الدرس 652 _ صلاة الجمعة 38
لا زال الكلام في الأمر الثاني: وهو على فرض عدم البطلان في صورة موت الإمام في الأثناء، فهل يجب أن يقدم الجماعة من يتمّ بهم الصَّلاة، أم يجوز ذلك، وكذا الحال في صورة عروض الحدث للإمام، فهل يجب عليه أن يستخلف شخصيّاً محلّه، أم يجوز فقط، أم لا يجوز ذلك أصلاً.
أقول: ما ذكره أغلب الأعلام من وجوب تقديم من يتمّ بهم الصَّلاة، أو وجوب الاستخلاف هو الصَّحيح، لأنَّ ما دلّ على شرطيّة الجماعة فيها مطلق، ولم يفرِّق فيه بين الابتداء والاستدامة، لأنَّ الجمعة اسم للمجموع، أي جميع أجزائها.
ودعوى: أنَّ الجماعة هنا شرط فيها في الابتداء، دون الاستدامة، لا دليل عليها، إلَّا قياساً على ما سيأتي في صلاة الجماعة، وهو في غير محلِّه، لما عرفت.
وما ذكرناه لعلَّه المراد من صحيحة عليّ بن جعفر: «أنَّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الإمام أحدث وانصرف ولم يقدِّم أحد، ما حال القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلَّا بإمام فيقدِّم بعضهم، فَلْيتمّ بهم ما بقي منها وقد تمَّت صلاتهم»[1]. وإنَّما قلنا: لعلَّه المراد ممَّا ذكرناه -أي حمل الصَّحيحة على صلاة الجمعة- لما سيأتي إن شاء الله تعالى من الاتِّفاق على عدم البطلان في غير الجمعة إذا لم يتمّوا صلاتهم بإمام.
ثمَّ إنَّه لو لم يوجد من يصلح للإمام، فهل تبطل الصَّلاة، أو يجب إتمامها جمعةً أو ظهراً.
والإنصاف: هو إتمامها جمعةً، لأنَّ ما ذكرناه سابقاً من أنَّه لو انفضّ العدد بعد التلبُّس بالتكبير وجب إتمامها جمعةً ولو لم يبقَ إلَّا واحد يشمل ما نحن فيه. وذكرنا أيضاً أنَّ مراد الأعلام أعمّ من أن يكون ذلك الواحد إماماً أو مأموماً، والله العالم.
أما الأمر الثالث: هل يجب تجديد نية الاقتداء عند تبدل الإمام، بأن ينوي الإئتمام بمَنْ يؤمّه بالفعل في بقيَّة صلاته.
ذهب الأكثر: إلى الوجوب.
وقال العلَّامة (رحمه الله) في التذكرة: «لو استناب لم يجب على المأمومين استئناف نيَّة القدوة، لأنَّه خليفة، والغرض من الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأوَّل، وإدامة الجمعة، وهو أحد وجهي الشَّافعي؛ وفيه إشكال، ينشأ من وجوب تعيين الإمام، فيجب استئناف نيَّة القدوة، وفي الآخر -أي الوجه الآخر للشَّافعي- يشترط، لأنَّهم انفردوا بخروج الإمام من الصَّلاة، وكذا لو لم يستنيب الإمام وقدم المأمومون إماما»[2]. (انتهى كلامه)
والإنصاف: هو وجوب استئناف نيَّة الاقتداء، كما ذهب إليه الأكثر لانتفاء القدوة بخروج الإمام من الصَّلاة. وكونه خليفة الأوَّل، ومنزَّلا نفسه منزلة الأوَّل لا يفيد في المقام أصلاً، لِعدم الرّبط بين المسألتين، والله العالم.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإمام الأصل يتعين عليه الحضور، إلَّا مع العذر*
ذكر الأعلام (رحمهم اللَّه): أنَّ إمام الأصل (عجل الله فرجه الشريف) إذا حضر وجب عليه الحضور والتقدُّم، وإن منعه مانع جاز له أن يستنيب.
أقول: إذا حضر إمام الأصل فعلينا الرُّجوع إليه، وهو أعرف بشأنه (عليه السلام) من أنَّه يتقدَّم أو لا. نعم، لا يجوز لأحد أن يتقدَّم عليه، ولا يصلِّي بالنَّاس بغير إذنه. ويؤيِّده رواية حمّاد بن عيسى عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن عليّ (عليه السلام)، قال: «إذا قَدِم الخليفة مِصْراً من الأمصار جمع النَّاس، ليس ذلك لأحد غيره»[3]. وإنَّما جعلناها مؤيِّدة لأنَّها ضعيفة بالإرسال، وبجهالة عليّ بن الحسين الضَّرير.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والمعتبر في سبق الجمعة بالتكبير لا بالتسليم ولا بجمعة الإمام الأعظم*
ذكرنا هذه المسألة عند قول الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: «فلو تعددتا واقترنتا» فراجع[4].
