الدرس23 _اوقات الفرائض والنوافل 3
ومنها: خبر ربعي عن أبي عبد الله عليه السلام: «إنا لنقدّم ونؤخّر، وليس كما يقال، من أخطأ وقت الصَّلاة فقد هَلَك، وإنَّما الرُخصة للناسي، والمريض والمدنف، والمسافر، والنائم في تأخيرها»[i]f144.
وفيه أوَّلاً: أنَّه ضعيف بــــ إسماعيل بن سهل.
وثانياً: أنّ لفظ: (من أخطأ) مقول لقوله: «وليس كما يقال»، لا أنه كلام ابتدأه الإمام عليه السلام.
والحاصل: أنّ الإمام عليه السلام ينفي مقالة من قال: إنَّ من أخطأ وقت الصّلاة فقد هَلَك.
وينبغي أيضاً: أن تكون الرخصة منحصرة بهذه الموارد.
وعليه، يكون قوله عليه السلام: «إنَّا لنقدم ونؤخِّر»، كالنصِّ في جواز التأخير.
ومنها: خبر إبراهيم الكَرْخِي «قال: سألتُ أبا الحسنِ موسى عليه السلام: متى يدخل وقتُ الظهر؟ قال: إذا زالتِ الشَّمسُ، فقلتُ: متى يخرجُ وقتُها؟ فقال: مِنْ بعدِ ما يمضي من زوالها أربعةُ أقدامٍ، إنَّ وقتَ الظهر ضيِّقٌ، ليس كغيره، قلت: فمتى يدخُل وقت العصر؟ فقال: إنَّ آخِرَ وقتِ الظهر هو أوّلُ وقتِ العصرِ، فقلتُ: متى يخرجُ وقتُ العصرِ؟ فقال: وقتُ العصرِ إلى أن تغربَ الشَّمس، وذلك من علّةٍ، وهو تضييع، فقلتُ له: لو أنَّ رجلاً صلّى الظهر بعدما يمضي من زوال الشَّمس أربعة أقدام، أكان عندك غير مؤدٍّ لها؟ فقال: إنْ كانَ تعمَّدَ ذلك لِيُخالِف السنَّة والوقت لم تُقبَل منه، كما لو أنَّ رجلاً أخَّر العصر إلى قرب أن تغربَ الشَّمس متعمِّداً من غير علَّةٍ لم تُقَبل منه، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد وقَّت للصَّلاة المفروضات أوقاتاً، وحدَّ لها حدوداً في سُنّته للنَّاس، فمَنْ رغب عن سنّة مِن سننه الموجبات كان مثلَ مَنْ رغِبَ عن فرائضِ الله»[ii]f145.
وفيه أوَّلاً: أنَّه ضعيف السند لعدم وثاقة إبراهيم الكرخي.
وثانياً: أنَّ قوله: «إن كان تعمد ذلك ليخالف السنة...» دليل واضح على أنَّ الحرمة من جهة الإعراض عن السنة، والرغبة عنها، ولا إشكال في حرمة ذلك، وإنَّما الكلام في حرمة التأخير من غير جهة الإعراض، والرواية لا تدلّ على ذلك.
ثمَّ إنَّه لا حاجة بعد ذلك لذكرِ باقي الروايات التي ذكرها صاحب الحدائق، والردِّ عليها، لأنَّه مضافاً إلى ضعف سند بعضها لا يستفاد منها أزيد من كراهة التأخير.
والإنصاف: أنّ هذه الأخبار حتّى لو كانت تامّة سنداً ودلالةً لا تقاوم الأخبار المستفيضة، بل المتواتِرة معنًى الدَّالّة على جواز التأخير من دون عذر.
ومن هنا ذهب إلى جواز التأخير معظم الأصحاب قديماً وحديثاً، بل استقرَّ المذهب عليه في هذه الأزمنة وقبلها بقليل.
ومن هنا اتفق عمل الأعلام والعوام على ذلك، وسنذكر بعض الروايات الدَّالة على ذلك، ولا نريد ذكر جميعها، إذ يطول بنا الكلام مع عدم الحاجة الماسَّة:
منها: معتبرة زرارة «قال: قال أبو جعفر عليه السلام: أحبُّ الوقتِ إلى الله سبحانه وتعالىûوّلُه حين يدخُلُ وقتُ الصَّلاة، فصلِّ الفريضةَ، فإنْ لم تفعلْ، فإنَّك في وقتٍ منهما حتَّى تغيبَ الشَّمسُ»[iii]f146، وهو صريح في جواز التأخير، وموسى بن بكر الواسطي الموجود في السند : من المعاريف، ما يكشف عن وثاقته.
ومنها: حسنة زرارة «قال: كنتُ قاعداً عند أبي عبد الله عليه السلام أنا وحمران بن أعين فقال له حمران: ما تقولُ فيما يقولُه زرارة؟ وقد خالفته فيه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما هو؟ قال: يزعمُ أنَّ مواقيتَ الصَّلاة كانت مفوَّضةً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، هو الذي وضعها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فَمَا تقولُ أَنْتَ؟ قلتُ: إنَّ جبرئيل أتاه في اليومِ الأوَّل بالوقت الأوَّل، وفي اليوم الأخيرِ بالوقت الأخيرِ، ثمَّ قال جبرئيل عليه السلام: ما بينهما وقتٌ، فقال: أبو عبد الله عليه السلام: يا حمران! إنَّ زرارة يقول: إنَّ جبرئيل إنَّما جاء مشيراً على رسول الله صلى الله عليه وآله، وصَدَقَ زرارة، إنَّما جَعَلَ اللهُ ذلك إلى محمَّدٍ صلى الله عليه وآله فوضعَه، وأشارَ جبرئيلُ عليهِ بهِ»[iv]f147، وهو واضح الدلالة، لقوله: «وما بينهما وقت».
ومنها: خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: إذا غربت الشَّمس فقد دخل وقتُ الصَّلاتين إلى نصفِ الليلِ، إلاَّ أنَّ هذهِ قبلَ هذهِ، وإذا زالتْ الشَّمسُ فقدْ دَخَلَ وقتُ الصَّلاتَيْن، إلاَّ أنَّ هذهِ قبلَ هذهِ»[v]f148، وهو، وإن كان واضحَ الدَّلالةِ لقوله عليه السلام: « فقد دخل وقتُ الصَّلاتين إلى نصفِ الليلِ» إلاَّ أنَّه ضعيف السند، لأنَّ القاسم بن عروة مولى أبي أيوب غيرُ موثَّقٍ.
ومنها: مرسلةُ داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: إذا زالتْ الشَّمسُ فقدْ دَخَلَ وقتُ الظهرِ حتَّى يمضيَ مقدارُ ما يصلِّي المصلِّي أربعَ ركعاتٍ، فإذا مضَى ذلكَ فقدْ دَخَلَ وقتُ الظُّهرِ والعصرِ، حتَّى يبقى من الشَّمسِ مقدارُ ما يصلِّي (المصلِّي) أربعَ ركعاتِ، فإذا بقي مقدارُ ذلك فقد خرَجَ وقتُ الظُّهرِ، وبقيَ وقتُ العصرِ حتّى تغيبَ الشَّمسُ»[vi]f149، وهي صريحة الدلالة ولكنَّها ضعيفةٌ بالإرسال.
ومنها: معتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «قال: وقتُ صلاةِ الغَّداةِ ما بين طلوعِ الفجرِ إلى طلوعِ الشَّمسِ»[vii]f150، وكذا غيرها من الأخبار الكثيرة، والتي قد عرفت أنَّها متواترة معنًى.