الدرس 32 _زكاة الأنعام 4
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وللسِّخال حول بانفرادها بعد غنائها بالرعي، قاله الحلّيان. واعتبر الشيخ، وابن الجنيد الحول من حين النتاج، وهو المرويّ(1)
(1) السِّخال: هي الأولاد مطلقاً، وإن كان السَّخل اسماً لولد الغنم، إلاَّ أنَّ المراد هنا مطلق الأولاد مِنَ الأصناف الثَّلاثة، ولو تغليباً.
ثمَّ إنه يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: هل للسِّخال حول بانفرادها عَنِ الأمهات، أم لا؟
الثَّاني: في مبدأ الحَوْل، هل هو من حين النِّتاج، أو من حين الاستغناء عَنِ الأمهات بالرَّعي؟
أمَّا بالنِّسبة للأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّ لكلٍّ مِنَ الأمهات والسِّخال حولاً بانفراده إذا فرض كون السِّخال نصاباً مستقلاًّ عَنِ الأمهات، فلو ولدت خمس مِنَ الإبل خمساً، أو أربعون مِنَ البقر أربعين مثلاً، كان لكلٍّ حول بانفراده يؤدِّي فريضته.
وفي المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب...»، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده، بل الإجماع في محكي الخلاف والمنتهى والانتصار وغيرها عليه...».
أقول: هذه المسألة ممَّا تسالم عليه الأعلام قديماً وحديثاً، بحيث خرجت عَنِ الإجماع المصطلح عليه، وأصبحت من ضروريَّات الفِقه.
وتدلُّ عليه مضافاً إلى ذلك جملة مِنَ الرِّوايات:
منها: حسنة الفضلاء، حيث ورد في الذَّيل: «كُلُّ مَا لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الحَوْل عِنْدَ رَبِّهِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهِ الحَوْل وَجَبَ عَلَيْهِ»([1]).
ومنها: حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «لَيْسَ فِي صِغَارِ الْإِبِلِ شَيْءٌ حَتّى يَحُولَ عَلَيْهَا الحَوْل مِنْ يَوْمِ تُنْتَجُ»([2]).
ومنها: رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث «مَاْ كَاْنَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ: الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الحَوْل مِنْذُ يَوْمِ تُنْتَجُ»([3])، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن عروة، وكذا غيرها مِنَ الرِّوايات، ممَّا سيأتي ذِكْره إن شاء الله تعالى .
الأمر الثَّاني: اِختلف الأعلام في مبدأ حَوْلها، هل هو من حين استغنائها عَنِ الأمهات بالرَّعي، أو من حين النِّتاج أي الولادة ؟
ذهب إلى الأوَّل جماعة مِنَ الأعلام، منهم المصنِّف (رحمه الله) في اللُّمعة، كما أنَّه ظاهره هنا أي في الدُّروس ومنهم العلاَّمة (رحمه الله) في جملة من كتبه، والمحقِّق الكركي والفاضل القطيفي والصَّيمري، وبعض مَنْ وافقهم مِنَ الأعلام.
وذهب إلى الثَّاني أي من حين النِّتاج أبو علي، والشَّيخ في المبسوط والخلاف، والمحقِّق الميسي، والشَّهيد الثَّاني (رحمهم الله جميعًا)، بل في المسالك أنَّه المشهور، وفي الجواهر: «لم نتحقق الشُّهرة، فضلاً عن الإجماع».
أقول: قد يستدلُّ للقول الأوَّل: بانتفاء صِدْق السَّائمة قبل الاستغناء عَنِ الأمهات بالرَّعي، والسَّوم شرط في وجوب الزكاة في الأنعام الثَّلاث.
وعليه، فلابدَّ مِنِ اعتبار حَوْلها من حينه، لا من حين النِّتاج.
وأما مَنْ ذهب إلى القول الآخر وهو اعتبار الحَوْل من حين النِّتاج فقد يستدلُّ له بجملة مِنَ الرِّوايات:
منها: موثَّقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، حيث ورد في ذيلها «وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الحَوْل مُنْذُ يَوْمِ يُنْتَجُ»([4]).
ومنها: حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «لَيْسَ في صِغَارِ الإبِلِ شَيءٌ حتَّى يحُوْلَ عَلَيْهَا الحَوْل مِنْ يومِ تُنْتَجُ»([5]).
