الدرس 14 _ما يشترط في وجوب الزكاة 3
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا الغنيمة قبل القِسْمة والقبض(1)
(1) ومن جملة ما يتفرَّع على اشتراط المُلْك هو ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) مِنَ الغنيمة قبل القسمة، فلا تجب الزَّكاة قبل القسمة؛ لأنَّ المشهور بين الأعلام أنّها لا تملك بالحيازة، وإنَّما تملك بالقسمة مع القبض.
نعم، هي قبل القِسْمة ملك للمسلمين.
هذا، وقد ذهب بعض الأعلام إلى أنّها تملك بالحيازة، منهم العلاَّمة (رحمه الله) في جملة من كتبه، منها المنتهى، حيث قال: «الغانمون يملكون أربعة أخماس الغنيمة بالحيازة، فإذا بلغ حصَّة الواحد منهم نصاباً، وحال عليها الحَوْل وجبتِ الزَّكاة، وهل يتوقَّف الحَوْل على القسمة؟ الوجه ذلك، لأنَّه قبل القسمة غير متمكِّن...».
أقول: مقتضى الإنصاف هو القول: بالملك بمجرد الحيازة، ولا يتوقَّف على القسمة، كباقي الأموال المشتركة؛ لإطلاق ما دلَّ على المُلْك بالاغتنام مِنَ الآية الشَّريفة، وغيرها من الرِّوايات، كصحيحة عبد الله بن سنان «قال: سَمِعتُ أَبَاْ عبد الله (عليه السلام) يَقُوْلُ: لَيْسَ الخُمُسُ إلاَّ في الغَنَائمِ خَاصَّة»([1])، وكذا غيرها.
إذا عرفت ذلك، فنقول: أمَّا على القول بتوقُّف المُلْك على القِسْمة، كما هو المشهور بين الأعلام، فعدم الوجوب حينئذٍ واضح.
وأمَّا على القول بحصول التَّملك بالحيازة، فأيضاً لا تجب الزَّكاة قبل القِسْمة والقبض؛ لأنَّ الغانم قبل القِسْمة ممنوع مِنَ التَّصرف في الغنيمة، والتَّمكُّن مِنَ التَّصرُّف هو من الشَّرائط، كالمُلْك، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وقد علَّل العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة عدم الوجوب في هذه الصُّورة بعدم تماميَّة الملك، قال: «فلو تأخَّرت قسمة الغنيمة حولاً فلا زكاة؛ لِعدم استقرار المُلْك، فإنَّ للإمام أن يَقْسِم بينهم قسمةَ تحكُّمٍ، فيُعطَى كلُّ واحدٍ من أيِّ الأصناف ما شاء، فلم يتمَّ مُلْكه على شيءٍ معيَّن، بخلاف ما لو ورثوا ما تجب فيه الزَّكاة؛ هذا إذا كانت من أجناس مختلفة، ولو كانت الغنيمة من جنس واحد، فالوجه ذلك أيضاً؛ لأنَّ مُلْكهم في غاية الضَّعف، ولهذا يسقط بالإعراض...».
ولكن أَشْكل عليهم بعضُهم: بأنَّه ليس للإمام قِسْمة التَّحكُّم، كما عَنِ الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف، حيث قال بعد أن حكى ذلك عن الشافعي : «وهذا عندنا ليس بصحيح؛ لأنَّ له في كلِّ جنسٍ نصيباً، فليس للإمام مَنْعه...».
أقول: هذا الكلام لا يتمُّ في الإمام (عليه السلام)؛ لأنَّ له السَّلطنة المطلقة، وكذا لو قلنا: بالولاية العامَّة للفقيه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وعَزْل الإمام كافٍ فيه على قول (1)
(1) ذهب جماعة كثيرة مِنَ الأعلام إلى أنَّ الإمام (عليه السلام) لو عزل قِسْطاً لأحد مِنَ النَّاس، وجبتِ الزَّكاة فيه إنْ كان صاحبه حاضراً، وإن لم يقبضه، بناءً على كفاية العزل في تماميَّة مُلْكه، وعدم اعتبار القبض فيه، بل هو على مبنانا أوضح؛ إذ يكفي في الملك عندنا الحيازة، ولا يتوقَّف على العزل.
