الدرس 537 _ التشهد والتسليم 4
لا زال الكلام في الأمر الثاني وهو: «في اعتبار الصلاة على النبي وآله (صلى الله عليه وآله)» في التشهد في الصلاة.
وذكرنا: صحيحة أبي بصير وزرارة جميعاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «من تمام الصّوم إعطاء الزّكاة، كما أنّ الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له إن (إذا) تركها متعمِّداً، ومن صلَّى، ولم يصلّ على النّبيّ (صلى الله عليه وآله)، وترك ذلك متعمِّداً، فلا صلاة له، إنَّ الله تعالى بدأ بها (قبل الصَّلاة) فقال: ﴿قد أفلح من تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى﴾».
وذكرنا: أنَّه قد أشكل على هذه الصّحيحة بثلاثة إشكالات:
الإشكال الأوَّل: أنّ التشبيه في غير محلّه لأنَّ عدم إعطاء زكاة الفطرة لا يضرّ في صحّة الصّوم. نعم، إعطاؤها كمال للصّوم، وهذا بخلاف المشبّه به، وهو الصَّلاة، فإنّ عدم الصَّلاة على النّبيّ وآله في التشهّد يُبطِل الصَّلاة إذا كان الترك عمداً.
وعليه: فالتفكيك بين المشبَّه وهو الصّوم -بحمل قوله (عليه السلام): «فلا صوم له»، إذا لم يؤدّ الزّكاة على نفي الكمال- وبين المشبّه وهو الصَّلاة -بحمل قوله (عليه السلام): «فلا صلاة له» إذا لم يصلّ على النّبيّ وآله على نفي الصَّلاة حقيقةً- مستبشع جدًّا، وهذا يُوهِن الاستدلال بالصّحيحة.
وفيه: أنَّه لا بشاعة في هذا التفكيك، إذ لا يعتبر أن يكون المشبّه كالمشبّه به في تمام الجهات، فلا بأس حينئذٍ أن يكون وجه الشّبه في المشبّه به حقيقيّاً وفي المشبَّه مجازيّاً، على نحو نفي الكمال. نعم، لو كان الواقع في الصّحيحة هو العكس أعني: تشبيه الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في الصَّلاة بالزّكاة مع الصوم لكان الإشكال في محلِّه. فإذا قلت: زيد كالأسد، يعني من حيث الشّجاعة والإقدام، فإنَّ المبالغة في التشبيه إنَّما هو في جانب المشبَّه، وأمَّا في المشبَّه به فهو على وجه الحقيقة.
والخلاصة: أنَّ هذا الإشكال لم يكتب له التوفيق.
الإشكال الثاني: أنَّه لا يوجد فيها الصَّلاة على الآل، بل هي دالَّة على وجوب الصَّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) فقط.
أقول: سوف نبيّن في الأمر السَّادس -إن شاء الله تعالى- أنَّ هناك ملازمة خارجيَّة بين الصَّلاة على النَّبيّ وآله؛ وأنَّه كلّما ذكر النّبيّ، وصلى عليه، فيصلّى على الآل أيضاً، ولا مجال للتفكيك بينهما.
يبقى: ما نسب إلى «إشارة السَّبق»: أنه يُكتفى بالصّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه واله) وحده بدون الآل. نقول: -إن صحت النسبة- فهذا معلوم البطلان في مذهب الشّيعة. وهو منسوب إلى بعض العامّة ساقهم عليه النصب والعداوة. حتى أنّ الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في عيون أخبار الرّضا (عليه السلام) يذكر عن بعض مشايخه -وهو الضّبي-: إنّي ما رأيت أنصب منه، كان يقول: اللَّهمَّ صلّ على محمَّد منفرداً، بقيد الانفراد.
ومهما يكن، فإنَّ هذا الإشكال الثاني أيضاً لم يكتب له التوفيق.
وأمَّا الإشكال الثالث: فإنَّ أقصى ما تدلّ عليه الصّحيحة هو وجوب «الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله)» في الصَّلاة؛ أمَّا كونها في كلٍّ من التشهدين فلا دلالةَ لها على ذلك.
