الدرس 1234 _كتاب الصوم 34
ومن جملة الرِّوايات الواردة في النَّهي عن صوم يوم الشَّكّ بعنوان رمضان: رواية الزُّهريّ الأُخرى عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) في حديث طويل «قَاْل: وصوم يوم الشَّكّ أُمرنا به، ونُهينا عنه، أُمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان، ونُهينا عنه أن ينفرد الرَّجل بصيامه في اليوم الَّذي يشكّ فيه النَّاس، فقلتُ له: جُعلت فداك، فإن لم يكن صام من شعبان شيئاً كيف يصنع؟ قال: ينوي ليلة الشَّكّ أنَّه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه، وإن كان من شعبان لم يضرّه، فقلتُ: وكيف يُجزي صوم تطوّع عن فريضة؟ فقال: لو أنَّ رجلاً صام يوماً من شهر رمضان تطوُّعاً، وهو لا يعلم أنَّه من شهر رمضان، ثمَّ علم بذلك لأجزأ عنه؛ لأنَّ الفرض إنَّما وقع على اليوم بعينه»[1].
ودلالتها مثل الأُولى، إلاَّ أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن محمَّد الجوهريّ، كما أنَّها ضعيفة بسُفيان بن عيينة، والزُّهري.
ويُفهم من موثَّقة سَماعة المُتقدِّمة أنَّ الاكتفاء به عن صوم رمضان مُخالفٌ للأصل، ولكنَّ الشَّارع أمضاه من باب التَّفضُّل والتَّوسعة.
ويُفهم من الرِّواية الثَّانية للزُّهريّ أنَّه على وفق الأصل، وأنَّ المطلوب منه لم يكن إلاَّ الصَّوم في هذا اليوم، وقد حصل.
ومنها: ما رواه الصَّدوق بإسناده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ، عن سهل بن سعد «قال: سمعتُ الرِّضا (عليه السلام) يقول: الصَّوم للرُّؤية، والفطر للرُّؤية، وليس منَّا مَنْ صام قبل الرُّؤية للرُّؤية، وأفطر قبل الرُّؤية للرُّؤية، قال: قلت له: يا ابنَ رسول الله، فما ترى في صوم يوم الشَّكّ؟ فقال: حدَّثني أبي، عن جدِّي، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لَئِنْ أصوم يوماً من شعبان أَحبّ إليَّ من أن أفطر يوماً من شهر رمضان»[2].
وهي واضحة الدَّلالة، كما أنَّ إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ معتبرٌ؛ لأنَّ عليّ بن الحسين السَّعدآباديّ الواقع في إسناد الصَّدوق إلى عبد العظيم بن عبد الله هو من مشايخ ابن قولوَيْه (رحمه الله) المباشرين.
نعم، هي ضعيفة بعدم وثاقة سهل بن سعد.
وهناك جملة من الرِّوايات ورد النَّهي فيها عن صوم يوم الشَّكّ على الإطلاق.
ولكنَّ المراد منها النَّهي عنه بعنوان الوجوب من رمضان؛ وذلك جمعاً بينها وبين الرِّوايات المُتقدِّمة وغيرها من القرائن:
منها: صحيحة مُحمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرَّجل يصوم اليوم الَّذي يشكّ فيه من رمضان، فقال: عليه قضاؤه وإن كان كذلك»[3].
ولا يخفى: أنَّ حَمْل النَّهي فيها عن صوم يوم الشَّكّ على الإطلاق إنَّما يتمّ لو كان قوله: «من رمضان» مُتعلّقاً بقوله: «يشكّ».
وأمَّا إن كان قوله: «من رمضان» مُتعلّقاً بقوله: «يصوم»، فتكون الصَّحيحة حينئذٍ واردةً في خُصوص الفرض الَّذي ورد النَّهي عنه، لا النَّهي على الإطلاق.
ومنها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال في يوم الشَّكّ: مَنْ صامه قضاه وإن كان كذلك، يعني: مَنْ صامه على أنَّه من شهر رمضان بغير رُؤية قضاه وإن كان يوماً من شهر رمضان؛ لأنَّ السُّنّة جاءت في صيامه على أنَّه من شعبان، ومَنْ خالفها كان عليه القضاء»[4].
ويُحتمل كون التَّفسير أي قوله: «يعني مَنْ صامه...» من كلام الشَّيخ (رحمه الله) أو أصل الرُّواة، وليس من كلام الإمام (عليه السلام)، فلا يكون حُجّة، إلاَّ أنَّ ذلك لا يضرّ في الاستدلال بالصَّحيحة؛ لأنَّ ما قبله كافٍ في الدَّلالة؛ لأنَّ قوله (عليه السلام): «وإن كان كذلك» إنَّما يصحّ إذا أُريد أنَّ صيامه كان بنيّة رمضان؛ إذ لو أُريد غيره لم يكن لقوله (عليه السلام): «وإن كان كذلك» معنىً، كما لا يخفى.
ومنها: رواية الحسين بن زيد عن الصَّادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): «أنَّ رسول الله (ص) نهى عن صيام ستَّة أيّامٍ: يوم الفطر، ويوم الشَّكّ، ويوم النَّحر، وأيّام التَّشريق»[5].
والنَّهي عن صوم يوم الشَّكّ مُطلقٌ، فيُحمل على صومه بعنوان الصَّوم من شهر رمضان الواجب.
وهي ضعيفة؛ لأنَّ في إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى شُعيب بن واقد، حمزة بن مُحمّد العلويّ، وهو مهمل، كما أنَّ فيه عبد العزيز بن مُحمّد بن عيسى الأبهريّ، وهو غير مذكور، كما أنَّ شُعيب بن واقد غير موثّقٍ، وأمَّا الحُسين بن زيد فهو أيضاً غير موثّقٍ.
ومنها: رواية قُتيبة الأعشى «قَاْل: قَاْل أبو عبدالله (عليه السلام): نهى رسول الله (ص) عن صوم ستَّة أيّامٍ: العيدين، وأيّام التَّشريق، واليوم الَّذي يُشكّ فيه من شهر رمضان»[6].
والنَّهي وإن كان مطلقاً، إلاَّ أنَّه يُحمل على صومه بعنوان الصَّوم من شهر رمضان الواجب. ولكنَّها ضعيفة بجهالة جعفر الأزديّ، وأمَّا قُتيبة الأعشى، فهو ثقةٌ، فعن النَّجاشيّ: «قتيبة بن مُحمّد الأعشى المُؤدّب، أبو مُحمّد المُقرئ، مولى الأزد، ثقة، عين...»[7].
[1] الوسائل باب 5 من أبواب وجوب الصَّوم ونيّته ح8.
[2] الوسائل باب 6 من أبواب وجوب الصَّوم ونيّته ح9.
[3] الوسائل باب 6 من أبواب وجوب الصَّوم ونيّته ح1.
[4] الوسائل باب 6 من أبواب وجوب الصَّوم ونيّته ح5.
[5] الوسائل باب 1 من أبواب الصَّوم المُحرَّم والمكروه ح4.
[6] الوسائل باب 6 من أبواب وجوب الصَّوم ونيّته ح2.
[7] رجال النجاشي: ص317.