الدرس 93 _زكاة مال التجارة 6
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي بناء حول العَرض (العروض) على حول النَّقدين قولان. ولا إشكال في بناء حول النَّقد على حول العَرض (العروض) ما دامت التِّجارة(1)
(1) أقول: تارةً: يكون الموجود عنده هو بنفسه من مال التِّجارة، فيُشترى به سلعة للتِّجارة.
وأخرى: يكون الموجود عنده نصاباً من غير النَّقدَيْن، وليس للتِّجارة، فيُشترى به سلعة للتِّجارة.
وثالثةً: يكون الموجود عنده نصاباً من النَّقدَيْن وليس للتِّجارة، فيُشترى به سلعة للتِّجارة.
أمَّا الصُّورة الأُولى: فإن قلنا كما هو المشهور بين الأعلام : بأنَّه لا يُشترط بقاء عين السِّلعة طول الحَوْل، بل قيمتها، فلا إشكال في بناء حول السِّلعة المشتراة على حول ما كان موجوداً عنده.
وإن قلنا: باشتراط بقاء عين السِّلعة طول الحَوْل، فيستأنف حينئذٍ حولاً للسِّلعة المشتراة.
وأمَّا الصُّورة الثَّانية: فلا إشكال في استئناف الحَوْل عندهم للسِّلعة المشتراة؛ لانقطاع حول الأصل بتبدُّل العين، كما هو معلوم.
وإنَّما الخلاف في الصُّورة الثَّالثة: فالمعروف بين كثير من الأعلام أنَّه يستأنف الحَوْل للسِّلعة المشتراة؛ لانقطاع حول الأصل بتبدُّل العين، خلافاً لما حُكِي عن الشَّيخ (رحمه الله) في مبسوطه وخلافه من أنَّه يُبنى حول العَرض على حول الأصل؛ محتجّاً برواية إسحاق بن عمار المتقدِّمة عن أبي إبراهيم (عليه السلام)، حيث ورد في ذيلها: «وكلُّ ما خلا الدَّراهم من ذهب أو متاع فهو عَرَض مردودٌ ذلك إلى الدَّراهم في الزَّكاة والدِّيّات»([1]).
وفيه أوَّلاً: أنَّ الرِّواية ضعيفةٌ بعدم وثاقة إسماعيل بن مرَّار.
وثانياً: أنَّ كون العرض مردوداً إلى الدَّراهم ليس معناه بقاء عين تلك الدَّراهم في مُلْكه حقيقةً حتى لا ينقطع حولها، وقد عرفت سابقاً في مسألة اعتبار الحَوْل في النَّقدَيْن والأنعام أنَّ المعتبر بقاء النِّصاب بشخصه في تمام الحَوْل.
والخلاصة: أنَّ مقتضى الإنصاف في هذه الصُّورة الثَّالثة هو استئناف الحَوْل من حين الشِّراء، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وتتعلَّق بالقيمة لا بالعين(1)
(1) المشهور بين الأعلام أنَّ زكاة التِّجارة تتعلَّق بقيمة المتاع لا بعينه، وفي الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل في المفاتيح نسبته إلى أصحابنا...».
وقدِ استدلّ لتعلُّق زكاة التِّجارة بقيمة المتاع لا بالعين ببعض الأدلَّة:
منها: أنَّ النِّصاب معتبرٌ بالقيمة، وما اعتبر النِّصاب فيه وجبتِ الزَّكاة فيه كسائر الأموال.
وفيه: أنَّ ذلك أعمّ من المدَّعى؛ لاحتمال أن يكون الاعتبار بالقيمة ليعلم بلوغ القيمة القدر المعلوم لا لأجل الإخراج من القيمة.
ومنها: استصحاب خلوّ العين عن الحقّ.
وفيه: أنَّه معارض بمثله بالإضافة إلى القيمة.
ومنها: رواية إسحاق بن عمَّار المتقدِّمة: «وكلُّ ما خلا الدَّراهم من ذهب أو متاع فهو عَرَض مردودٌ ذلك إلى الدَّراهم في الزَّكاة والدِّيّات».
