الدرس136 _لباس المصلي 9
(1) قد عرفت أنّ الأقوى هو البطلان، سواء أستلزم ذلك فعل المنافي، أم لا. يبقى أنّ ظاهر الشيخ في الخلاف أنّها لو أُعتقت في الأثناء أتمّت صلاتها ولو لم تتستّر للباقي، ثمَّ نسب التفصيل بين التستر فتصحّ، وتركه فتبطل، إلى الشافعي، وظاهره الصحَّة مطلقاً، قال في المدارك بعد نقل قول الشيخ : «لأنّ دخولها كان مشروعاً، والصَّلاة على ما افتتحت عليه، وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر، ولا يخلو من قوّة، لأنّ الستر إنّما ثبت وجوبه إذا توجه التكليف به قبل الشروع في الصَّلاة، لا مطلقاً».
أقول: لا يوجد فيه شيء من القوّة، كما لا يخفى.
وأمّا قوله: «والصَّلاة على ما افتتحت عليه».
ففيه: أنّ ذلك مورده لو دخل في الفريضة فظّنها النافلة أو دخل في النافلة فظنّها الفريضة فلا يضرّ ذلك حينئذٍ كما هو مورد الرّوايات، لا مطلقاً، والله العالم.
(2) أطلق جماعة من الأعلام الاستئناف وإن أمكنها التستر من غير فعل منافٍ إذا اتسع الوقت للستر وركعة، منهم المصنِّف R هنا، وفي الذكرى والبيان، والعلاّمة في جملة من كتبه كالمنتهى ونهاية الأحكام والمختلف والتذكرة والتحرير، والمحقِّق الثاني R في جامع المقاصد، والشهيد الثاني R في الروض.
ولعلّ ذلك منهم بناءً على أنّها تمرينية قبل البلوغ، وذكر جماعة من الأعلام أنّها تفعل فعل الأمة من وجوب الستر في الأثناء إذا لم يستلزم المنافي، وإلا استأنفت.
والإنصاف: أن حكمها حكم الأمة من حيث البطلان فما قلناه هناك نقوله هنا لاتحاد الأدلَّة.
(1) ذكرنا ذلك بالتفصيل عند قول الماتن سابقا: «وبدن المرأة ورأسها عورة»، فراجع.
(2) قال المصنِّف R في الذكرى: «والأفضل للرجل ستر ما بين السرّة والركبة، وإدخالهما في الستر، للخروج من الخلاف، ولأنَّه مما يستحيى منه، وستر جميع البدن أفضل، والرِّداء أكمل، والتعمّم والتَّسَرْوُل أتمّ، لِمَا روي عن النبي C «إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإنَّ الله أحقّ أن يتزيّن له»، ورُوي: «ركعة بسراويل تعدل أربعاً بغيره»[i]f40، وكذا روي في العمامة»[ii]f41، وهذه الرِّوايات ضعيفة بالإرسال، بل هي روايات عاميّة لم ترد من طرقنا.
وعليه، فلم يثبت استحباب العمامة للمصلّي بالخصوص.
نعم، ورد استحباب العمامة مطلقاً في أخبار كثيرة، وحال الصَّلاة من جملة تلك الأحوال، ومن جملة الروايات الواردة في ذلك معتبرة السّكوني عن أبي عبد الله N «قال: قال رسول الله C: العمائم تيجان العرب»[iii]f42.
وورد في بعض الأخبار استحباب الصَّلاة في الثوب الساتر لجميع البدن من القميص والإزار، ونحوهما، ففي صحيحة محمّد بن مسلم «قال: رأيت أبا جعفر N صلّى في إزار واحد ليس بواسع قد عقده على عنقه، فقلت له: ما ترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال: إذا كان كثيفاً فلا بأس به»[iv]f43، وفي صحيحة زرارة «قال: صلّى بنا أبو جعفر N في ثوب واحد»[v]f44، ومن المعلوم أنّ الثوب يستر تمام البدن.
