الدرس 144_التكسّب الحرام وأقسامه (139). سادسها: ما يجب على المكلّف فعله
الدرس 144 / الثلاثاء: 16-شباط-2021
واستدلَّ العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف على الجواز مع الكراهة بثلاثة أدلَّة، قال: «والأقرب: إباحته على كراهيَّة؛ لنا: الأصل الإباحة، ولأنَّ فيه منفعة تعليم القرآن، وتعميم إشاعة معجزة النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، ولأنَّه يجوز جَعْله مَهْراً، فجاز أَخْذ الأُجْرة عليه، إذ لو حرمتِ الأُجْرة لحرم جعله مَهْراً...».
أقول: لا بدَّ من ذِكْر الرِّوايات الواردة في المقام حتَّى يتضح ما هو مقتضى الإنصاف في المسألة، وهي على طوائف أربع:
الأُولى: ما ورد في الجواز مطلقاً، وفيها رواية واحدة، وهي رواية الفضل بن أبي قُرَّة «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): (إنَّ) هؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ كَسْبَ الْمُعَلِّمِ سُحْتٌ، فَقَالَ: كَذَبُوا أَعْدَاءُ الله ، إِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ لَا يُعَلِّمُوا الْقُرْآنَ، وَلَوْ أَنَّ الْمُعَلِّمَ أَعْطَاهُ رَجُلٌ دِيَةَ وَلَدِهِ لَكَانَ لِلْمُعَلِّمِ مُبَاحاً»[1]f94، وهي ظاهرة في الجواز مطلقاً، ولكنَّها ضعيفة بشريف بن سابق، والفضل بن أبي قُرَّة، فإنهما مجهولان.
الطَّائفة الثَّانية: ما ورد في المنع مطلقاً، وفيها عدَّة روايات:
منها: رواية حسَّان المعلِّم «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ التَّعْلِيمِ، فَقَالَ: لَا تَأْخُذْ عَلَى التَّعْلِيمِ أَجْراً، قُلْتُ: فالشِّعْرُ وَالرَّسَائِلُ، وَمَا أَشْبَهَ ذلِكَ، أُشَارِطُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الصِّبْيَانُ عِنْدَكَ سَوَاءً فِي التَّعْلِيمِ، لَا تُفَضِّلُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ»[2]f95، وهي ضعيفة بجهالة كلٍّ من حسَّان المعلِّم، والفضل بن كثير.
وأمّا ما تضمَّنته الرِّواية من أنَّه ينبغي مَعَ الشَّرط أنْ يكون الصُّبيان عند المعلِّم سواء في التَّعليم، لا يفضل بعضهم على بعض، فينبغي تقييده بما إذا استُؤجِر على تعليمهم على الإطلاق.
وأمَّا لو تفاوتت الأُجْرة بالزِّيادة في التَّعليم وعدمها، فإنَّه لا إشكال في جواز الزِّيادة لبعضهم على بعض؛ باعتبار ما زادوه مِنَ الأُجْرة، وكذا لو وقعت الإجارة على تعليم مخصوص لهذا، وتعليم مخصوص للآخر، وهكذا، فإنَّه لا بأس بزيادة بعضهم على بعض، عملاً بما وقع عليه التَّراضي في الإجارة.
ومنها: رواية إسحاق بن عمَّار عَنِ العبد الصَّالح (عليه السلام) «قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ لَنَا جَاراً يُكَتِّبُ: وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ عَمَلِهِ، قَالَ: مُرْهُ إِذَا دُفِعَ إِلَيْهِ الْغُلَامُ، أَنْ يَقُولَ لِأَهْلِهِ: إِنِّي إِنَّمَا أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ، وَأَتَّجِرُ عَلَيْهِ بِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ حَتَّى يَطِيبَ لَهُ كَسْبُهُ»[3]f96.
والمراد بالكتّاب الكتابة، وقد فصَّلت بين تعليم الكتابة والحساب، فيأخذ الأَجْر على ذلك، وبين تعليم القرآن فله الأجر عند الله تعالى، ولكنَّها ضعيفة بجهالة أبي عبد الله الرَّازي، وهو محمَّد بن أحمد بن أبي عبد الله الجاموراني، وهي ضعيفة أيضاً بالحسن بن عليِّ بن أبي حمزة.
ومنها: رواية جراح المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: المُعلِّم لا يُعلِّم بالأَجْر، ويقبل الهَدِيَّة إذا أُهْديَ إلَيْه»[4]f97، وهي ضعيفة بعدم وثاقة كلٍّ مِنَ القاسم بن سليمان، وجراح المدائني.
ومنها: رواية زيد بن عليٍّ عن أبيه عن آبائه S، عن علي (عليه السلام): «أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَالله، إِنِّي أُحِبُّكَ ﷲ، فَقَالَ لَهُ: لَكِنِّي أُبْغِضُكَ ﷲِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ تَبْغِي فِي الْأَذَانِ، وَتَأْخُذُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَجْراً، وَسَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله) يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَجْراً كَانَ حَظَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[5]f98، وهي ضعيفة بجهالة عبد الله بن منبِّه.
نعم، ذَيْلها مشعر بالكراهة، فإنَّه لو كان الأَجْر محرَّماً لم يقتصر على كونه حظَّه يوم القيامة، الذي هو عبارة عن عدم إيصال الثَّواب إليه، بل يكون مستحقّاً للعقاب؛ لارتكابه فعلاً محرماً.
الطَّائفة الثَّالثة: ما دلَّ على المنع مَعَ الاشتراط، أي أنَّه لا يُعلِّم إلا إذا أَعْطَوه أجراً، وفيها عدَّة روايات:
منها: رواية جراح المدائني «قال: نهى أبو عبد الله (عليه السلام) عَنْ أَجْرِ القَارِئ الَّذِي لَاْ يُقرئ (يَقْرَأُ) إلاَّْ بَأَجْرٍ مَشْرُوْطٍ»[6]f99، وهي ضعيفة بعدم وثاقة كلٍّ مِنَ القاسم بن سليمان وجرَّاح المدائني.