الدرس 540 _ التشهد والتسليم 7
لا زال الكلام في الأمر الرابع: وهو في كيفيّة الصَّلاة على النَّبيّ وآله (صلى الله عليه وآله)، وهل يتعيّن فيها أن تكون بصيغة: اللهمَّ صلّ على محمّد وآل محمد، أم يجتزئ بكلّ صيغة تدلّ عليه.
استدل للقول المشهور أو الأشهر وهو: «اللهم صلّ على محمد وآل محمد» بعدة روايات:
منها: ما عن إبن مسعود عن النبي (صلى الله عليه واله) أنه قال: «إذا تشهد أحدكم في صلاة فليقل: اللهم صلّ على محمد وآل محمد»[1].
وهذه الرواية رويت من طرق العامة وهي ضعيفة جداً. وأما القول بأن المشهور عمل بها وعمله جابر لضعف السند. فقد عرفت ما فيه فلا حاجة للإعادة، مضافاً إلى أنه لم يحرز عمل المشهور بها، ومجرد وجودها في كتبهم ليس معناه أنهم عملوا بها.
ومنها: رواية عبد الملك بن عَمْرو الأحول المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «التشهّد في الرّكعتين الأولتين، الحمد لله، أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، اللّهمَّ صلِّ محمَّد وآل محمَّد، وتقبَّل شفاعته، وارفع درجته»[2]. لكنها ضعيفة بعبد الملك بن عمرو الأحول. أما اشتمالها على بعض المستحبّات كالتحميد والدعاء بقبول الشفاعة لا يضرّ بالإستدلال لولا ضعف سندها كما عرفت.
ومنها: رواية إسحق بن عمار المتقدمة الحاكية لصلاة النبي (صلى الله عليه وآله) في المعراج، حيث ورد فيها: «ثم قال له: ارفع رأسك ثَبَتَك الله، وَاشْهَدْ أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، اللهم صل على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت ومننت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم تقبل شفاعته وارفع درجته.... الحديث»[3]. ولكنها ضعيفة بمحمد بن علي الكوفي فتصلح للتأييد.
ومنها: موثَّقة أبي بصير الطَّويلة، والتي سنذكرها بطولها إن شاء الله قريباً، وقد تكرَّر فيها أكثر من مرَّة: «اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد»[4]، ولا يقال: إنَّها مشتملة على كثير من المستحبَّات، فقوله (عليه السلام): «إذا جلستَ في الرِّكعة الثانية فقل: بسم الله ...»، يكون مستعملاً في الأعمّ من الوجوب، فلا تدلُّ حينئذٍ على الوجوب. فإنَّه يقال: إنَّ قوله (عليه السلام): «فقل» أمر، وهو ظاهر في الوجوب عقلاً لا وضعاً، فإذا قامت قرينة على الترخيص في الترك، فتحمل على الاستحباب، ومع عدم قيامها فالعقل ينتزع من الصِّيغة الإلزام. وعليه: فليس الوجوب والاستحباب مدلولين للصّيغة حتَّى يرد هذا الإشكال، وبما أنَّه ورد الترخيص بالإضافة إلى جملة من الأدعية والأذكار فيحمل الأمر بها في الموثَّقة على الاستحباب، ولم يرد الترخيص بالنسبة لكيفيَّة الصَّلاة، فتبقى حينئذٍ على الإلزام بالنسبة للصِّيغة. وأمَّا ما قيل: إنَّه في بعض النسخِ حَصَلَ الفَصْلُ بين «محمَّدٍ وآله» بـ «على» هكذا: «اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد». فإنَّه يُقال أوَّلاً: إنَّه لم يثبتْ ذلك. وثانياً: على فرضِ ثبوتِ الفَصْلِ إلَّا أنَّه لا يضرُّ بالاستدلالِ، كما لا يخفى، فيجوزُ أنْ تقولَ: «اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد». والخلاصةُ: أنَّ الدليل القويَّ لقولِ المشهورِ أو الأشهرِ هو هذه الموثَّقةُ، والله العالم.
وأما من ذهب: إلى أنه يجتزأ بكل صيغة مثل: صلى الله على محمد وآله أو صلى الله على رسوله وآله أو صلى الله عليه وآله. منهم الشيخ المفيد. والعلامة في النهاية. وصاحب الجواهر. والسيد محسن الحكيم (رحمهم الله) فقد يستدلُّ له بعدَّة أدلَّة:
منها: إطلاقات أدلَّة وجوب الصَّلاةِ على النّبيّ وآله (صلى الله عليه وآله). وفيه: أنَّ الرواياتَ الدَّالةَ على وجوب الصَّلاة على النّبيّ وآله (صلى الله عليه وآله) ليست ناظرةً لكيفيَّة الصَّلاةِ عليه (صلى الله عليه وآله)، بل هي واردةٌ لحكمٍ آخر، ولو سلِّمَ ثبوتُ الإطلاق فيها، إلَّا أنَّه مقيَّدٌ بموثَّقةِ أبي بصير المتقدِّمة الدَّالة على كيفيَّةٍ خاصَّة.
ومنها: صحيحة سدير الصيرفي ومحمَّد بن نعمان الأحول مؤمن الطَّاق وعمر بن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث طويل- قال: «إن الله عرَّج نبيّه (صلى الله عليه واله) (إلى أن قال): وذهبتُ أن أقوم، فقال: يا محمَّد! اُذكر ما أنعمتُ عليك، وسمِّ باسمي، فألهمني الله أن قلت: بسم الله، وبالله، لا إله إلَّا الله، والأسماء الحسنى كلها لله، فقال لي: يا محمَّد! صلِّ عليك وعلى أهل بيتك، فقلت: صلى الله عليّ وعلى أهل بيتي، وقد فعل...»[5]. وفيه: أنَّه لم يذكر في الصَّلاة التشهُّد، وإنَّما ذُكِرَ «بسم الله وبالله»، فيُحتمل أن تكونَ الصَّلاة على النَّبيّ وآله في هذه الصَّحيحةِ غير الصَّلاة عليه وآله عقيبَ الشَّهادتين.
