الدرس 198_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (30).ثالثها: ما نهي عنه تنزيها
الدرس 198 / الثلاثاء: 21-أيلول-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإجارة الإنسان نفسه للأعمال الدنيَّة. وروى عمَّار: الكراهة مطلقاً. وروى ابن سنان: لا بأس بها؛ لفعل موسى (عليه السلام). وجمع الشَّيخ بينهما بالكراهة لمن يخاف التَّقصير دون غيره. (انتهى كلامه)
(2) ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّه يكره للإنسان إجارة نفسه للأعمال الدنيَّة، ولا بدَّ من ذِكْر الرِّوايات الواردة في المقام حتى نرى ما هو مقتضى الإنصاف في المسألة.
والرِّوايات المتعلِّقة بالمقام أربع:
الأولى: موثَّقة المفضَّل بن عمر «قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: مَنْ آجر نفسَه فقد حَظَر على نفسِه الرِّزق»[1]f363، وهذه لا يستفاد منها الكراهة الاصطلاحيَّة «قال الكليني: وفي رواية أخرى: وكيف لا يحظره وما أصاب فيه فهو لربِّه الَّذي آجره»[2]f364، وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: رواية ابن سنان عن أبي الحسن (عليه السلام) «قال: سألته عنِ الإِجارة؟ فقال: صالح، لا بأس به إذا نصح قدر طاقته، فقد آجر موسى (عليه السلام) نفسه واشترط، فقال: إن شئت ثماني، وإن شئت عشراً، فأنزل الله عزّ وجلّفيه: « أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ﴾ ]القصص: 27[»[3]f365، وهي ضعيفة بابن سنان وهو محمَّد وبعدم وثاقة عليّ بن محمَّد بن بندار، ورواها الشّيخ الصّدوق (رحمه الله) بإسناده عن محمَّد بن خالد البرقي عن محمَّد بن سنان عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام)، وهي ضعيفة بهذا الطّريق بمحمَّد بن سنان، وهذه الرّواية تدلُّ على الجواز بلا كراهة، بل يستفاد منها الرُّجحان لفعل النبي موسى (عليه السلام).
ومنها: رواية عمَّار السّاباطي «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): الرَّجل يتَّجر فإن هو آجر نفسه أعطى ما يصيب في تجارته، فقال: لا يؤاجر نفسه، ولكن يسترزق الله جلَّ وعزَّ ويتَّجر، فإنّه إذا آجر نفسه فقد حظر على نفسه الرِّزق»[4]f366، وهذه الرِّواية واضحة جدّاً في الكراهة مطلقاً، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة علي بن محمَّد بن بندار، ومحمَّد بن عَمْرو بن أبي المقدام، ورواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده عن محمَّد بن عَمْرو بن أبي المقدام عن عمَّار، وهي ضعيفة بهذا الطريق أيضاً بمحمَّد بن سنان الواقع في طريق الصَّدوق (رحمه الله) إلى محمَّد بن عمرو بن أبي المقدام، وضعيفة أيضاً بعدم وثاقة محمَّد بن عَمْرو بن أبي المقدام.
ومنها: رواية عبد الله بن محمَّد الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: مَنْ آجر نفسَه فقد حَظَر عليها الرِّزق، وكيف لا يحظر عليها الرِّزق، وما أصابه فهو لربٍّ آجره»[5]f367، وهي ضعيفة سنداً ودلالةً، أمَّا سنداً بعبد الله بن محمَّد الجعفي، فقد صرّح النّجاشي بتضعيفه.
وأمَّا دلالة، فلعدم دلالتها على الكراهة بالمعنى المصطلح عليه.
هذا، وقد جمع الشَّيخ (رحمه الله) بين الرِّوايات على ما حكاه عنه المصنف (رحمه الله) بالحمل على الكراهة فيما إذا خاف التَّقصير دون غيره.
وفيه: أنّنا لو قطعنا النَّظر عن ضعف أغلب الرِّوايات فلا قرينة على هذا الحَمْل، كما أنَّ المصنِّف (رحمه الله) ذهب إلى كراهة إجارة نفسه للأعمال الدنيَّة، وهذا أيضاً لا قرينة عليه إلاَّ بعض الوجوه الاعتباريَّة.
