الدرس 1179 _كتاب الخمس 59
ثمَّ لا يخفى عليك: أنَّ الأسهم الثَّلاثة الَّتي دلَّت الأدلَّة على أنَّها بالفعل للإمام (عليه السلام)، من حيث إمامته إنَّما هي الأسهم الثَّلاثة الثَّابتة في الخُمُس من حيث هو.
وأمَّا الخُمُس الَّذي قبضه النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله)أو الأئمَّة الماضين (عليهم السلام)، فإنَّه بقبضهم له صار ملكاً لهم، كسائر أملاكهم، وخرج عن موضوع السِّهام الثَّابتة في الخُمُس، واندرج في موضوع آية المواريث.
وبالجملة، فإنَّ ما قبضه النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله)، أو الإمام الماضي (عليه السلام)، ينتقل إلى وارثه؛ ضرورة صيرورته كسائر أمواله الَّتي فُرض تقسيمها على الوارث.
واحتمال اختصاص الإمام (عليه السلام) به أيضاً لقبض النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله)له مثلاً بمنصب النُّبوّة، باطلٌ حتماً؛ إذ هو وإن كان كذلك، لكنَّه صار ملكاً من أملاكه بقبضه، وإن كان سببه منصب النُّبوّة.
وأمَّا الأسهم الثَّلاثة الباقية، والَّتي هي نصف الخُمُس، فهي للأيتام، وأبناء السَّبيل، والمساكين من أقارب النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله)ممَّنْ حرم عليهم الصَّدقة الواجبة، وهذا متسالم عليه بين الأعلام قديماً وحديثاً، ولا تضرّ مخالفة ابن الجنيد (رحمه اﷲ).
وبالجملة، فإنَّ هذه الأسهم الثَّلاثة ثابتةٌ بالكتاب، وبالسُّنّة المستفيضة جدّاً، إن لم تكن متواترةً.
وأمَّا ما حُكي عن ابن الجنيد (رحمه اﷲ) من أنَّه جعلها مع استغناء ذوي القربى لمطلق الأيتام والمساكين وأبناء السَّبيل، فلم نعثر له على دليل؛ إذ إنَّ إطلاق الآية الشَّريفة، وبعض الرِّوايات مُقيَّد بالرِّوايات الكثيرة الدَّالّة على اختصاص ذلك ببني هاشم، وعدم التّعدِّي عنهم، خصوصاً بعد استفاضة الرِّوايات بأنَّ ما زاد من الخمس عليهم فهو للإمام (عليه السلام)، ففي مرسلة حمّاد المتقدِّمة (وله يعني: للإِمام (عليه السلام) نصف الخُمُس كملاً، ونصف الخُمُس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، يُقسّم بينهم على الكتاب والسُّنّة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي إلى أن قال: وإنَّما صار عليه أن يُموّنهم لأنَّ له ما فضل عنهم)([1])، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، كما عرفت.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وأعطى المرتضى المنسوب بأمِّه.
المعروف بين الأعلام أنَّه يُعتبر في الطَّوائف الثَّلاث انتسابهم إلى عبد المطَّلب جدّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالأبوَّة.
وقد عبَّر كثيرٌ من الأعلام بانتسابهم إلى هاشم بالأب، وهو والد عبد المطَّلب، ومن المعلوم أنَّ ذريّة هاشم منحصرةٌ بمَنْ ولده عبد المطَّلب؛ لعدم وجود عقب لأسد بن هاشم حيث انحصر عقبه في ابنه حنين الذي لم يُعلَم له عقب وابنته السيِّدة فاطمة أمّ أمير المؤمنين (عليه السلام).
وعليه، فلو انتسبوا إلى هاشم بالأمّ خاصَّة لم يُعطَوا شيئاً من الخُمُس.
وفي الجواهر: (على الأظهر الأشهر، بل عليه عامَّة أصحابنا، كما اعترف به في الرِّياض، عدا المرتضى وابن حمزة على ما حُكي عنهما، مع أنَّ فيما حضرني من نسخة وسيلة الثَّاني موافقة المشهور، ويُؤيِّده نسبة غير واحدٍ من الأصحاب ذلك للمرتضى خاصَّة...)([2]).
أقول: حتَّى نسبة الخِلاف إلى السّيِّد المرتضى (رحمه اﷲ) غير ثابتة.
نعم، صاحب الحدائق (رحمه اﷲ) وافق السّيِّد المرتضى (رحمه اﷲ) بناءً على صحَّة نسبة الخلاف إليه صريحاً.
ثمَّ قال صاحب الحدائق (رحمه اﷲ): (ومنشأ هذا الخِلاف أنَّ أولاد البنت أولاد حقيقةً أو مجازاً؟ فالمرتضى ومَنْ تبعه على الأوَّل)([3])، ثمَّ نقل عن جماعة من الأعلام موافقة السّيِّد المرتضى (رحمه اﷲ) في ذلك.