وفيه: أنَّها، وإن كانت مجملةً بالنسبة إلى تعيين محلّها، وبيان موقعها، إلَّا أنّا لمّا رجعنا إلى أفعال الصَّلاة المفهومة من الأخبار والمعدودة فيها لم نجد لها موضعاً نصّ الشّارع على ذكرها فيه إلَّا في التشهّد. وبالجملة، فالشّارع المقدّس لم يذكر الصَّلاة على النَّبيّ وآله جزءاً في الصَّلاة إلَّا في هذا الموضع فيتعيّن حينئذٍ حمل الصّحيحة عليه، والله العالم.
والخلاصة: أنه لاأس بالإستدلا بهذه الصحيحة على وجوب «الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله» في الصلاة.
ومن جملة الرّوايات المستدلّ بها على وجوب الصّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه واله) في الصَّلاة: ما رواه في الوسائل عن الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده عن حمَّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي بصير وزرارة جميعاً، قالا في حديث: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): أنَّ الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه واله) من تمام الصَّلاة، إذا تركها متعمِّداً فلا صلاة له، إذا ترك الصَّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه واله) الحديث»[1].
أقول:
أوَّلاً: أنَّ هذه الصحيحة بهذه الألفاظ، وبهذا النحو، لم توجد في كتاب من لا يحضره الفقيه.
نعم، قال في الحدائق: ظنِّي أنِّي وقفتُ عليه (أي الحديث المتقدم) حين قراءة بعض الإخوان عليّ الكتاب المذكور، ولكن لا يحضرني موضعه الآن. (انتهى كلامه)
وثانياً: أنَّها مشتملة على التكرار الذي لم يعرف وجهه، وبالأخص أنَّه لم يعلم بقيّة الصّحيحة، إذ قد توجد فيها قرينة صارفة عن الظهور.
وثالثاً -مع قطع النّظر عما ذكرناه-: فالأقرب أنَّها نفس الصّحيحة الأُولى، قدِ اقتصر الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) على نقل بعض مضمونها، وليست روايةً أخرى للصّدوق (رحمه الله)، والله العالم.
ومنها: رواية عبد الملك بن عَمْرو الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «التشهّد في الرّكعتين الأولتين، الحمد لله، أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، اللّهمَّ صلِّ محمَّد وآل محمَّد، وتقبَّل شفاعته، وارفع درجته»[2].
هذه الرواية ضعيفة لعدم وثاقة الأحول. نعم، لولا ضعف السَّند لصحّ الاستدلال بها، واشتمالها على بعض الأمور المستحبّة، مثل التحميد والدّعاء، لا يضرّ في المقام، لِما عرفت من أنّ رفع اليد عن ظاهر ما كان ظاهره الوجوب في بعض مدلوله لأجل الترخيص فيه الثابت من الخارج لا يوجب إلغاء الظهور رأساً.
وممَّا ذكرنا يتضح لك صحّة الاستدلال على وجوب الصَّلاة بموثّقة أبي بصير الطّويلة، التي سيأتي ذكرها بالكامل في الأمر الثالث، فإنَّه قد ذكر فيها الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه واله) في كلٍّ من التشهّدين، فإنَّها، وإنِ اشتملت على أمور كثيرة غير واجبة، إلَّا أنَّ ذلك لا يوهن ظهور للأمر في الوجوب، كما عرفت.
ومنها: صحيحة سدير الصيرفي ومحمَّد بن نعمان الأحول مؤمن الطَّاق وعمر بن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث طويل- قال: «إن الله عرَّج نبيّه (صلى الله عليه واله) (إلى أن قال): وذهبتُ أن أقوم، فقال: يا محمَّد! اُذكر ما أنعمتُ عليك، وسمِّ باسمي، فألهمني الله أن قلت: بسم الله، وبالله، لا إله إلَّا الله، والأسماء الحسنى كلها لله، فقال لي: يا محمَّد! صلِّ عليك وعلى أهل بيتك، فقلت: صلى الله عليّ وعلى أهل بيتي، وقد فعل، ثمَّ التفتُ، فإذا أنا بصفوف من الملائكة والنبيين والمرسلين، فقال لي: يا محمَّد سلِّم، فقلتُ: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته»[3].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الوسائل باب 10 من أبواب التشهُّد ح1.
[2] الوسائل باب 3 من أبواب التشهد ح1.
[3] الوسائل باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح10.