والإنصاف: أنَّه لا دليل معتبر على الكراهة، فالموثَّقة الأولى لا تدلُّ على الكراهة، ورواية عمَّار الظَّاهرة جدّاً في الكراهة ضعيفة السَّند، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وعن الرِّضا (عليه السلام): «كلُّ شيءٍ يتَّقي فيه العبد ربَّه فلا بأس به»، وكان السُّؤال عن بيع الرَّقيق. (انتهى كلامه)
(1) تقدَّمت هذه الرِّواية، وهي موثَّقة ابن فضَّال[6]f368 عند الكلام عن كون الإنسان بيَّاعاً للرَّقيق.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وقال الباقر (عليه السلام): «كان أهل الكهف صيارفة». (انتهى كلامه)
(2) تقدَّمت هذه الرِّواية أيضاً وهي رواية سدير الصَّيرفي[7]f369 عند الكلام عن كراهة كون الإنسان صرَّافاً، وقلنا: إنَّ هذه الرِّواية ضعيفة بعدم وثاقة خالد بن عمَّارة وسدير الصَّيرفي.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويكره الإنزاء على النَّاقة وولدها طفل، إلاَّ أن ينحر أو يتصدَّق به. وإنزاء الحمار على العتيق. (انتهى كلامه)
(3) كما يستفاد من معتبرة السَّكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: نهى رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) عَنِ الكشوف، وهو أن تُضْرَب النَّاقة وولدها طفل، إلاَّ أن يتصدَّق بولدها أو يُذْبَح، ونهى أن يُنْزى حمار على عتيقة»[8]f370، ومعنى (العتيق) هو النَّجائب من الخيل.
وحمل النَّهي على الكراهة؛ للتَّسالم على عدم الحرمة، ولرواية هشام بن إبراهيم عن الرِّضا (عليه السلام) الواردة في إنزاء الحمير على الرَّمَك «قال: سألتُه عنِ الحميرِ تنزيها على الرَّمَك لتنتج البغال، أيحلُّ ذلك؟ قال: نعم أنزها»[9]f371، الرَّمَك جمع رمكة، وهي الأنثى من الخيل، ولكنَّها ضعيفة بهشام بن إبراهيم، وعدم وثاقة عبَّاد بن سليمان.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وانتهاب نثار العرس. (انتهى كلامه)
(1) ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّه يكره انتهاب نثار العرس أي أخذ ما ينثر في العرس من السُّكَّر واللَّوز والحلوى، وما أشبه ذلك بالجمع والالتقاط من موضع نثره فإن ذلك خلاف المروءة ولا يحرم.
وقال الشَّيخ في النِّهاية: «ولا يجوز أخذ شيء ممَّا ينثر في الأعراس والإملاكات، إلاَّ ما أُعطِي باليد أو علم من قصد صاحبه الإباحة لأخذه». ووافقه صاحب الوسائل.
والمراد من الإملاكات: جمع إملاك، وهو الترويج، يقول: أملكه أمرأة: زوجه إيّاها.
أقول: لا بدَّ أن نرى الرِّوايات الواردة في المقام لكي يتَّضح ما هو مقتضى الإنصاف في المسألة، وهي خمسة: ثلاثة منها ظاهرة في الحرمة على إشكال في بعضها:
الأولى: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما J «قَاْل: لا تَصْلُحُ المقامرةُ ولا النّهبَة»[10]f372، والنّهبة الانتهاب، والمنهوب، وهو ما أخذ بالقهر، وهي ظاهرة في الحرمة، ولكنها على مبنانا ليست كذلك؛ لأنَّ كلمة (لا يصلح) ظاهرة في الكراهة.
الثَّانية: رواية أبي الجارود «قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قَاْل رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لَاْ يزني الزَّاني حين يزني وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرُق حين يَسْرُق وهو مُؤْمِنٌ، ولا ينهب نهبةً ذات شرف حين ينهبها، وهو مؤمنٌ. قال ابن سنان: قلتُ لأبي الجارود: وما نهبة ذات شرف؟ قال: نحو ما صَنَعَ حاتمٌ، حين قَاْل: مَنْ أَخَذَ شيئاً فَهُوَ له»[11]f373، وهي أيضاً دالَّة على الحرمة، ولكنَّها ضعيفة بمحمَّد بن سنان.
الثَّالثة: رواية إسحاق بن عمَّار «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): الإملاك يكون والعُرس، فينثرون على القوم، فقال: حَرَامٌ، ولكن ما أَعْطَوك منه فَخُذْ»[12]f374، وهي ظاهرة في الحرمة، إلاَّ أنَّها أيضاً ضعيفة بجهالة محمَّد بن عليّ.
[1] الوسائل باب 66 من أبواب ما يكتسب به ح1.
[2] الوسائل باب 66 من أبواب ما يكتسب به ذيل ح1.
[3] الوسائل باب 66 من أبواب ما يكتسب به ح2.
[4] الوسائل باب 66 من أبواب ما يكتسب به ح3.
[5] الوسائل باب 66 من أبواب ما يكتسب به ح4.
[6] الوسائل باب 20 من أبواب ما يكتسب به ح5.
[7] الوسائل باب 22 من أبواب ما يكتسب به ح1.
[8] الوسائل باب 63 من أبواب ما يكتسب به ح1.
[9] الوسائل باب 63 من أبواب ما يكتسب به ح2.
[10] الوسائل باب 36 من أبواب ما يكتسب به ح1.
[11] الوسائل باب 36 من أبواب ما يكتسب ح3.
[12] الوسائل باب 36 من أبواب ما يكتسب ح4.