الدرس 1180 _كتاب الخمس 60
ومنها: معتبرة أبي الجارود المرويّة في الكافي، وفي تفسير عليِّ بن إبراهيم بسندَيْهما إلى أبي الجارود، وقد رواها في الكافي عن عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمَّد بن خالد، عن الحسن بن ظريف، عن عبد الصَّمد بن بشير، عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام). ورواها عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ظريف بن ناصح عن عبد الصَّمد بن بشير عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام).
ولا خدشة في سندَيْهما إلاَّ من جهة أبي الجارود زياد بن المنذر الأعمى الزَّيديّ، فإنَّ هناك جملةً من الرِّوايات وردت في ذمِّه، ولكنَّها كلّها ضعيفة السَّند، بل أغلبها ضعيف الدَّلالة أيضاً، فلا تدلُّ على ضعف الرَّجل وعدم وثاقته.
والإنصاف: أنَّه ثقة؛ لشهادة الشَّيخ المفيد (رحمه اﷲ) في الرسالة
العدديّة أنَّه من الأعلام الرُّؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الَّذين لا يُطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمِّ واحدٍ منهم. وروى النَّجاشيّ (رحمه اﷲ) في ترجمته أنَّه قال: (وُلدتُ أعمى ما رأيت الدُّنيا قط...)([1]).
إذا عرفت ذلك، فَلْنرجع إلى الرِّواية، وهي كما في الكافي عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) (قَالَ: قَالَ [لِي] أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): يَا أَبَا الْجَارُودِ! مَا يَقُولُونَ لَكُمْ فِي الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عليه السلام)؟ قُلْتُ: يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا أَنَّهُمَا ابْنَا رَسُولِ اﷲ (صلّى الله عليه وآله)، قَالَ: فَأَيَّ شَيْءٍ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ؟ قُلْتُ: احْتَجَجْنَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ اﷲ (عز وجل) فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (عليه السلام): (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ﴾ [الأنعام: 8485]، فَجَعَلَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ ([2])، قَالَ: فَأَيَّ شَيْءٍ قَالُوا لَكُمْ؟ قُلْتُ: قَالُوا: قَدْ يَكُونُ وَلَدُ الِابْنَةِ مِنَ الْوَلَدِ، وَلَا يَكُونُ مِنَ الصُّلْبِ، قَالَ: فَأَيَّ شَيْءٍ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ؟ قُلْتُ: احْتَجَجْنَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِ اﷲ تَعَالَى لِرَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله): (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ) [آل عمران: 61]، قَالَ: فَأَيَّ شَيْءٍ قَالُوا؟ قُلْتُ: قَالُوا: قَدْ يَكُونُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَبْنَاءُ رَجُلٍ وَآخَرُ يَقُولُ أَبْنَاؤُنَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): يَا أَبَا الْجَارُودِ!
لَأُعْطِيَنَّكَهَا مِنْ كِتَابِ اﷲ جَلَّ وَتَعَالَى أَنَّهُمَا مِنْ صُلْبِ رَسُولِ اﷲ (صلّى الله عليه وآله)لَا يَرُدُّهَا إِلاَّ الْكَافِرُ، قُلْتُ: وَأَيْنَ ذَلِكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟ قَالَ: مِنْ حَيْثُ قَالَ اﷲُ تَعَالَى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ) الْآيَةَ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ) [النساء: 23]، فَسَلْهُمْ يَا أَبَا الْجَارُودِ! هَلْ كَانَ يَحِلُّ لِرَسُولِ اﷲ (صلّى الله عليه وآله)نِكَاحُ حَلِيلَتَيْهِمَا، فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، كَذَبُوا وَفَجَرُوا، وَإِنْ قَالُوا: لَا، فَهُمَا ابْنَاهُ لِصُلْبِهِ)([3]).
وزاد في رواية علي بن إبراهيم: (وما حرُمتا عليه إلاَّ للصلب)، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.
والحاصل: أنَّه لا إشكال في إطلاق البنوّة على ابن البنت على جهة الحقيقة، فهو ولدٌ للصُّلب حقيقةً، وإن كان بواسطة.
