الدرس 1161 _كتاب الخمس 41
وأمَّا إذا علمنا أنَّ هذا المال مدّخرٌ منذ زمن بعيد جدّاً، كما هو الغالب في الكنوز، بحيث نعلم بموت صاحبه، ولا نعلم أنَّ له وارثاً من مسلم أو ذمّيّ؛ إمَّا لعدم وجود الوارث من أوَّل الأمر، أو أنَّه كان موجوداً، ولكنَّه انقرض، وعليه، فيكون وارث هذا المال الإمام (عليه السلام)، حيث إنَّه وارث مَنْ لا وارث له، والإمام (عليه السلام) قد أباحه للمسلمين، كما هو الشَّأن في كلِّ أرضٍ لا صاحب لها ولا وارث. فإذا كان الأمر كذلك، فهذا الكنز يملكه الواجد، وعليه خُمُسه.
ويدلّ أيضاً على أنَّه لواجده، وعليه الخُمُس: صحيحتان لمحمَّد بن مسلم، وحسنة لابن أبي عمير:
أمَّا الصَّحيحتان، فالأُولى: عن أبي جعفر (عليه السلام) (قَاْل: سألته عن الدَّار يُوجد فيها الوَرِق، فقال: إن كانت معمورةً فيها أهلها فهي لهم،
وإن كانت خربةً قد جلا عنها أهلها، فالَّذي وجد المال أحقّ به)([1]).
والثَّانية: صحيحته عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث (قَاْل: وسألته عن الوَرِق يُوجد في دار، فقال: إن كانت الدَّار معمورةً فهي لأهلها، وان كانت خربةً فأنت أحقُّ بما وجدت)([2]).
وهما ظاهرتان في ملك الواجد للوَرِق، وهما مطلقتان من حيث كون الوَرِق مكنوزاً أم لا، ومن حيث كون أثر الإسلام عليه أم لا.
وعليه، فالتّمسُّك بهما إنَّما هو بالإطلاق.
وأمَّا موثَّقة محمَّد بن قيس المتقدِّمة([3])، فقد عرفت أنَّه يمكن حملها على الخربة المعروفة المالك، فيكون المرادُ من تعريف الوَرِق فيها تعريفَها مالك الخربة، فإنْ عرفها فهي له، وإلاَّ فلا.
وأمَّا حسنة ابن أبي عمير المتقدِّمة عن غير واحد عن أبي عبد اﷲ (عليه السلام) (قَاْل: الخُمُس على خمسة أشياء: على الكُنوز، والمعادن، والغَوْص، والغنيمة، ونسي ابن أبي عمير الخامس)([4])، فهي كما تدلّ على وجوب الخُمُس تدلّ أيضاً على ملكيَّتها للواجد؛ إذ لا خُمُس إلاَّ في المملوك.
ومن هنا تعرف أنَّ الأموال الَّتي ليس لها مالك معروف على قسمَيْن:
الأوَّل:
ما يُعدّ في العرف بلا مالك، بحيث لو سُئل عن مالكه يُقال: بأنَّه لا مالك له، كما هو الحال في الكنز الَّذي نعلم أنَّ صاحبه قد مات حتماً، وليس له وارث؛ إمَّا لعدم وجوده، أو لانقراضه.
وقد عرفت أنَّه يجوز تملُّكه بالحيازة؛ لأنَّ الإمام (عليه السلام) قد أباح للمسلمين تملُّكه كباقي الأموال الَّتي لا صاحب لها.
وهو الَّذي لا يسلب العرف إضافته إلى مالك، بل يُقال: إنَّ مالكه غير معروف.
وهذا القسم إمَّا لُقطة إن كان ضائعاً على مالكه، وإلاَّ فهو مجهول. وحكمهما وجوب التّعريف، كما لا يخفى.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ الصَّحيح هو كون الكنز ملكاً لواجده، سواء أكان في دار الكفر أم دار الإسلام، وسواء أكان عليه أثر الإسلام أم لا، واﷲ العالم بحقائق أحكامه.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولو وجده في ملك مُبتاع عرّفه البائعَ ومَنْ قبله، فإن لم يعرفه فلُقَطة أو رِكاز بحسب أثر الإسلام وعدمه.
المعروف بين الأعلام أنَّ الكنز إذا كان في أرض مملوكة للواجد، فإن مُلكت بالإحياء فهو كالموجود في المباح.
وإن مُلكت بالابتياع أي انتقلت إليه من غيره ببيع أو هبة أو نحوهما، فقد ذكر جماعة من الأعلام منهم العلاَّمة (رحمه اﷲ) في المنتهى والتَّذكرة، والمصنِّف (رحمه اﷲ) هنا وفي البيان، والشَّهيد الثَّاني (رحمه اﷲ) في المسالك، وغيرهم، أنَّه يرجع إلى منِ انتقل عنه، فيُعرّفه إيّاه، فإنْ عرفه
فهو له، وإن لم يعرفه فللمالك قبله، فإن لم يعرفه، فقد ذكر الأعلام أنَّه للواجد، وعليه الخُمُس.
ولكنَّ المصنِّف (رحمه اﷲ) فصَّل: بأنَّه إنْ لم يكن عليه أثر الإسلام فهو لواجده، وإن كان عليه أثر الإسلام فلُقطة.
ومهما يكن، فقدِ استدلّ له العلاَّمة (رحمه اﷲ) في المنتهى بأمرَيْن:
الأوَّل: أن يد المالك الأوّل على الدَّار يدٌ على ما فيها، وهي دالَّة على ملكيّة ذيها.
الثَّاني: وجوب الحكم له لو ادَّعاه إجماعاً؛ قضاءً لظاهر يده السَّابقة.
وأشكل عليه: بأنه لو كانت اليد السَّابقة حُجّةً، وبالتَّالي هي دالَّة على ملكيّة ذيها، للزم كون الكنز للبائع مثلاً من غير تعريف؛ لأنَّه صاحب يد، بل وجب الحكم له به، ولو لم يكن قابلاً للادِّعاء، كالصَّبيّ والمجنون والميِّت، فيُدفع إلى ورثته إن عُرفوا، وإلاَّ فإلى الإمام (عليه السلام)، مع أنَّهم لا يلتزمون بذلك.
ثمَّ إنَّ صاحب المدارك (رحمه اﷲ) ناقش في وجوب التعريف، حيث قال: (ويمكن المناقشة في وجوب تعريفه لذي اليد السَّابقة إذا احتُمل عدم جريان يده عليه؛ لأصالة البراءة من هذا التَّكليف، مضافاً إلى أصالة عدم التَّقدم)([5]).
وفيه: أنَّ هذه المناقشة إنَّما تتمّ لو احتملنا تجدُّد الكنز بعد الشِّراء، ولكنّك عرفت أنَّ محلّ الكلام لو علمنا بوجود الكنز قبله.
([1]) الوسائل باب 5 من أبواب اللقطة ح1.
([2]) الوسائل باب 5 من أبواب اللقطة ح2.
([3]) الوسائل باب 5 من أبواب اللقطة ح5.
([4]) الوسائل باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح7.
([5]) المدارك: ج5، ص372.