ منه العُشْر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضَّيعة ثلاثون كرّاً، وبقي في يده ستُّون كُرّاً، ما الَّذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقَّع (عليه السلام): لي منه الخُمُس ممَّا يفضل من مؤونته)([5])، وهي ضعيفة؛ لعدم وثاقة عليِّ بن
محمَّد بن شُجاع النَّيسابوريّ. والحاكي لقوله (فوقّع) هو عليّ بن محمد بن شُجاع النَّيسابوريّ، لا ابن مهزيار حتى يكون ذلك شهادة منه بأنّ الموقّع هو الإمام (عليه السلام).
([1]) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال ح8.
([2]) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح6.
([3]) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح3.
([4]) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح4.
([5]) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح2.