الدرس 1129 _كتاب الخمس 9
لمشاهدة الفيديو يمكنكم الدخول على الرابط التالي:
الخميس 01 كتنون الاول 2022 - الدرس رقم: 09
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وكذا فداء المشركين وما صولحوا عليه.
نعم، لو كان الفداء بدون الغَلَبة عليهم، وكذا ما صُولحوا عليه، فإنَّه لا يصدق عليه الغنيمة بالمعنى الأخصّ، بل هو غنيمة بالمعنى الأعمّ، فيدخل في أرباح المكاسب، ويكون تخميسه بعد المؤونة.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وألحق ابن الجنيد الجزية وعشور أهل الحرب.
حكى المصنِّف (رحمه الله) عن ابن الجنيد (رحمه الله) أنَّه ألحق الجِزية وعُشور أهل الحرب بالغنيمة بالمعنى الأخصّ، فيجب تخميسها ابتداءً.
أقول: سواء صحّ ما نُقِل عن ابن الجنيد (رحمه الله) أم لم يصحّ، فإن إلحاق الجِزية والعُشر الَّذي يُؤخذ منهم بالغنيمة بالمعنى الأخصّ في غير محلِّه، بل هو غنيمة بالمعنى الأعمّ، فيدخل في أرباح المكاسب، ويكون تخميسه بعد المؤونة كبقيَّة أرباح المكاسب، والله العالم.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الثاني: جميع المكاسب من تجارة وصناعة وزراعة وغرس.
الثَّاني ممَّا يجب فيه الخُمُس ما يفضل عن مؤونة السَّنة له ولعياله، من تجارة وزراعة وغَرْس، ونحوها.
قال صاحب الحدائق: ووجوب الخُمُس في هذا النَّوع هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)، بل ادَّعى عليه العلَّامة في المنتهى والتَّذكرة الإجماع وتواتر الأخبار...
قال صاحب الجواهر: بلا خلاف معتدٍّ به أجده فيه، بل في الخِلاف والغُنية والتَّذكرة والمنتهى الإجماع عليه، بل في ظاهر الانتصار والسَّرائر أو صريحهما ذلك، بل أرسله في الرِّياض عن الشَّهيد الثَّاني أيضاً، بل في الأخيرَيْن من الأربعة دعوى تواتر الأخبار به، وهو الَّذي استقرّ عليه المذهب والعمل في زماننا هذا، بل وغيره من الأزمنة السَّابقة الَّتي يمكن دعوى اتِّصالها بزمان أهل العصمة (عليهم السلام).
أقول: لا إشكال في وجوب الخُمُس في هذا النَّوع، بل هو متسالمٌ عليه، بحيث لم يُنسَب الخلاف فيه إلَّا إلى ابن الجنيد (رحمه الله).
مع أنَّ ظاهر عبارته العفو عن هذا النَّوع، لا أنَّه لا يجب فيه الخُمُس، وفرق واضح بينهما؛ إذِ العفو لا يكون إلَّا بعد الثُّبوت، قال ابن الجنيد (رحمه الله) في مختصر الأحمديّ: فأمَّا ما استُفيد من ميراث، أو كَدّ بدنٍ، أو صلة أخٍ، أو ربح تجارةٍ، أو نحو ذلك، فالأحوط إخراجه؛ لاختلاف الرِّواية في ذلك، ولأنَّ لفظ فرضه محتمل هذا المعنى، ولو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزَّكاة الَّتي لا خلاف فيها. وظاهر كلامه العفو عن هذا النَّوع.
ووجه استظهار العفو من كلامه مع إمكان أن يكون تردُّده في أصل ثبوته لا في العفو عنه هو أنَّه جعل إخراجه مورداً لاختلاف الرِّواية، والَّذي اختلفت فيه الرِّواية هو العفو لا أصل ثبوته.
ونسب المصنِّف (رحمه الله) في البيان القول بالعفو أيضاً إلى ابن أبي عقيل (رحمه الله)، فقال: وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النَّوع، وأنَّه لا خمس فيه، والأكثر على وجوبه، وهو المعتمد، ولانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة التَّابعة لزمانها، أو اشتهار الرِّوايات فيه....