ومنها: رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث «قال: مَاْ كَاْنَ مِنْ هذه الأصنافِ الثَّلاثةِ: الإبلِ والبقرِ والغنمِ، فَلَيْسَ فِيْهَا شيءٌ حتَّى يحُوْلَ عَلَيْهَا الحَوْل مِنْذُ يومِ تُنْتَجُ»([6])، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن عروة.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ القول الثَّاني وهو الاعتبار من حين النِّتاج هو الأقوى؛ لأمرين:
الأوَّل: أنَّ هذه الرِّوايات مخصِّصة لروايات السَّوم، وعليه: فيعتبر السَّوم في الأنعام إلاَّ السِّخال منها، وهذا التخصيص لا يعز نظيره.
الثاني: أنَّ المنساق من أدلَّة اعتبار السَّوم إرادته فيما من شأنه العلف والسَّوم.
وعليه، فالحَصْر المستفاد من عدَّة روايات، والتي منها صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «... إنَّما الصَّدقاتُ على السَّائمةِ الرَّاعيةِ...»([7])، هو حَصْر إضافي بالنِّسبة إلى المعلوفة التي من شأنها أن تسوم، والصِّغار في أوَّل النِّتاج ليس من شأنها السَّوم ولا الاعتلاف.
وعليه، فروايات السَّوم لا تنافي هذه الرِّوايات.
وأمَّا ما ذهب إليه المصنِّف (رحمه الله) في البيان: مِنَ الفَرْق بين المرتضعة من سائمة: فحَوْلها من حين النِّتاج، وبين المرتضعة من معلوفة: فحَوْلها من حيث السَّوم، وهذه عبارته: «ورواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) مصرِّحة بأنَّ مبدأه النِّتاج، وعليها ابن الجنيد والشَّيخ (رحمهما الله)، وهو الأقرب اذا كان اللبن الذى تشربه عَنِ السَّائمة».
أقول: قد يستدلُّ لهذا التَّفصيل بأنَّه لو وجبتِ الزَّكاة في السِّخال مَعَ ابتداء حَوْلها مِنَ النِّتاج، أي قبل استغنائها عَنِ الأمهات بالرَّعي، لكان معنى ذلك زيادة الفرع على الأصل؛ إذِ الأصل وهو الأمهات لا يجب فيها الزَّكاة إذا كانت معلوفةً، فكيف تجب الزَّكاة في السِّخال مع عدم كونها سائمةً؟!
أضف إلى ذلك: أنَّ مغروسيَّة عدم زيادة حكم الفرع عَنِ الأصل مانعة عن استفادة إرادة الصِّغار من إطلاق الزَّكاة.
وفيه: أنَّ عدم زيادة حكم الفرع عَنِ الأصل ليس حكما عقليّاً حتَّى يمتنع تخصيصه.
وعليه، فلا مانع مِنَ الالتزام بذلك؛ للرِّوايات المتقدِّمة الدَّالَّة على ابتداء حولها من حين الولادة.
وأمَّا القول: بأنَّ مغروسيَّة عدم زيادة حكم الفرع عَنِ الأصل مانعة عَنِ استفادة إرادة الصِّغار من إطلاق أدلَّتها.
ففيه: أنَّنا لم نتمسَّك بإطلاق الأدلَّة حتَّى يرد علينا ذلك، أو يرد علينا أنَّه لا إطلاق لها؛ لأنَّها واردة مورد حكم آخر، فلا يمكن إثبات وجوب الزَّكاة في نتاج المعلوفة التي لا زكاة في أمهاتها، بل تمسَّكنا بالأدلَّة الخاصَّة، كموثَّقة زرارة وحسنته المتقدِّمتَيْن الدَّالَّتَيْن على ثبوت الزَّكاة في صِغار الأنعام من حين النِّتاج.
والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه المشهور من أنَّ مبدأ حَوْلها من حين الولادة، هو الأقوى، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 6 من أبواب زكاة الأنعام ح1.
([2]) الوسائل باب 9 من أبواب زكاة الأنعام ح1.
([3]) الوسائل باب 9 من أبواب زكاة الأنعام ح4.
([4]) الوسائل باب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، وما تستحب فيه ح9.
([5]) الوسائل باب 9 من أبواب زكاة الأنعام ح1.
([6]) الوسائل باب 9 من أبواب زكاة الأنعام ح4.
([7]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح5.