الدرس161 _لباس المصلي 34
ثمَّ إنّه هل المنع مختصّ بميتة ذي النفس السّائلة، أم يشمل ما لا نفس له سائلة، كميتة السمك ونحوه؟.
ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم الاختصاص، منهم الشيخ البهائي ووالده (رحمهم الله تعالى)، وذلك لإطلاق النصوص، وطهارة ميتة ما لا نفس سائلة له لا تمنع من العمل بها، لأنَّ ظاهر النصوص اعتبار التذكية من حيث هي، لا من حيث النجاسة.
وعن جماعة أخرى من الأعلام الاختصاص بذي النفس السائلة، منهم صاحب المدارك، وصاحب الجواهر، والمحقّق الهمداني، والسّيد محسن الحكيم (رحمهم الله برحمته الواسعة).
هذا، وقد استدلّ للاختصاص بذي النفس: بما ورد في النصوص من الدبغ الذي لا يعتاد إلاَّ في ذي النفس، بل هو ظاهر في مقابلة العامّة.
وفيه: أنّ هذا، وإن كان مختصّاً بذي النفس، إلاَّ أنّ هناك مطلقات أخرى يُستدلّ بها على الشمول لغير ذي النفس.
وقد يُستدلّ أيضاً للاختصاص: بصحيحة عليّ بن مَهْزَيَار «قال: كتبت إلى أبي محمّد N أسأله عن الصَّلاة في القرمز، وأنّ أصحابنا يتوقّفون عن الصَّلاة فيه، فكتب: لا بأس به مطلق، والحمد ﷲ»[i]f202، وهي صحيحة، لأنّ الحسن بن علي بن مهزيار، وإن لم يذكر في كتب الرّجاليين، إلاّ أنّه من مشايخ عليّ بن إبراهيم المباشرين، وقد عرفت أنّ مشايخه المباشرين ثقات.
نعم، رواها الشيخ الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن مهزيار، وإبراهيم لم يوثّق، والمدح الوارد فيه هو راويه، فلا ينفع.
ثمَّ إنّ القرمز: صبغ أرمني من عصارة دود يكون في آجامهم.
ووجه الاستدلال للاختصاص: هو جواز الصَّلاة في هذا القرمز الذي هو مما لا نفس سائلة له، فيدلّ حينئذٍ على أنّ المنع مختصّ بما كان له نفس سائلة.
وفيه أوّلاً: أنّه يجوز أن يكون الصبغ من قبيل اللون لا العين، وإلاّ فهو ممّا لا يُؤْكل لحمه، لأنّ ما لا يُؤْكل لحمه مانع من صحَّة الصَّلاة، وإن كان من نفس غير سائلة، كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى .
هذا، وقد ذهب السّيد محسن الحكيم إلى تخصيص المنع بذي النفس بعدم وجود إطلاق شامل لغير ذي النفس، فيكون التخصيص بذي النفس هو الموافق لأصالة البراءة عن شرط التذكية في غيره.
ولكنّ الإنصاف: أنّه عندنا إطلاق يشمل غير ذي النفس وهو صحيح ابن أبي عمير المتقدّم عن غير واحد عن أبي عبد الله N في الميتة «لا تصلّ في شيءٍ منه ولا شِسْع»[ii]f203، ومن المعلوم أنّ لفظ الميتة مطلق يشمل كلا القسمين.
ولكن الإنصاف: هو اختصاص المنع بذي النفس السّائلة، لا لمجرّد الانصراف كما ادَّعاه صاحب الجواهر، إذ قد يمنع لعدم كونه ناشئاً من حاقّ اللفظ، بل قد يكون منشأه الخارج، ومثله لا يضر، بل لأنّ معهوديّة نجاسة الميتة، ووضوح المناسبة بين النجاسة والمنع عن الصَّلاة، أي مناسبة الحكم والموضوع، يكون ذلك قرينة موجبة لصرف صحيحة ابن أبي عمير إلى إرادة الميتة النجسة، والله العالم.
(1) المعروف بين الأعلام أنّ ما يُؤخذ من يد الكافر، أو سوق الكفار، أو ما يوجد مطروحاً، في أرضهم، محكوم بأصالة عدم التذكية، إذ لا يوجد ما يقطع هذا الأصل، إلاّ ما يتوهّم من شمول أخبار السوق لسوق الكفار.
ولكنّ هذا التوهّم في غير محلّه، إذ لا إشكال في انصراف تلك الأخبار إلى سوق المسلمين، وفي بعضها التصريح بسوق المسلمين، كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريباً.
وممَّا يدلّ على أنّ ما يُؤخذ من الكفّار محكوم بعدم التذكية موثقة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح N «أنّه قال: لا بأس بالصَّلاة في الفراء (القز) اليماني، وفيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فإن فيها غير أهل الإسلام، قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس»[iii]f204، ومفهومه إذا لم يكن الغالب المسلمين ففيه بأس.
وأيضاً التقييد بــــ «ما صنع في أرض الإسلام» يدلّ على الحكم بميتة ما هو في أرض الكفّار.