وأما بالنسبة للصَّلاة مع السراويل، فقد ورد ذلك في أخبار كثيرة:
منها: صحيحة علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر N «عن الرجل هل يصلّي بالقوم، وعليه سراويل، ورداء؟ قال: لا بأس به»[vi]f45.
وأمَّا الرِّوايات الواردة في الرداء فكثيرة، لا سيِّما ما ورد بكيفيّة خاصّة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
(1) اِعلم أنّه لا يوجد نصّ على استحباب التحنّك حال الصَّلاة.
نعم، ورد استحبابه عند لبس العمامة مطلقاً.
(2) لم أعثر على نصّ بخصوص حال الصَّلاة.
نعم، هناك ستّة روايات واردة في استحباب لبس البياض، كلّها ضعيفة، إلاّ رواية واحدة، وهي موثّقة عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله N «قال: قال رسول الله C البسوا البياض، فإنّه أطيب، وأطهر، وكفَّنوا فيه موتاكم»[vii]f46، وهي بإطلاقها تشمل حال الصَّلاة، والله العالم.
(1) المعروف بين الأعلام كراهة الصَّلاة في الثياب السُّود ما عدا العمامة، والخفّ، والكساء: وهو ثوب من صوف ومنه العباءة كذا نقل عن الجوهري وقدِ استَدل الأعلام بعدَّة أخبار:
منها: رواية أحمد بن محمّد رفعه عن أبي عبد الله N «قال: يُكره السَّواد إلاّ في ثلاثة: الخفّ، والعمامة، والكساء»[viii]f47، وهي ضعيفة بالرفع.
ومنها: رواية أحمد بن أبي عبد الله عن بعض أصحابه رفعه «قال: كان رسول الله C يكره السَّواد إلاّ في ثلاثٍ: الخفّ، والعمامة، والكساء»[ix]f48، وهي ضعيفة بطريق الكليني R بالإرسال وبالرفع، ورواها الشيخ الصدوق، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، ورواها أيضاً في العِلَل والخِصال، ولكنَّها ضعيفة أيضاً بالرفع.
ومنها: مرسلة الكليني «قال: ورُوي: لا تصلّ في ثوبٍ أسود، فأمَّا الخفّ، أو الكساء، أو العمامة، فلا بأس»[x]f49، وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: مرسلة الفقيه «قال: قال أمير المؤمنين N فيما علَّم أصحابَه : لا تلبسوا السَّوادَ، فإنَّه لباسُ فرعونَ»[xi]f50، وهي ضعيفة بالإرسال، ورواها في العِلل والخِصال بطريق ضعيف بالقاسم بن يحيى وجدِّه الحسن بن راشد، فإنّهما غير موثَّقين.
ووجه الاستدلال بهذه الروايات، وبغيرها ممَّا سيأتي إن شاء الله تعالى : أنَّ كراهة لبس السَّواد مطلقاً تستلزم كراهته حال الصَّلاة، إذ إطلاق الكراهة يقتضي الشَّمولَ لحال الصَّلاة.
نعم، مرسلة الكليني موردها الصَّلاة، كما لا يخفى، فهي واضحة من هذه الجهة.
[i] الوسائل باب 30 من أبواب أحكام الملابس ح4.
[ii] الوسائل باب 22 من أبواب لباس المصلّي ح1.
[iii] الوسائل باب 22 من أبواب لباس المصلّي ح6.
[iv] الوسائل باب 22 من أبواب لباس المصلّي ح8.
[v] الوسائل باب 14 من أبواب أحكام الملابس ح1.
[vi] الوسائل باب 19 من أبواب لباس المصلّي ح1.
[vii] الوسائل باب 19 من أبواب لباس المصلّي ح2.
[viii] الوسائل باب 19 من أبواب لباس المصلّي ح4.
[ix] الوسائل باب 19 من أبواب لباس المصلّي ح5.
[x] الوسائل باب 20 من أبواب لباس المصلّي ح1.
[xi] الوسائل باب 19 من أبواب لباس المصلّي ح7.