الأمر الثَّاني: الظَّاهر من الرِّوايات الكثيرة، والمذكور جملة منها في أبواب حرمة الصَّدقة على بني هاشم، أنَّ الموضوع أي المستحقّ للخُمُس هو عنوان بني هاشم وبني عبد المطّلب، لا ولد هاشم أو ولد عبد المطّلب.
والمتبادر من إطلاق بني هاشم أو بني عبد المطّلب ليس إلاَّ إرادة الأشخاص المنتسبين إليه بالأب، كبني تميم وبني سعد وبني أسد، ونحوهم ممَّا يختصُّ بالمنسوب بتوسُّط الذُّكور فقط.
وبالجملة، فليس المدار عرفاً على صِدْق اسم الولد وعدمه، بل المدار عرفاً على صِدْق عنوان (الهاشميّ) عليه الَّذي لا يكون ذلك إلاَّ بتوسُّط الذُّكور فقط.
وقد وقع التَّعبير بعنوان (الهاشميّ) في بعض الرِّوايات:
منها: موثَّقة زرارة عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) في حديث (قَاْل: إنَّه لو كان العَدْل ما احتاج هاشميٌّ ولا مطّلبيٌّ إلى صدقة، إنَّ اﷲ جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثمَّ قال: إنّ الرَّجل إذا لم يجد شيئاً حلَّت له الميتة، والصَّدقة لا تحلُّ لأحد منهم إلاَّ أنْ لا يجد شيئاً، ويكون ممَّنْ يحلُّ له الميتة)([4]).
وعليُّ بن محمَّد بن الزُّبير القُرَشيّ المعروف بابن الزُّبير، الواقع في إسناد الشَّيخ إلى عليِّ بن الحسن بن فضَّال، من المعاريف، ما يكشف عن وثاقته.
والخلاصة: أنَّ المدار في هذا الباب أي المستحقّ للخُمُس هو ما اندرج عرفاً في عنوان (الهاشميّ أو بني هاشم أو بني عبد المطّلب)، ولا يكفي في ذلك مجرَّد تولُّده منه؛ إذ مَنْ كانت أمُّه من بني تميم، وأبوه من بني سعد، يُعدّ عرفاً من بني سعد لا من بني تميم، ولا أقلّ من انصراف اسم بني تميم أو تميميّ عنه.
وأمَّا ما ورد في بعض الرِّوايات من إطلاق العنوان على المنتسب
بالأمّ، كما في رواية عبد الرَّحيم بن روح القصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (فِي قَوْلِ اﷲِ (عز وجل) : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) ]الأحزاب: 6]، فِيمَنْ نَزَلَتْ؟ فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي الْإِمْرَةِ، إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جَرَتْ فِي وُلْدِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) مِنْ بَعْدِهِ، فَنَحْنُ أَوْلَى بِالْأَمْرِ وَبِرَسُولِ اﷲِ (صلّى الله عليه وآله)مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قُلْتُ: فَوُلْدُ جَعْفَرٍ لَهُمْ فِيهَا نَصِيبٌ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَلِوُلْدِ الْعَبَّاسِ فِيهَا نَصِيبٌ؟ فَقَالَ: لَا، فَعَدَدْتُ عَلَيْهِ بُطُونَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا، قَالَ: وَنَسِيتُ وُلْدَ الْحَسَنِ (عليه السلام)، فَدَخَلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ لِوُلْدِ الْحَسَنِ (عليه السلام) فِيهَا نَصِيبٌ؟ فَقَالَ: لَا، وَاﷲِ! يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ مَا لِمُحَمَّدِيٍّ فِيهَا نَصِيبٌ غَيْرَنَا)([5]).
ففيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة عبد الرَّحيم بن روح القصير.
وثانياً: أنَّه يمكن أن يكون إطلاق عنوان (المُحمَّديّ) على أولاد البنت مجازيّاً.
([1]) رجال النجاشي: ص170.
([2]) وفي تفسير القُمِّيّ: (من ذريَّة إبراهيم)، وهو الصَّحيح.
([3]) الكافي: كتاب الرَّوضة: ج8 ص317و318، ح501، وتفسير القُمِّيّ: ج1، ص209.
([4]) الوسائل باب 33 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([5]) الكافي ط الإسلاميّة : ج1، ص288، ح2.