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو علم في الأثناء سَبْق غيره استأنف الظُّهر إن لم يسع الوقت السَّعي إليهم ويجزئ العدول*
يظهر حكمها ممَّا ذكرناه سابقاً عند قول الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: «فلو تعددتا واقترنتا». راجع الصُّور التي ذكرناها
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويسقط المدبّر والمكاتب، ولو تحرر بعضه أو هاياه مولاه، واتّفقت في نوبته على الأقرب، ويستحبّ للمولى الإذن لعبده في الحضور*
تقدَّم حكمه في أوَّل المسألة عند قول الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: «والحرية» فراجع[5]. كما أنَّه يظهر منها حكم استحباب المولى الإذن لعبده في الحضور.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجب على من بعُد بفرسخين على الأقرب، خلافاً للصَّدوق، لِرواية زرارة الصَّحيحة عن الباقر (عليه السلام) وتعارض بعموم الآية، وحسنة محمَّد بن مسلم عن الصَّادق (عليه السلام)*
ذكرنا هذه المسألة بالتفصيل سابقاً عند قول الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: «وعدم البعد بأزيد من الفرسخين» فراجع[6].
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو نوى المسافر الإقامة عشراً وجبت، ولا يكفي الخمسة، خلافاً لابن الجنيد، ويكفي ثلاثون يوما ًللمتردِّد ويتخيَّر مَنْ كان في الأماكن الأربعة*
يفهم حكم هذه المسألة مما ذكرناه سابقاً عند قول الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: «والحضر» وبيَّنا ما المراد منه، فراجع[7].
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يشترط المِصْر ولا القرية، خلافاً للحسن فيما يلوح من كلامه، وتردَّد فيه الشَّيخ في المبسوط*
المعروف بين الأعلام (رحمهم الله): أنَّه تجب الجمعة على أهل السَّواد، أي أهل القرى، كما تجب على أهل الأمصار مع استكمال الشَّرائط.
وفي الجواهر: «إذ لا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، كما أنَّ النصوص دالَّة عليه عموماً وخصوصاً ...»[8]. (انتهى كلامه)
وقال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى: «ليس مَنْ شرط الجمعة المِصْر على الأظهر في الفتاوى، والأشهر في الرِّوايات حيث أطلقت. (إلى أن قال): وقال ابن أبي عقيل: صلاة الجمعة فرض على المؤمنين حضورها مع الإمام في المِصْر الذي هو فيه، وحضورها مع امرأته في الأمصار والقرى النائية عنه، وفي المبسوط لا تجب على البادية والأكراد، لأنَّه لا دليل عليه؛ ثمَّ قال: لو قلنا إنَّها تجب عليهم إذا حضر العدد لكان قويّاً، والظاهر أنَّه يشترط فيهم الاستيطان أو حكمه لِعدم اجتماع الجمعة مع السَّفر»[9]. (انتهى كلامه)
أقول: ممَّا يدلّ على عدمِ اشتراط الحضر، وأنَّها تجب على أهل القرى أيضاً: عموم الأدلَّة الدَّالة عليه المقتصر في تخصيصها على التِّسعة المذكورة سابقاً. ويدل على الوجوب على أهل القرى بالخصوص بعض الرِّوايات:
منها: صحيحة الفضل بن عبد الملك، قال: «سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا كان قوم (القوم) في قرية صلُّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم مَنْ يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمس نفر، وإنَّما جُعِلت ركعتين لِمكان الخطبتين»[10].
ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام)، قال: «سألته عن أُناس في قرية، هل يصلُّون الجمعةَ جماعةً؟ قال: نعم (و) يصلُّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب»[11]. ومفهومها أنَّه إذا كان هناك مَنْ يخطب لهم صلُّوا الجمعة.
أما الروايات المعارضة لهذه الروايات، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] وسائل الشيعة: باب 72 من أبواب صلاة الجماعة، ح1.
[2] تذكرة الفقهاء: ج4، ص33.
[3] وسائل الشيعة: باب 20 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح1.
[4] الدرس 631 _ صلاة الجمعة 17.
[5] الدرس 623 _ صلاة الجمعة 9.
[6] الدرس 625 _ صلاة الجمعة 11.
[7] الدرس 623 _ صلاة الجمعة 9.
[8] جواهر الكلام: ج11، ص279.
[9] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج4، ص154.
[10] وسائل الشيعة: باب 3 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح2.
[11] وسائل الشيعة: باب 3 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح1.