الدرس 173 _زكاة الفِطرة 6
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجب إخراجها عن عياله، وجبت نفقتهم كالزَّوجة والعمودَيْن والرَّقيق، أو استحبَّت كالقريب والضَّيف ولو كان كافراً(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يجب إخراجها عن نفسه، وعن جميع مَنْ يعوله من غير فرق بين واجب النَّفقة عليه وغيره، والصَّغير والكبير، والحُرّ والمملوك، والمسلم والكافر، والأرحام وغيرهم، وكذا تجب عن الضَّيف، ولو كان كافراً.
قال صاحب المدارك (رحمه الله): «هذا الحكم مجمعٌ عليه بين الأصحاب، بل قال في المنتهى: ويجب أن يخرج الفطرة عن نفسه ومَنْ يعوله، أيّ يموّنه، ذهب إليه علماؤنا أجمع، وهو قول أكثر أهل العلم إلاَّ أبا حنيفة، فإنَّه اعتبر الولاية الكاملة، فمَنْ لا ولاية له عليه لا تجب عليه فطرته».
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده في شيءٍ من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، والنُّصوص يمكن دعوى تواترها فيه...».
أقول: هذه المسألة ممَّا تسالم عليه الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، بل لا تجد مُتفقهاً يُخالِف في ذلك، فضلاً عن فقيه.
وأمَّا الرِّوايات الواردة في المسألة، فلا يبعد تواترها المعنويّ، وَلْنقتصر على جملة منها، ونذكر الباقي إن شاء الله تعالى في محلِّه:
منها: صحيحة صفوان الجمَّال «قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفِطْرة، فقال: علىٰ (عن) الصَّغير والكبير والحرّ والعبد، عن كلِّ إنسانٍ منهم صاع من حنطة، أو صاع من تمر، أو صاع من زبيب»([1]).
ومنها: صحيحة عمر بن يزيد «قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرَّجل يكون عنده الضَّيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر، يُؤدِّي عنه الفِطْرة؟ فقال: نعم، الفِطْرة واجبةٌ على كلِّ مَنْ يعول من ذكر أو أنثى، صغيرٍ أو كبيرٍ، حرٍّ أو مملوكٍ»([2]).
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان «عن أبي عبد الله (عليه السلام) قَاْل: كلُّ مَنْ ضممت إلى عيالك من حرٍّ أو مملوكٍ فعليك أن تُؤدِّي الفِطْرة عنه...»([3]).
ومنها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: صدقةُ الفِطْرةِ على كلِّ رأسٍ من أهلك، الصَّغير والكبير، والحُرّ والمملوك، والغنيّ والفقير...»([4])، إلى غيرها من الرِّوايات الكثيرة.
ويُستفاد منها أنَّه لا فرق في المُعال بين الحُرّ والعبد، ولا بين الصَّغير والكبير، ولا بين المسلم والكافر، ولا بين واجب النَّفقة وغيره.
وأمَّا ما في صحيح عبد الرَّحمان بن الحجّاج «قَاْل: سألتُ أبا الحسن (الرضا) (عليه السلام) عن رجلٍ يُنفق على رجل ليس من عياله إلاَّ أنَّه يتكلَّف له نفقته وكسوته، أتكون عليه فطرته؟ قَاْل: لا، إنَّما تكون فطرته على عياله صدقة دونه، وقَاْل: العيال: الولد والمملوك والزَّوجة وأمّ الولد»([5])، فلا يدلُّ على حَصْر العِيال في الأفراد المذكورة لمنافاته حينئذٍ للمقطوع به من الرِّوايات ومعاقد الإجماعات، بل للتَّسالم بينهم أيضاً، وإنَّما المراد به عدم كفاية تكلُّف الإنفاق في وجوب زكاة الفِطْرة، بل لا بدّ مع ذلك من صدق العيلولة كالزَّوجة والولد والمملوك، ونحوهم ممَّنْ يعولهم الإنسان في الغالب.
وبعبارة أُخرى: يظهر من هذا الصَّحيح أنَّه يُعتبر في مفهوم العيلولة نحو من التَّابعيّة والمتبوعيّة، بحيث يُعد المُعال تابعاً للمُعيل، ومن متعلّقيه في شؤون معاشه، فلا يكفي مجرَّد إعطاء المال الشَّخصيّ أو إباحته له بمقدار نفقته في صِدْق كونه عيالاً للمُعطي، كما يظهر من جملة من الأعلام، بل لابُدّ من كونه تابعاً للمُعيل ومن متعلِّقيه في شؤون معاشه، كما دلّ عليه هذا الصَّحيح.
بقي الكلام: في قدر الضِّيافة المقتضية لوجوب الفطرة على المضيف، وسنتكلِّم عنها قريباً إن شاء الله تعالى عند قول المصنِّف (رحمه الله): «ويكفي في الضَّيف أن يكون عنده في آخر جزء من رمضان...».
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو أبق العبد، فالوجوب باقٍ ما لم يُعلم موته، أو يَعُلْه مكلَّف بالفِطْرة(1)
(1) هذا هو المعروف بين الأعلام، قال العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى: «أجمع أهل العلم كافَّة على وجوب إخراج الفِطْرة عن العبيد الحاضرين غير المكاتبين والمغصوبين والآبقين وعبيد التِّجارة، صغاراً كانوا أو كباراً؛ لأنَّ نفقته واجبة على المولى، فيندرج تحت العموم بإيجاب الفِطْرة عن كلِّ مَنْ يعوله».
وقال المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر: «تجب الفِطْرة عن العبد الغائب الَّذي يُعلم حياته، والآبق، والمرهون، والمغصوب، وبه قال الشَّافعي وأحمد وأكثر أهل العلم، وقال أبو حنيفة: لا تلزمه زكاته لسقوط نفقته، كما تسقط عن النَّاشز. لنا: أنَّ الفِطْرة تجب على مَنْ يجب أن يعوله، وبالرِّق تلزم العيلولة، فتجب الفِطْرة، وحُجّته ضعيفة؛ لأنَّا لا نُسلِّم أنَّ نفقته تسقط عن المالك مع الغيبة، وإن اكتفى بغير المالك، كما لو كان حاضراً، واستغنى بكسبه».
([1]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح1.
([2]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح2.
([3]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح8.
([4]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح10.
([5]) الوسائل باب 5 من أبواب زكاة الفطرة ح3.