الدرس 732 _ احكام الخلل في الصلاة 7
وممَّا يؤكَّد الدَّلالة على عدم وجوب القضاء، جملة من الرِّوايات تعرَّضت للتشهُّد المنسيِّ، ولم تتعرَّض لوجوب قضائه، وإنَّما تعرَّضت لوجوب سجدتي السَّهو:
منها: صحيح سليمان بن خالد، قَاْلَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَجْلِسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ، فَقَالَ: إِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فَلْيَجْلِسْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَرْكَعَ فَلْيُتِمَّ الصَّلَاةَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ فَلْيُسَلِّمْ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ».[1]
ومنها: صحيح ابن أبي يعفور، قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ، فَلَا يَجْلِسُ فِيهِمَا حَتَّى يَرْكَعَ، فَقَالَ: يُتِمُّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ».[2]
ومنها: موثَّقة أبي بصير، قال: «سألتُ عَنِ الرَّجلِ يَنْسَى أنْ يتشهَّد، قال: يَسْجُدُ سَجْدتَيْن يتشهَّدُ فِيْهِمَا».[3] وكذا غيرها من الرِّوايات.
والخلاصة في نهاية المطاف: أنَّه إنْ كان المنسيُّ التشهُّد الأخير رجع إليه وأتى به، وهذا ليس قضاءً بالمعنى المصطلح عليه، وكذا إنْ كان التشهُّد هو التشهُّد الأوَّل، وذكره قبل الرُّكوع، وإنْ ذكره بعده فليس عليه إلَّا سجود السَّهو. نعم، الأحوط استحباباً قضاء التشهُّد.
وأمَّا ما حُكِي عن المكاتب ابن الجنيد (رحمه الله)، من إعادة الصَّلاة بنسيان التشهُّد فقدِ استُدلَّ له بروايتَيْن:
الرواية الأُولى: موثَّقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنْ نَسِيَ الرَّجُلُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ، فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً مِنَ التَّشَهُّدِ أَعَادَ الصَّلَاةَ».[4]
الرواية الثانية: رواية عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: «سألتُه عَنْ رجلٍ تَرَك التشهُّدَ حتَّى سلَّم، كيف يصنع؟ قال: إنْ ذَكَرَ قبل أنْ يسلِّمَ فَلْتشهد، وعليه سجدتا السَهو، وإنْ ذَكَرَ أنَّه قال: أشهدُ أَنْ لا إله إلَّا الله، أو بسم الله، أجزأه في صلاتِه، وإن لم يتكلَّم بقليل، ولا كثير حتَّى يسلِّم، أعادَ الصَّلاة».[5] وهي ضعيفة بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل.
والإنصاف: أنَّه يحمل الأمر بالإعادة في موثَّقة عمَّار على الاستحباب، أو يُردُّ علمهما إلى أهلها، للرِّوايات المستفيضة جدًّا، إنْ لم تكن متواترةً، الدَّالة على عدم بطلان الصَّلاة بنسيان التشهُّد، ولا شكَّ أنَّ العمل هو على طِبْق هذه الرِّوايات، بل هناك تسالم بينهم على ذلك؛ وخلاف الكاتب ابن الجنيد رحمه الله غير قادح، والله العالم.
الأمر الثالث: في قضاء الصَّلاة على النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) وآله إذا ذكر ذلك بعد الرُّكوع أو بعد التسليم.
قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: «تتدارك الصَّلاة على النَّبيِّ وآله (صلّى الله عليهم) إذا سها عنها المصلِّي، كما يتدارك التشهُّد، فإنْ كان في محلِّ تدارك التشهُّد -أعني قبل الرُّكوع- عاد لها، ولا يضرّ الفَصْل بينها وبين التشهُّد، وإنْ كان بعده قضاها بعد التسليم، كما يقضي التشهُّد» (انتهى كلامه).
وفي الجواهر: «هو المشهور نقلاً إنْ لم يكن تحصيلاً، بل في الخلاف: مَنْ ترك التشهُّد والصَّلاة على النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) قضى ذلك بعد التسليم وسجد سجدتي السَّهو، وقال الشَّافعي: يجب عليه قضاء الصَّلاة، دليلنا إجماع الفرقة، والقضاء فَرْض ثانٍ» (انتهى كلامه).