نعم، يتوقف التمكن من التصرف على العزل مَعَ الحضور.
هذا كلّه بناءً على كفاية العزل، وعدم اعتبار القبض، وأمَّا على القول: باشتراط القبض، كما عَنِ المصنِّف (رحمه الله) في البيان، والعلاَّمة (رحمه الله) في جملة من كتبه، حيث ذكر «أنَّه لا يكفي عَزْل الإمام بغير قبض الغانم»، فلا تجب حينئذٍ حتَّى يحصل القبض منه، أو وكيله أيضاً، هذا كلُّه إذا عزل الإمام (عليه السلام) قسطاً، وكان صاحبه حاضراً.
وأمَّا إذا كان غائباً، فلا يجب قبل وصوله إليه؛ لأنَّه، وإن قلنا: بصيرروته مُلْكاً له بمجرد العزل أوِ الاغتنام، إلاَّ أنَّ التَّمكُّن مِنَ التَّصرُّف متوقف عليه، وهو مع غيابه غير متمكَّن من ذلك.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإمكان التَّصرُّف (1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يشترط في الوجوب إمكان التَّصرُّف، وفي المدارك: «هذا الشَّرط مقطوع به في كلام الأصحاب، بل قال في التَّذكرة: إنَّه قول علمائنا»، وفي الحدائق: «التَّمكُّن مِنَ التَّصرُّف، وهو أيضاً ممَّا لا خلاف فيه في ما أعلم...»، وقال الشَّيخ الأنصاري (رحمه الله): «التَّمكُّن مِنَ التَّصرُّف شرط في وجوب الزَّكاة إجماعاً محقَّقاً في الجملة، ومستفيضاً...»، وفي الغنية : «الإجماع على اعتبار المُلْك، والتَّصرُّف فيه...»، وفي محكيِّ المنتهى: «التَّمكُّن مِنَ التَّصرُّف شرط أيضاً، فلا تجب الزَّكاة في المال المغصوب والمسروق والمجحود والضَّال والموروث عن غائب، حتَّى يصل إلى الوارث أو وكيله، والسَّاقط في البحر حتَّى يعود إلى مالكه، ويستقبل به الحَوْل، وعليه فتوى علمائنا...».
أقول: هذا الشَّرط في الجملة ممَّا وقع التَّسالم عليه بين كلِّ الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، بحيث أصبح مِنَ القطعيات.
وتدلُّ عليه جملة مِنَ الرِّوايات بلغت حدَّ الاستفاضة:
منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْلَ: لَاْ صَدَقَةَ عَلَىْ الدَّيْنِ، وَلَاْ عَلَىْ المالِ الغَّائبِ عنكَ حَتَّى يقعَ في يَدَيْكَ»([2]).
ومنها: موثَّقة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنّه قَالَ: فِي رَجُلٍ مَالُهُ عَنْهُ غَائِبٌ، لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، قَالَ: فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ، فَإِذَا خَرَجَ زَكَّاهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ (فإن) كَانَ يَدَعُهُ مُتَعَمِّداً، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، فَعَلَيْهِ الزَّكاة لِكُلِّ مَا مَرَّ بِهِ مِنَ السِّنِينَ»([3]).
والرِّواية موثَّقة، فإنَّ عليَّ بن محمَّد بن الزُّبير القرشيِّ الواقع في إسناد الشَّيخ إلى ابن فضَّال، وإن كان غير موثَّق بالخصوص، إلاَّ أنَّه مِنَ المعاريف ما يكشف عن حُسْنه ووثاقته.
([1]) الوسائل باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح1.
([2]) الوسائل باب 5 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح6.
([3]) الوسائل باب 5 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح7.