وفيه مضافاً إلى ضعف السَّند، ما عرفت من أنَّه غيرُ دالٍّ على المطلب؛ لاحتمال أن يكون المراد منه أنَّ العرض يقوَّم بالدَّراهم أو الدَّنانير ليعرف وجود النِّصاب فيه، وكذا غيرها من الأدلَّة الضَّعيفة.
وحكى المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر عن أبي حنيفة قولاً بتعلُّق الزَّكاة بالعين، فإن أخرج منها فهو الواجب، وإن عدل إلى القيمة فقد أخرج بدل الزَّكاة.
وقال المحقِّق (قد): «أنَّ ما قاله أبو حنيفة أنسب بالمذهب» ونفى العلامة (رحمه الله) في التذكرة البأس عن هذا...، قال صاحب المدارك (رحمه الله) بعد نقله لهذا الكلام : «وهو حسن»، وفي المفاتيح: «أنَّه أصحّ».
والإنصاف: أنَّ مساق الرِّوايات المشرِّعة لزَّكاة التِّجارة هو مساق الرِّوايات الدَّالّة على وجوب الزَّكاة في التِّسعة الأشياء المتقدِّمة.
ومن المعلوم أنَّ ظاهر بعض الرِّوايات أنَّ كيفيَّة تعلُّق الزَّكاة بها على نحو الإشاعة والشَّركة الحقيقيَّة، كما في قوله (عليه السلام): «فيما سقته السَّماء العُشْر»، وقوله (عليه السلام): «في كلِّ أربعين مثقال من الذهب نصف مثقال»، كما أنَّ ظاهر بعضها أنَّ التّعلُّق على نحو الكُلِّيّ في المعيَّن، دون الإشاعة الحقيقيَّة، كما في قوله (عليه السلام): «في كلِّ أربعين شاة شاة».
وبعض الرِّوايات ظاهرة في كون التّعلُّق على نحو الشَّركة في الماليَّة؛ إذ يستحيل فيها أن يكون التّعلُّق على نحو الإشاعة الحقيقيَّة أو الكُلِّيّ في المعيَّن، مثل قوله (عليه السلام): «في كلِّ خمس من الإبل شاة» ؛ لأنَّ الفرض أي الزَّكاة، وهي الشَّاة مباينٌ للعين، وهي الإبل، فلا يُوجد شيءٌ من الزَّكاة في العين لِيتصوَّر فيه الكُلِّيّ في المعيَّن، فضلاً عن الإشاعة الحقيقيَّة.
وعليه، فبما أنَّه هناك تسالم بين الأعلام على أنَّ كيفيَّة التّعلُّق في جميع الأجناس الزَّكويّة على نحو نسق واحد، فيتعيَّن المصير إلى القول بالشَّركة في الماليَّة؛ لأنَّه هو الجامع بين الكلّ.
والنَّتيجة إلى هنا: أنَّ الفقير يُشارك المالك في العين، لكن لا من حيث أنها عين، بل من حيث أنَّه مال فلا يستحقّ شيئاً من الخصوصيَّات الفرديَّة، وإنَّما يستحقُّ ماليَّة العُشْر مثلاً من هذا الموجود الخارجيّ واختيار تطبيقه بيد المالك.
وهذا نظير إرث الزَّوجة ممَّا يثبت في الأرض من بناء وأشجار وأخشاب، فلها القيمة لا العين، فهي تُشارك الورثة في ماليَّة العين بمقدار الثَّمن، فيقوّم الوارث مقدار حصّتها من الماليَّة من مال آخر، ذلك أن الخصوصيات ليست مورداً لاستحقاقها، وليس لها الاعتراض.
وعليه، فلا فرق بين الزَّكاة وإرث الزَّوجة من هذه الجهة، وكذا الحال في زكاة التِّجارة، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 1 من أبواب الذهب والفضة ح7.