الدرس 174 _زكاة الفِطرة 7
أقول: المناط في وجوب فطرته على مولاه هو صِدْق العيلولة الفعليّة، وليس المناط كونه واجب النَّفقة عليه، وإن لم يكن تحت عيلولة المولى.
وقد أشرنا سابقاً إلى أنَّ مقتضى الرِّوايات أنَّ الفِطْرة تابعة للعيلولة نفسها، وقد بيّنا أنَّه يُعتبر في العيلولة التَّابعيَّة والمتبوعيَّة، بحيث يُعدّ المُعال تابعاً للمُعيل، ومن متعلّقيه في شؤون معاشه.
ويترتِّب على ذلك: أنَّه لا فرق في العيال بين أن يكون حاضراً عنده وفي منزله، أو منزل آخر، أو غائباً عنه، فلو كان له مملوك في بلد آخر، ولكنَّه يُنفق على نفسه من مال المولى، ويُعدّ تابعاً للمُعيل لا لغيره، فتجب عليه زكاته.
وأمَّا إذا لم يكن تابعاً له، بل كان يُعطيه المال، أو يُبيحه له بمقدار نفقته، فلا تجب عليه زكاته.
ومن هنا تعرف الحال في العبد الآبق، فإذا لم يصدق عليه التّبعيَّة لمولاه، فلا تجب عليه زكاته، وإن كانت نفقته من مولاه؛ لعدم صدق العيلولة.
والخلاصة: أنَّه لا إشكال في وجوب إخراج الفِطْرة عنه مع العيلولة، سواء أوجبت النَّفقة، أم لم تجب؛ وذلك للرِّوايات الكثيرة الدَّالّة على وجوب إخراجها عن جميع من يعول، كما أنَّه لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الفِطْرة مع عدم لزوم الإنفاق، وعدم العيلولة، وهذا واضح.
ويبقى الكلام فيما لو وجبت نفقته، ولكن لم يُعله، فظاهر بعض الأعلام الوجوب، ولعلَّه منسوب إلى المشهور.
ولكنَّ مقتضى الإنصاف: عدم وجوب الفِطْرة عليه، لعدم صدق العيلولة التي هي المناط في المقام.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو كانت الزَّوجة صغيرة، أو غير ممكّنة، أو ناشزاً، أو مستمتعاً بها، فلا وجوب على الزَّوج، خلافاً لابن إدريس(1)
ذهب كثير من الأعلام إلى أنَّ فطرة الزَّوجة إنَّما تجب إذا كانت واجبة النَّفقة، دون النَّاشز والصَّغيرة، وغير المدخول بها، إذا كانت غير ممكِّنة.
وقال ابن إدريس (رحمه الله): «يجب إخراج الفِطْرة عن الزَّوجات، سواء كُنَّ نواشز أو لم يكنّ، وجبت النَّفقة عليهنَّ أو لم يجب، دخل بهنّ، أو لم يدخل، دائمات أو منقطعات؛ للإجماع والعموم، من غير تفصيل من أحد من أصحابنا...».
أقول: لا إشكال في وجوب إخراج الفِطْرة عن الزَّوجة مع العيلولة وكونها واجبة النَّفقة، وهذه الصُّورة تسالم عليها الأعلام، وللرِّوايات الكثيرة الدَّالّة على وجوب إخراجها عن جميع مَنْ يعول، كما أنَّه لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الفِطْرة مع عدم لزوم الإنفاق لنشوزٍ ونحوه، ومع عدم العيلولة، ولعلَّ ابن إدريس (رحمه الله) لا يريد هذه الصُّورة من كلامه المتقدم.
وأمَّا لو وجبت النَّفقة، ولكن لم يعلها عصياناً، فظاهر بعض الأعلام وجوب الزكاة عليه.
ولكنَّ الإنصاف: هو عدم الوجوب مع عدم العيلولة؛ لما عرفت من أنَّ المناط في وجوب الفِطْرة على المعيل هو صِدْق العيلولة على المُعال، ولو لم يكن واجب النَّفقة، ومن هنا لو أعال أجنبيّاً وجبت فطرته عليه.
والخلاصة: أنَّ المدار على العيلولة الفعليّة، سواء أكان المُعال من واجبي النَّفقة أم لا، كما أنَّه لا تجب الفِطْرة مع عدم صدق العيلولة الفعليّة، وإن كان من واجبي النَّفقة.
وأمَّا دعوى الإجماع من ابن إدريس (رحمه الله) مطلقاً، فهي في غير محلِّها.
ومن هنا ذكر المحقِّق والعلاَّمة (رحمهما الله) ردّاً عليه: «أنَّه لم يقل بذلك أحد من الأصحاب...».
وأمَّا دعواه العموم، فهي ممنوعة أيضاً.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو أعسر الزَّوج، فالأقرب: الوجوب عليها مع يسارها(1)
(1) ذكر جماعة من الأعلام أنَّ الزَّوجة المُوسرة إذا لم تجب فطرتها على الزَّوج لإعساره، فيجب عليها أن تخرجها عن نفسها، منهم المصنِّف، وابن إدريس (رحمهما الله)، وقوَّاه المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر.
وذكر الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: «لا فطرة عليها، ولا على الزَّوج؛ لأنَّ الفِطْرة على الزَّوج، فإذا كان مُعسِراً لا تجب عليه الفِطْرة، ولا تلزم الزَّوجة؛ لأنَّه لا دليل عليه»، وقوَّاه فخر المحقِّقين في الإيضاح.
وفصَّل العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف، فقال: «الأقرب أن نقول: إن بلغ الإعسار بالزَّوج إلى حدّ تسقط عنه نفقة الزَّوجة بأن لا يفضل معه شيءٍ البتَّة فالحقُّ ما قاله ابن إدريس (رحمه الله). وإن لم ينتهِ الحال إلى ذلك، بل كان الزَّوج ينفق عليها مع إعساره، فلا فطرة هنا، والحقُّ ما قاله الشَّيخ...».
أقول: اِعلم أنَّ محلَّ الخلاف بين الأعلام هو فيما إذا تكلَّف الزَّوج المُعسر إعالة الزَّوجة المُوسرة، وأمَّا إن إعالت نفسها وجبت عليها الفِطْرة بلا إشكال، والكلام فيما لو كانت الزَّوجة مُوسرة والزَّوج مُعسراً. وأمَّا إذا كان كلّ منهما مُعسراً، فلا إشكال حينئذٍ أيضاً في سقوطها عنهما.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ مقتضى العمومات هو وجوب الفِطْرة على كلِّ مكلَّف غنيّ، ومنه الزَّوجة الموسرة، ولكن ورد المخصّص، وهو أنَّه لا وجوب عليها إذا كان الزَّوج موسرًا، وينفق عليها بحيث كانت في عيلولته، فإذا أعسر الزَّوج وسقط الوجوب عنه لأجل الفقر، فلا مانع حينئذٍ من الرُّجوع إلى العمومات والتّمسُّك للوجوب عليها.
والخلاصة: أنَّ سقوط الفِطْرة عنها إنَّما كان لأجل كون الزَّوج مكلَّفاً بإخراج فطرتها، وبما أنَّه سقط الوجوب عنه لفقره، فتشملها حينئذٍ العمومات.