وقال ابن إدريس (رحمه الله): «لا يجب قضاء الصَّلاة على محمَّد وآله، لأنَّ حَمْله على التشهُّد قياس لا نقول به» (انتهى كلامه).
وأنكر العلَّامة (رحمه الله) في المختلف على ابن إدريس (رحمه الله)، واستدلَّ على وجوب القضاء: «بأنَّ المكلَّف مأمور بالصَّلاة على النَّبيِّ وآله (عليهم السلام) ولم يأتِ به، فيبقى في عُهْدة التكليف إلى أنْ يخرج منه بفعله فتعيَّن فِعْله، وبأنَّ التشهُّد يُقْضَى بالنص فكذا أبعاضه، تسويةً بين الكلِّ والجُزْء. ثمَّ قال: وليس في هذه الأدلَّة قياس، وإنَّما هو لقصور قوَّته المميِّزة، حيث لم يجد نصّاً صريحاً حكم بأنَّ إيجاب القضاء مستند إلى قياس خاصَّة» (انتهى كلامه).
أقول: لا يوجد دليل قويٌّ على وجوب القضاء.
وأمَّا ما ذكره العلَّامة (رحمه الله) في المختلف:
فيرد على دليله الأوَّل: أنَّ وجوب الصَّلاة على النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) وآله في التشهُّد قد فات بالنسيان، والقضاء بعد ذلك يحتاج إلى دليل، وهو مفقود، وقد ذكرنا في محلِّه أنَّ القضاء ليس نابعاً للأداء.
ويرد على دليله الثاني، والذي استدلَّ به أيضاً المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: بمنع الملازمة، إذ لا دليل على التسوية بين الكلِّ والبعض؛ وقضاءُ البعض في ضمن الكلِّ لا يقضي بقضائِه مستقلّاً، كما في الصَّلاة وأبعاضها، على أنَّك عرفت سابقاً أنَّه لا دليل على وجوب قضاء التشهُّد فكيف بأبعاضه.
وأمَّا الاستدلال على وجوب قضاء الصَّلاة على النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) وآله، بصحيحتَيْ حكم بن حكيم، وعبد الله بن سنان المتقدِّمتَيْن، فقد عرفت أنَّهما مجملتان في غير القدر المتيقَّن منهما.
الأمر الرابع: في وجوب سجود السَّهو للسَّجدة المنسيَّة.
المعروف بين الأعلام: أنَّه يجب أن يسجد سجدتي السَّهو عند نسيان السَّجدة.
وفي الجواهر: «فهو المشهور شهرةً كادت تكون إجماعاً، بل عليه الإجماع في المنتهى، وعن الخلاف والغنية التذكرة وآراء التلخيص للعلَّامة» (انتهى كلامه).
وبالمقابل ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم الوجوب، وهو ظاهر الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في العِزيَّة والشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) ووالده، بل عن أمالي الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) أنَّه من دِين الإماميَّة.
ومهما يكن، فقدِ استُدلَّ للقائل بالوجوب بعدة أدلَّة:
منها: الإجماع المحكيِّ، كما عرفت. وفيه: أنَّه إجماع منقول بخبر الواحد، وهو غير حجَّة، بل يصلح للتأييد فقط.
ومنها: مرسلة سفيان بن السَّمْط عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «تسجد سجدتي السَّهو، في كلِّ زيادة تدخل عليك أو نقصان».[6] وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بالإرسال، وعدم وثاقة سفيان بن السَّمْط. وثانياً: أنَّ أكثر الأعلام إنْ لم نقل كلّهم لم يلتزموا بما تضمنته المرسلة من سجود السَّهو لكلِّ زيادة أو نقيضة.
ومن هنا، يتضح لك أنَّه حتَّى لو قلنا: بأنَّ عمل المشهور جابر لضعف السَّند، إلَّا أنَّه هنا أعرضوا عن عموم هذه الرِّواية.
أما تتمة الكلام في الأمر الرابع، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.