الدرس 1216 _كتاب الصوم 16
والإنصاف: هو حَمْلُ النَّهي في الرِّوايات المُتقدِّمة على الكراهة الوضعيّة؛ وذلك لموثَّقة إسحاق بن عمَّار «قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ صائمٌ ارتمسَ في الماءِ مُتعمِّداً عليه قضاء ذلك اليوم؟ قَاْل: لَيْسَ عليه قضاؤه ولا يعودنّ»[1].
فإنَّ عمران بن موسى الموجود في السَّند هو عمران بن موسى الزَّيتونيّ الأشعريّ القُمِّيّ الثِّقة.
وأمَّا عمران بن موسى الخشَّاب، فلا وجود له أصلاً، حتَّى يُقال: إنَّ عمران بن موسى مردّدٌ بين الزَّيتونيّ الثِّقة، والخشَّاب المجهول.
وعليه، فلا إشكال فيها من جهة السَّند. كما أنَّها صريحة في أنَّ الارتماس في الماء مُتعمِّداً لا يُوجب بطلان الصَّوم.
فجواب صاحب الجواهر (رحمه الله) عن هذه الموثَّقة: بأنَّها قاصرة سنداً، ودلالةً، عن المعارضة من وجوه، ليس تامّاً؛ إذ لا يُوجد فيها شيء من القُصُور، لا في السَّند، ولا في الدَّلالة؛ ولأجل هذه الموثَّقة حملنا الرِّوايات النَّاهية المُتقدِّمة على الكراهة الوضعيّة، أي أنَّ الارتماس يضرُّ ببعض مراتب الصَّوم وإن كان أصل الصَّوم صحيحاً، بمعنى أنَّ هذه الحِصَّة من الصَّوم الَّتي حصل فيها الارتماس ليست كاملةً كما لو كانت بدون ارتماس، ويكون مثلها مثل الحِصَّة من الصَّوم الَّتي حصل فيها لبس الثَّوب المبلول، والحِصَّة من الصَّوم الَّتي حصل فيها استنقاع المرأة في الماء، فإنَّ هذه الحِصص من الصَّوم ليست كاملةً، أي أنَّ مرتبتها من الثَّواب أقلّ وأنقص، وهذا جمع عرفيّ.
وأمَّا حَمْل الكراهة على الكراهة التَّكليفيّة، فهو في غير محلِّه، كما ذكرنا سابقاً.
كما أنَّ ما ذهب إليه السّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (رحمه الله) من استقرار التَّعارض بين الرِّوايات النَّاهية، وبين موثَّقة إسحاق بن عمَّار، ليس تامًّا أيضاً، فإنَّ الجمع ممكنٌ بما ذكرناه، وهذا ليس جمعاً تبرُّعيّاً.
نعم، لو لم يمكن الجمع، واستقرّ التَّعارض، فإنَّه يتعيَّن حينئذٍ العمل على طبق الرِّوايات النَّاهية الدَّالّة على البُطلان؛ لأنَّها مخالفة للعامَّة.
الأمر الثَّاني: المعروف بين الأعلام أنَّه يكفي في الارتماس رمس الرَّأس في الماء، وإن كان سائر البدن خارجاً عنه.
وفي الجواهر: «وكيف كان، فالمراد من الارتماس هنا غمسُ الرَّأس خاصَّةً لا جميع البدن، كما صرَّح به غير واحدٍ، بل لا أجد فيه خلافاً، بل ولا تردُّداً، عدا ما سمعته من الدُّروس...»[2].
أقول: يدلّ على كفاية رمس الرَّأس فقط جملة من الرِّوايات المُتقدِّمة، والَّتي منها صحيحة الحلبيّ[3]، وصحيحة محمَّد بن مسلم[4].
وأمَّا ما هو موجود في بعض الرِّوايات من إطلاق الارتماس الظَّاهر في ارتماس تمام البدن، فهو لا يُنافي الرِّوايات المتقدِّمة، فيكون كلٌّ منهما مُفطّراً بناءً على مُفطريّة الارتماس .
وبالجملة، فيكفي حينئذٍ في ترتُّب الحُكم غمس الرَّأس في الماء، وإن كان البدن كلُّه خارجاً.
ومن هنا، فما ذكره المصنِّف (رحمه الله) في ما سيأتي في الدَّرس الثَّالث والسَّبعون، حيث قال: «ولو غمس رأسه في الماء دفعةً، أو على التَّعاقب، ففي إلحاقه بالارتماس نظر...»[5]، ليس تامّاً، كما عرفت.
ثمَّ إنَّه لا فرق بين أن يكون رمسُ الرأس دفعةً أو تدريجاً على وجه يكون تمامه تحت الماء زماناً ما، أي ولو آناً ما.
وأمَّا لو غمسه على التَّعاقب لا على هذا الوجه، أي بحيث لم يبقَ كلّه تحت الماء في زمان واحد، فلا إشكال حينئذٍ؛ لعدم صدق الارتماس، كما لو رمس الطَّرف الأيمن أوَّلاً، ثمَّ أخرجه ورمس الطَّرف الأيسر.
ثمَّ إنَّ المراد بالرَّأس في مثل المقام هو مجموع ما فوق الرَّقبة بتمامه.
كما أنَّ أكثر الأعلام ذكروا أنَّه لا يكفي غمس خُصوص المنافذ، كما عن صاحب المدارك (رحمه الله)، حيث لم يستبعد تعلُّق التَّحريم بغمس المنافذ كلّها دفعةً، وإن كانت منابت الشَّعر خارجةً عن الماء، أي أنَّه يكفي عنده إدخال الصائم رأسه في الماء إلى حدّ أُذنيه، بحيث تكون خُصوص المنافذ تحت الماء.
وفيه: أنَّ ما ذكره ليس تامًّا؛ لعدم صِدْق غمس الرَّأس في الماء الَّذي هو المناط في المقام.
نعم، خُروج شعر الرَّأس لا يُنافي صِدْق الغمس؛ لخُروج الشَّعر عن مفهوم الرَّأس؛ ولذا لا يجب غسله في غُسل الجنابة.