الدرس 161 _بقيّة أحكام الزكاة 11
ومنها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: لا تحلُّ صدقة المهاجرين في الأعراب، ولا صدقة الأعراب في المهاجرين»([1]).
ومنها: حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: كان رسول الله (ص) يُقسِّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر»([2]).
وفيه: أنَّهما لا تدلاَّن على حرمة النَّقل، وذلك:
أوَّلاً: لأنَّه لا يجب تقسيم صدقة الأعراب في الأعراب، ولا صدقة المهاجرين في المهاجرين، بل يجوز إعطاء كلٍّ من القسمَيْن، مع عدم النَّقل، كما ذكرنا سابقاً.
وثانياً: أنَّه قد يكون النَّقل من الأعراب إلى الأعراب، ومن المهاجرين إلى المهاجرين.
وثالثاً: كيف تدلّ الرِّوايتان على عدم النَّقل؟! مع أنّ الرِّوايات دلت على نقله (ص) للزَّكاة وإرساله الجباة لها، وكذا فعل أمير المؤمنين (عليه السلام).
والخلاصة: أنَّ المقصود من هاتَيْن الرِّوايتَيْن ضرب من النَّدب.
وأمَّا القول الثَّالث وهو الجواز المشروط بالضَّمان : فقد يستدلّ له بأنَّه مقتضى الجمع بين النُّصوص الدَّالّة على جواز النَّقل مثل صحيحة هشام بن الحكم، وصحيحة أحمد بن حمزة، وموثَّقة درست وبين ما دلّ على الضَّمان إذا تلفت بالنَّقل مع وجود المستحقّ، كالرِّوايات الآتية في الأمر الثَّاني.
وهذا هو مقتضى الإنصاف؛ فإنَّ مقتضى الجمع بينهما هو الحكم بالجواز مع الضَّمان، فما قواه المصنِّف (رحمه الله) هو الأقرب، وبذلك يتضح حال بقية الأقوال والله العالم.
الأمر الثَّاني: المعروف بين الأعلام أنَّه إذا تلفت بالنَّقل مع وجود المستحقّ يضمن، قال صاحب المدارك (رحمه الله): «لو نقلها مع وجود المستحقّ ضمن إجماعاً، قاله في المنتهى؛ لأنَّ المستحقّ موجود، والَّدفع ممكن، فالعدول إلى الغير يقتضي وجوب الضّمان».
أقول: يدلّ عليه بعض الرِّوايات:
منها: حسنة زرارة «قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمِها فضاعت، فقال: ليس على الرَّسول ولا على المؤدِّي ضمان، قلتُ: فإنَّه لم يجد لها أهلاً ففسدت وتغيَّرت، أيضمنها؟ قال: لا، ولكن إن عرف لها أهلاً فعطبت، أو فسدت فهو لها ضامن (حتى يخرجها»)([3]).
ومنها: حسنة محمد بن مسلم «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت، هل عليه ضمانها حتّى تقسَّم؟ فقال: إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو لها ضامن إلى أن قال: وكذلك الوصيّ الَّذي يُوصى إليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربَّه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان»([4]).
الأمر الثَّالث: قال صاحب المدارك (رحمه الله): «لو قلنا: بتحريم النَّقل، فنقلها، أجزأته إذا وصلت إلى الفقراء عند علمائنا أجمع، لصدق الامتثال»، وقال العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة: «لو خالف ونقلها أجزأته في قول علمائنا كافَّة، وهو قول أكثر العلماء لأنه دفع الحق إلى مستحقه».
أقول: يدلّ عليه أيضاً حسنة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة، حيث ورد في ذيلها: «فهو لها ضامن حتَّى يدفعها»، حيث يُستفاد منها أنَّ الموجب للضَّمان هو الضَّياع، فإذا وصلت إلى المستحقّ فلا ضمان، سواء أكان المستحقّ داخل البلد أم خارجها، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو عدم المستحقّ ونقلها لم يضمن(1)
(1) يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: في جواز النَّقل مع عدم وجود المستحقّ في البلد.
الثَّاني: إذا تلفت بالنَّقل فهل يضمن أم لا؟.
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام جواز النَّقل مع عدم المستحقّ في البلد، بل في المدارك: «لا ريب في جواز النَّقل إذا عدم المستحقّ في البلد...»، وفي الجواهر: «بلا خلاف ولا إشكال، بل في محكيّ التَّذكرة والمنتهى الإجماع عليه، وهو الحُجَّة بعد إطلاق الأمر بالإيتاء...».
أقول: يتَّضح حكم هذه المسألة ممَّا تقدَّم، حيث قلنا: إنَّه يجوز النَّقل مع وجود المستحقّ، فمع عدم وجوده يكون الجواز من باب أولى.
ومع ذلك، قدِ استدلّ ببعض الرِّوايات:
منها: صحيحة ضريس «قال: سأل المدائني أبا جعفر (عليه السلام) قال: إنَّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي مَن نضعها؟ فقال: في أهل ولايتك، فقال: إنِّي في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك، فقال: اِبعث بها إلى بلدهم تُدفع إليهم ولا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غداً إلى أمرك لم يجيبوك، وكان والله! الذَّبح»([5]).
ومنها: رواية يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح (عليه السلام) «قال: قلتُ له: الرجل منَّا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ قال: يضعها في إخوانه وأهل ولايته، قلتُ: فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: يبعث بها إليهم، قلتُ: فإن لم يجد مَنْ يحملها إليهم؟ قال: يدفعها إلى مَنْ لا ينصب، قلتُ: فغيرهم؟ قال: ما لغيرهم إلاَّ الحجر»([6])، ولكنَّها ضعيفة بإبراهيم بن إسحاق النَّهاوندي الأحمريّ، وبجهالة يعقوب بن شعيب الحداد.
والخلاصة: أنَّ المسألة من الواضحات.
([1]) الوسائل باب 38 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 38 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([3]) الوسائل باب 39 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([4]) الوسائل باب 39 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([5]) الوسائل باب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.
([6]) الوسائل باب 5 من أبواب المستحقين للزكاة ح7.