ثمَّ قال (رحمه اﷲ): (وأنت خبيرٌ بأنَّ جملةً من هؤلاء المذكورين، وإنْ لم يُصرِّحوا في مسألة الخُمُس بما نقلناه عن السّيِّد المرتضة (رحمه الله)، إلاَّ أنَّهم في مسائل الميراث والوقف ونحوها لمَّا صرَّحوا بأنَّ ولد البنت ولدٌ حقيقةً اقتضى ذلك إجراء حكم الولد الحقيقيّ عليه في جميع الأحكام الَّتي من جملتها جواز أخذ الخُمُس، وتحريم أخذ الزَّكاة ومسائل الميراث والوقوف، ونحوها؛ لأنَّ مبنى ذلك كلّه على كون المنتسب بالأم ابناً حقيقيّاً، فكلُّ مَنْ حكم بكونه ابناً حقيقيّاً يلزمه أن يجري عليه هذه الأحكام)([4]) إلى أنْ قال : (والظَّاهر عندي هو مذهب السّيِّد...)([5]).
ويرد عليه: أنَّ الأعلام هنا لم ينسبوا الخلاف إلاَّ إلى السّيِّد المرتضى (رحمه اﷲ)، وكأنَّه لأجل أنَّ مبناه في المقام ليس صِدْق اسم الولد حقيقةً وعدمه حتَّى يلزم مدّعي الصِّدق في غيره موافقة السّيِّد المرتضى (رحمه اﷲ) هنا، كما استفاده صاحب الحدائق (رحمه اﷲ)، وجعل مدار المسألة على ذلك وجوداً وعدماً.
إذا عرفت ذلك، فنقول: يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: في صِدْق الولد على ولد البنت حقيقةً أم مجازاً.
فعلى الأوَّل: يُعطى المنتسب بالأمّ إلى هاشم الخُمُس؛ لأنَّه ابن هاشم وابن عبد المطّلب حقيقةً.
وهذا بخلاف الثَّاني أي: ما لو كان الموضوع هو بنو هاشم، وبنو عبد المطّلب : فلا يُعطى، كما سيأتي توضيحه.
أمَّا الأمر الأوَّل: فلا إشكال في كون ولد البنت ولداً، أو ابناً حقيقةً، ومن المتَّفق عليه عند الإماميّة أيّدهم اﷲ تعالى أنَّ أولاد السيِّدة فاطمة الزَّهراء (عليها السلام) أبناءٌ حقيقيُّون لرسول اﷲ (صلّى الله عليه وآله).
ومن هنا أيضاً كان الحسن والحسين (عليهما السلام) يُفضَّلان بذلك، ويُمدحان، ولا فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار، ولم تزل العرب في الجاهليّة تنسب الولد إلى جدِّه، إمَّا في موضع مدحٍ أو ذمٍّ، ولا يتناكرون ذلك.
وقد كان يُقال للصَّادق (عليه السلام): أنت ابن أبي بكر، وقد رُوي عن الصَّادق (عليه السلام) أنَّه قال: (أولدني أبو بكر مرّتَيْن)؛ باعتبار أنَّ أمَّه بنت القاسم بن محمَّد بن أبي بكر، وأمّها أسماء بنت عبد الرَّحمان بن أبي بكر، ويُقال لها: أمّ فروة، وهي منتسبة إلى أبي بكر من وجهين؛ كما عرفت.
ولا خلاف أيضاً في أنَّ عيسى (عليه السلام) من بني آدم حقيقةً، ومن ذريّة إبراهيم (عليه السلام)، وإنما يُنسب إليه من قبل أمّه (عليها السلام).
وممَّا يدلّ أيضاً على كون ولد البنت ولداً وابناً حقيقةً الرِّوايات المستفيضة جدّاً الظَّاهرة في ذلك ظهوراً لا يُنكر:
منها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (أنّه قَاْل: لو لم تحرم على النَّاس أزواج النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله)لقول اﷲ (عز وجل) : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا) ]الأحزاب: 53] حرمن على الحسن والحُسين بقول اﷲ (عز وجل) : (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء) ]النساء: 22]، ولا يصلح للرَّجل أنْ ينكح امرأة جدّه)([6]).
([1]) الوسائل باب 3 من أبواب قسمة الخُمُس ح1.
([2]) الجواهر: ج16، ص90.
([3]) الحدائق: ج12، ص359.
([4]) الحدائق: ج12، ص360.
([5]) الحدائق: ج12، ص365.
([6]) الوسائل باب 2 من أبواب ما يحرم بالمُصاهرة ونحوها ح1.