الدرس 1233 _كتاب الصوم 33
ولو صلح الزَّمان لهما، فالأقرب: المنع أيضاً (1)
(1) لو صلح الزَّمان لهما، كالقضاء والنَّذر المُطلق، فقد ذكر المُصنِّف (رحمه الله) أنَّ الأقرب المنع أيضاً.
ولكنّ هذا الكلام لا يتمّ لو كان العدول قبل الزَّوال، فإنَّه يصحّ، كما عرفت.
نعم، لو كان ذلك بعد الزَّوال لمَا صحّ العدول على المشهور، خلافاً لما ذهبنا إليه.
* * *
ولو كان بعد الزَّوال في قضاء رمضان لم يَجُز قطعاً (2)
(2) لو كان يقضي من شهر رمضان، وقد زالت الشَّمس، فلا يجوز العدول، بل يُلحق بالواجب المُعيّن، من حيث وجوب القضاء والكفّارة إذا أبطله بعد الزَّوال.
ولكنَّك عرفت ما هو الصَّحيح عندنا.
* * *
ولو عدل من فرضٍ غير مُعيَّن إلى النَّفل، فوجهان مرتّبان، وأولى بالمنع (3)
(3) قد عرفت أنَّه يجوز العدول من الفرض غير المُعيّن إلى الفرض غير المُعيَّن أيضاً.
وعليه، فيجوز العدول أيضاً من الفرض غير المُعيّن إلى النَّفل؛ لاشتراك الجميع في امتداد الوقت إلى الزَّوال عند المشهور.
وأمَّا عندنا، فيمتدّ وقت الواجب غير المُعيّن إلى الغروب.
وعلى فرض عدم جواز العدول من الفرض إلى الفرض، فعدم جواز العدول من الفرض غير المُعيّن إلى النَّفل يكون من باب أَولى؛ إذ لا ينصرف إليه ما انعقد فيه الأوَّل صحيحاً، بخلاف الفرض؛ لاشتراكهما في الوجوب، وإنَّما تتغير نيَّة السَّبب خاصّةً.
* * *
ويجوز العُدول من نفلٍ إلى نفلٍ ما دام محلّ النِّيّة باقياً (1)
(1) قد عرفت سابقاً أنَّ محلّ النِّيّة في النَّفل هو تمام النَّهار، أي أنَّه يمتدّ إلى ما قبل الغروب بقليل، فلو كان يصوم نفلاً للحاجة، جاز له أن يعدل ولو بعد الزَّوال إلى صوم الاستسقاء مثلاً، والله العالم.
* * *
ويتأدّى رمضان بنيّة النَّفل مع عدم علمه (2)
(2) نتكلّم في صُورتَيْن، قد وعدنا بهما سابقاً:
الأُولى: ما إذا نوى الوجوب، أي وجوب شهر رمضان في صوم آخر يومٍ من شعبان مع الشَّكّ.
الثَّانية: ما إذا صام يوم الشَّكّ ندباً من شعبان.
أمَّا الصُّورة الأُولى: فالمعروف بين الأعلام أنَّه لو صام آخر يوم من شعبان مع الشَّكّ، مع قصده وجوب شهر رمضان، كان صومه فاسداً، ولا يُجزئ عن رمضان لو ظهر أنَّه منه، ولا يُحكم بكونه مندوباً لو لم يظهر أنَّه كذلك.
وفي الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب، بل في الرِّياض نسبته إلى عامَّة مَنْ تأخَّر، بل عن المبسوط نسبته إلى الأصحاب، مُشعراً بدعوى الإجماع عليه...»[1].
وفي المدارك: «وإلى هذا القول ذهب المعظم، كالشَّيخ في النِّهاية، وكتابَي الأخبار، والمُرتضى، وابنَي بابويه، وأبي الصَّلاح، وسلاَّر، وابن البرَّاج، وابن إدريس، وابن حمزة...»[2].
وبالمقابل، حُكي عن ابن أبي عقيل (رحمه الله)، وابن الجنيد (رحمه الله)، والشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف القول: بأنَّه يُجزئه.
واستُدلّ للمشهور بجملةٍ من الرِّوايات:
منها: موثَّقة سماعة «قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ صام يوماً، ولا يدري أمن (شهر) رمضان هو أو من غيره، فجاء قوم فشهدوا أنَّه كان من رمضان، فقال بعض الناس عندنا: لا يُعتدّ به؟ فقال: بلى، فقلتُ: إنَّهم قالوا: صمتَ وأنتَ لا تدري أمن (شهر) رمضان هذا أم من غيره؟ فقال: بلى، فاعتدّ به، فإنّما هو شيء وفّقك الله له، إنَّما يُصام يوم الشَّكّ من شعبان، ولا تصومه من شهر رمضان؛ لأنَّه قد نهى (نُهي) أن ينفرد الإنسان بالصِّيام في يوم الشَّكّ، وإنَّما ينوي من اللَّيلة أنَّه يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضُّل الله (عز وجل)، وبما قد وسَّع على عباده، ولولا ذلك لهلك النَّاس»[3].
فقوله (عليه السلام): «ولا تصومه من شهر رمضان؛ لأنَّه قد نهى (نُهِي)...» يدلّ على الفساد؛ لأنَّ النَّهي عن العبادة يقتضي ذلك.
ومنها: رواية مُحمّد بن شهاب الزُّهريّ «قَاْل: سمعتُ عليّ بن الحُسين (عليه السلام) يقول: يوم الشَّكّ أُمرنا بصيامه، ونُهينا عنه، أُمرنا أن يصومه الإنسان على أنَّه من شعبان، ونُهينا عن أن يصومه على أنَّه من شهر رمضان، وهو لم يرَ الهلال»[4].
وهي واضحة الدَّلالة؛ للنَّهي عن الصَّوم عنه كذلك المُقتضي للفساد، إلاَّ أنَّها ضعيفة جدّاً، فإنَّ عليّ بن مُحمّد القاسانيّ، والقاسم بن مُحمّد كاسولا، ضعاف، كما أنَّ عبد الرزَّاق بن همَّام، ومعمّر بن راشد، غير موثَّقين.
وأمَّا الزُّهريّ، وهو مُحمّد بن شهاب، فإنَّه من علماء العامَّة، وكان مُحبّاً لعليّ بن الحسين (عليه السلام)، إلاَّ أنَّه غير موثّقٍ أيضاً.
ومن جملة الرِّوايات الدَّالّة على حبِّه لعليّ بن الحسين (عليه السلام) ما ذكره ابن شهرآشوب: «وكان الزُّهريّ عاملاً لبني أُميّة، فعاقب رجلاً، فمات الرّجل في العُقوبة، فخرج هائماً وتوحّش، ودخل إلى غار، فطال مقامه تسع سنين، قال: وحجّ عليّ بن الحُسين (عليه السلام) فأتاه الزُّهريّ، فقال له عليُّ بن الحُسين (عليه السلام): إنِّي (أخاف عليك من قنوطك ما لا) أخاف عليك من ذنبك، فابعث بديةٍ مسَلّمة إلى أهلِهِ، واخرج إلى أهلِكَ ومعالِمِ دينِكَ، فقال له: فَرّجتَ عنّي يا سيِّدي « اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ ]الأنعام: 124[، ورجع إلى بيته، ولزم عليّ بن الحسين (عليه السلام)، وكان يُعَدّ من أصحابِه، ولذلِكَ قال لَهُ بعضُ بني مروان: يا زهريّ، ما فعل بك نبيُّك؟ يعني (عليّ بن الحسين)...»[5].