الدرس 119 _ شرائط البراءة 10
إشكال الميرزا النائيني على جواب صاحب الكفاية وحاصله:
إنَّ هذه الخصوصية الزائدة من المصلحة الموجودة في القصر وليس في التمام، أو الموجودة في الصلاة الجهرية وليس في الإخفاتية أو بالعكس لا يخلو حالها من أحد أمرين:
الأمر الأول: أن يكون لها دخالة في حصول الغرض من الواجب فلا يعقل سقوطه بالفاقد لتلك الخصوصية. خصوصاً مع امكان استيفاء تلك الخصوصية في الوقت كما لو علم بالحكم في الوقت.
واما القول بعدم امكان اجتماع المصلحتين في الاستيفاء لأن استيفاء إحداهما يوجب سلب القدرة عن استيفاء الأخرى. فهو واضح الفساد لان القدرة على الصلاة المقصورة القائمة بها المصلحة الكاملة حاصلة ولا يعتبر في استيفاء المصلحة سوى القدرة على متعلقها.
الأمر الثاني: أن لا يكون لها دخالة في حصول الغرض من الواجب فاللازم هو الحكم بالتخيير بين القصر والتمام غايته ان يكون القصر أفضل فردي التخيير لاشتماله على الخصوصية الزائدة ولا وجه حينئذ لاستحقاق العقاب.
هذا حاصل ما ذكره الميرزا النائيني (رحمه الله).
وفيه: اننا نختار الشق الأول وهو ان الخصوصية الزائدة من المصلحة لها دخالة في الواجب وهي واجبة التحصيل، الا أن دخلها غير مرتبط بأصل المصلحة التي يمكن تحصيلها بفعل الفاقد للخصوصية.
واما قول الميرزا النائيني (رحمه الله): بانه لا يعتبر في استيفاء المصلحة إلا القدرة على متعلقها وهي حاصلة بالوجدان.
فيرد عليه: ان الحاصل بالوجدان انما هو القدرة على الاتيان بصورة الصلاة المقصورة لا القدرة على الاتيان بحقيقتها القائمة بها المصلحة الكاملة ولا ملازمة بين القدرة على صورة الصلاة والقدرة على استيفاء مصلحتها.
والخلاصة: ان هذه المحاولة لصاحب الكفاية لا بأس بها.
المحاولة الثانية لجماعة من الأعلام وحاصلها:
انه يمكن الالزام بتعدد المطلوب بان يكون الجامع بين القصر والتمام مثلاً مشتملا على مرتبة من المصلحة الملزمة، ويكون لخصوصية القصرية مصلحة زائدة ملزمة أيضا. فيكون القصر من قبيل الصلاة في المسجد وصلاة التمام من قبيل الصلاة في البيت. فالقصر أفضل الفردين لاشتماله على مصلحتين يكونان منشأ لتأكد ارادته كالصلاة في المسجد بلا فرق.
غير ان مصلحة الصلاة في المسجد الزائدة على مصلحة كلي الصلاة غير ملزمة والمصلحة الزائدة في القصر ملزمة يحرم تفويتها.
وعليه فيمكن الجمع بين صحة المأتي به في حال الجهل وبين استحقاق العقوبة على ترك الواجب
أما صحة المأتي به: انما هو لوفائه بمرتبة من المصلحة الملزمة القائمة بالجامع المتحقق في ضمنه وصيرورته بذلك مأموراً به بمرتبة من الأمر المتعلق بالجامع ضمناً.
وأما استحقاق العقاب: فهو من جهة تفويته للمصلحة الزائدة القائمة بالخصوصية القصرية.
وبذلك تنحل المشكلة بل هذه المحاولة أفضل من الاولى لان المأتي به في حال الجهل في هذه الحالة يصبح مأمورا به بخلاف المحاولة الاولى فان المأتي به في حال الجهل غير مأمور به.
نعم هو مشتمل على مصلحة تامة لازمة الاستيفاء في نفسها.
إن قلت: إذا لم يكن المأتي به مأمور به فمن كشف عن المصلحة القائمة به.
قلت: كشفت عنها الروايات الدالة على صحة الصلاة تماماً في موضع القصر جهلاً.
المحاولة الثالثة للشيخ جعفر كاشف الغطاء (رحمه الله):
قال صاحب الكفاية (رحمه الله): وقد صار بعض الفحول بصدد بيان إمكان كون المأتيّ به في غير موضعه مأموراً به بنحو الترتب، وقد حققناه في مبحث الضد امتناع الأمر بالضدين مطلقاً، ولو بنحو الترتب، بما لا مزيد عليه فلا نعيد.
والمراد من بعض الفحول هو الشيخ جعفر كاشف الغطاء (رحمه الله) حيث وجّه استحقاق المكلّف العقاب رغم صحة صلاته بالترتب على نحو مثلاً: يجب ان تصلي الظهرين إخفاتاً وان عصيت فصل جهراً. فالعقاب: حينئذ لعصيانه. والصحة لكونه مأمورا بالجهر من باب الترتب. وكذا يجب أن تقصر في السفر فان عصيت فأتم الصلاة.
أقول: الترتب حاصله: إذا تزاحم واجبين مضيَّقين ويكون الأمر بالأهم مطلق والأمر بالمهم مشروط بعصيان الأهم. كما لو قال المولى: أزلِ النجاسة وإن عصيت ولم تزل النجاسة فصلِّ.
وقد عرفت سابقاً ان صاحب الكفاية انكر الترتب كالشيخ الانصاري وانكره ايضاً هنا.
اقول: ذكرنا هذه المحاولة للشيخ جعفر كاشف الغطاء (رحمه الله) في مبحث الترتب بالتفصيل[1] وذكرنا بعض الايرادات عليها للشيخ النائيني حيث اورد عليه بعدة إيرادات:
منها: إن مفاد الترتب هو أن الأمر بالمهم مترتب على عصيان الأمر بالاهم. وهذا إنما يتصور فيما إذا كان للضدين ثالثٌ محتمل الوقوع بحال لم يأمر المولى بالمهم. أما إذا لم يكن لهما ثالثٌ كما في مسألتنا حيث لا تخلو الصلاة من وقوعها جهراً أو إخفاتاً وكذا لا تخلو من وقوعها قصراً أو تماماً فهنا لا معنى للترتب لأن عصيان أحدهما يلزم منه وقوع الآخر قهراً بلا حاجة الى الأمر به مترتباً على عصيان الأمر بالآخر. بل يكون الأمر به لغويا وتحصيلاً للحاصل بل من أردأ أنواعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كتابنا الأصول المجلد 2 ص252. (إضغط للتحميل)