ومنها: رواية الحسن بن الجهم[6]، وموثّقة سماعة[7]، المتقدِّمتَيْن، بناءً على اشتمالهما على لفظ (صلى الله عليه وآله) كما في جملة من النسخ. ولكن في جملةٍ أخرى من النسخ خلوّها عن ذلك فيحتملُ حينئذٍ كون ثبوته في تلك النسخ من أدب الكتابِ في كتاباتهم -أي لما رؤوا إسم النبي أضافوا (صلى الله عليه وآله)، لا من متنِ الرِّواية، كما أنَّه يحتمل كون حذفه من النسخ الخالية عنه ناشئاً من اشتباه النسخ. والخلاصةُ: أنَّه لم يثبتْ كونُ هذه الصَّلاة (صلى الله عليه وآله) من متنِ الرِّوايتَيْن. مضافاً لِضعفِ روايةِ الحسن بن الجهم، لعدم وثاقة عبَّاد بن سليمان.
ومنها: أصالة البراءة عن تعيُّنِ الكيفيَّة الخاصَّة. وفيه: أنَّه مع وجود الأمارة لا مسرح للأصل العملي، وقد عرفتَ أنَّ موثَّقةَ أبي بصير دلَّت على الكيفيَّة الخاصَّة المشهورة بين الأعلام، والعوام من النَّاس.
والخلاصة: أنَّ الكيفية الخاصة وهي: «اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد» لو لم تكن متعينة فلا أقلَّ أنَّ الأحوط وجوبا هو الاقتصار عليها في التشهُّدَيْن، والله العالم.
هذا تمام الكلام في الأمر الرابع.
أما الأمر الخامس: هل تجب الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في غير التشهُّدَيْن، حيثما ذُكِر (صلى الله عليه وآله) أم تستحبّ؟
المشهور بين الأعلام: هو الاستحباب. بل عن المحقِّقِ في المعتبر والعلَّامةِ في المنتهى (رحمهما الله)، دعوى الإجماع عليه. قالا في الكتابَيْن المذكورَيْن: «لا يقال: ذَهَب الكَرْخِيُّ إلى وجوبها في غير الصَّلاة، في العمرِ مرةً واحدةً، وقال الطَّحَاوِي: كلَّما ذُكِرَ؛ قلنا: الإجماع سبق الكَرْخِيَّ والطَّحَاوي، فلا عبرةَ بتخريجهما»[8]. (انتهى كلامه)
وفي الذَّخيرة -بعد أنْ نقل عن المعتبر والمنتهى هذه العبارة- قال ما لفظه: «ولم أطلعْ على مصرِّحٍ بالوجوب من الأصحاب، إلَّا أنَّ صاحب الكنز العرفان ذهب إلى ذلك، ونقله عن ابن بابويه، وإليه ذهب الشَّيخ البهائيّ في مفتاح الفلاح، (إلى أن قال): والأقرب: عدمُ الوجوبِ، للأصل المضافِ إلى الإجماع المنقولِ سابقاً، وعدمِ تعليمها للمؤذِّنِين، وعدمِ ورودها في أخبارِ الأَذان، وعدمِ وجودِها في كثيرٍ من الأدعية المضبوطةِ المنقولةِ عن الأئمةِ الطَّاهرينَ، مع ذكره (صلى الله عليه وآله) فيها، وكذلك في الأخبار الكثيرة»[9]. (انتهى كلامه)
وممَّن ذهب إلى الوجوب: صاحبا الوسائلِ والحدائقِ (رحمهما الله)، فذهبا إلى وجوبها كلَّما ذُكِرَ اسمه (صلى الله عليه وآله) ، بل في الحدائق نسبه أيضاً- زيادةً على ما ذَكَرَه في الذَّخيرة- إلى المحدِّث الكاشاني، والفاضلِ المحقِّق المولى محمَّد صالح المازندراني، في شرحه على أصول الكافي، والشيخ عبد الله بن صالح البحراني (رحمهم الله).
قال صاحب الحدائق (رحمه الله): «وبالجملة، فإنَّ القولَ بالوجوب في المقام ما لا تعتريه غشاوةُ الإبهامِ، لِصحَّة جملةٍ من هذه الأخبار، (إلى أن قال): وقد عرفتَ استفاضةَ الأخبار من الخاصَّة والعامَّة على ذلك، فالإنكار بعد ذلك مكابرة صِرفة»[10]. (انتهى كلامه)
أقول: استدل لوجوب الصلاة على محمد وآل محمد عدة روايات:
منها: -وهي العمدة في الإستدلال على الوجوب- صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: «وصلِّ على النبي (صلّى الله عليه وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكرٌ عندك في أذان أو إقامة»[11].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سنن البيهقي: ج2، ص379.
[2] الوسائل باب 3 من أبواب التشهد ح1.
[3] الوسائل باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح11.
[4] الوسائل باب 3 من أبواب التشهد ح2.
[5] الوسائل باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح10.
[6] الوسائل باب 1 من أبواب قواطع الصلاة ح6.
[7] الوسائل باب 6 من أبواب صلاة الجماعة ح2.
[8] الحدائق الناضرة: ج8، ص460.
[9] ذخيرة المعاد للسبزواري (رحمه الله)؛ ج1، ص289.
[10] الحدائق الناضرة: ج8، ص463.
[11] الوسائل باب 42 من أبواب الآذان والإقامة ح1.