وقد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ مخالفة ابن الجنيد (رحمه الله) لا تضرّ بالتَّسالم؛ لكثرة مخالفته لما عليه الأعلام.
والَّذي يهوِّن الخطب في المقام: أنَّ عبارتهما ليست ظاهرة في الخلاف، بل يُحتمل جدّاً أن يكون مرادهما العفو عن هذا النَّوع لا أصل ثبوته، والعفو لا يكون إلَّا بعد الثُّبوت، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- الكلام بالتَّفصيل عن العفو عنه عند قول المصنِّف (رحمه الله) ولا يجوز التّصرُّف في حقِّه إلَّا بإذنه، وفي الغِيبة تحلّ المناكح....
والخلاصة: أنَّه يدلّ على وجوب الخُمُس في هذا النَّوع -مضافاً للتَّسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار والقرى والبلدان- الكتاب المجيد، والسُّنّة النَّبويّة الشَّريفة الَّتي هي فوق حدّ التَّواتر المعنويّ.
أمَّا الكتاب المجيد، فقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وجه الاستدلال بهذه الآية الشَّريفة: هو أنَّ الغنيمة في اللُّغة اسم لكلِّ ما استُفيد واكتسب.
قال في مجمع البحرين: الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة، ولكنِ اصطلح جماعة على أنَّ ما أُخِذ من الكفَّار إن كان من غير قتالٍ فهو فيئٌ، وإن كان مع القتال فهو غنيمةٌ، وإليه ذهب الإماميّة، وهو مرويّ.... وفيه: أنَّ هذا الاصطلاح الخاصّ لا يُوجب صرف الآية الشَّريفة عن إطلاقها، وشمولها لكلِّ ما استُفيد واكتُسب، وإن ذهب كثير من المفسِّرين إلى اختصاصها بغنائم دار الحرب بشهادة السِّياق، حيث إنَّ ما قبلها وما بعدها وارد في قتال الكفَّار، إلَّا أنَّ قول المفسِّرين ليس بحُجَّة ما لم يستند إلى قول المعصوم (عليه السَّلام)، كما أنَّ شهادة السِّياق لا قيمة لها؛ لأنَّ أقصى ما يُستفاد من السِّياق هو الإشعار لا الظُّهور، والحُجِّيّة تابعة للظُّهور.
على أنَّ بعض المفسِّرين، كالقرطبيّ، اعترف في تفسيره بشمول لفظ الآية الشَّريفة لعموم الفوائد والأرباح، غير أنَّه خصَّها بغنائم دار الحرب من أجل الإجماع الَّذي ادَّعى قيامه على ذلك. وعليه، فالآية الشَّريفة مطلقةٌ.
ومن هنا استدلّ كثير من الفقهاء بإطلاق الآية الشَّريفة لإثبات الخُمُس في هذا النَّوع في سائر الأنواع الآتية حتَّى أنَّ السّيِّد عليّ الطَّباطبائيّ (رحمه الله) في الرِّياض ادَّعى الإجماع على عموم الآية الكريمة.
والخلاصة: أنَّه لا إشكال في إطلاق الآية الشَّريفة وشمولها لهذا النَّوع من الخُمُس.
وممَّا يشهد لما ذكرناه: أنَّ جملة من الرِّوايات وردت بتفسيرها بما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب:
منها: صحيحة عليّ بن مَهْزِيار الطَّويلة عن الإمام الجواد (عليه السَّلام) -والَّتي سنذكرها بطولها إن شاء الله تعالى قريباً عند الكلام عن الاستدلال على الوجوب بالرِّوايات- حيث ورد فيها : ((فأمَّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عامّ، قال الله تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ..." (إلى أن قال): والغنائم والفوائد -يرحمك الله!- فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإِنسان للإِنسان الَّتي لها خطر، والميراث الَّذي لا يحتسب من غير أبٍ ولا ابنٍ، ومثل عدوّ يصطلم فيُؤخذ ماله)) ([1]).
([1]) وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح5.