الدرس6 _نوافل الصلاة 3
ثمّ ذكر: أنّ في بعض الأخبار أنّ الرضا عليه السلام كان يصلّيهما جالساً، ولم يكن سلام الله عليه بديناً حتّى يتوهّم أنّ جلوسه في الوتيرة يستند إلى صعوبة القيام في حقّه».
أقول: وإن كان في بعض الأخبار ما يدلّ على الصّلاة أربعاً بعد العتمة، إلاّ أنّه يمكن حملها على بعض المحامل كصلاة جعفر، ونحو ذلك.
ويبعد جدّاً حمل الركعتين بعد العشاء الآخرة في موثّقة سليمان بن خالد، وصحيحة الحارث بن المغيرة، على غير الوتيرة، بل لهما ظهور قوي في كون الركعتين بعد العشاء هما ركعتا الوتيرة.
وممَّا يؤيِّد ذلك: أنّ كل الفقهاء المتقدمِين والمتأخرِين فهموا منهما ما ذكرناه.
وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من تقييد الركعتين بالجلوس فهو لا ينافي ما قلناه، إذ مقتضى الجمع بين الأخبار حمل ذلك على الجواز.
وأمّا ما ذكره من أنَّ الرضا عليه السلام كان يصلِّيهما من جلوس: فلم يحضرني من الأخبار الدالة عليه إلاّ رواية البزنطي المتقدّمة([1])، ولكنّها ضعيفة بسَهل بن زياد.
أضف إلى ذلك: أنّ الفعل مجمل، فلم يتضح لدينا أنّ صلاته عليه السلام من جلوس فيها كانت من غير علة، ولعلّه عليه السلام كان معذوراً.
والخلاصة إلى هنا: أنّه لا إشكال في الإتيان بهما من جلوس ومن قيام، والقيام أفضل والله العالم.
الأمر الثاني: هل النوافل النهاريّة والليليّة، والتي هي أربع وثلاثون ركعة عبادة واحدة، بحيث لا يشرع الإتيان ببعضها، إلاّ مع العزم على الإتيان بالباقي، أو أنّ النوافل عبادات مستقلّة فله الإتيان بالنوافل النهاريّة دون الليليّة، وبالعكس، بل له الإتيان بنافلة الظهر عازماً على الاقتصار عليها، أو الإتيان بنوافل العصر فقط، أو الإتيان بصلاة الليل فقط، وهكذا.
والإنصاف: هو أنّ النوافل عبادات مستقلّة، وإن ذُكِرَ الجميع بعدد واحد في النصّ، فله الاقتصار على أيٍّ منها، فلو أتى بالشفع والوتر وركعتي الفجر قبل الصبح كُتِبَ له صلاة الليل، كما تشهد صحيحة معاوية بن وهب «قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أمَا يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويُوتر، ويصلّي ركعتي الفجر، يُكتب له بصلاة الليل»([2]).
والمراد بالوتر في هذه الصحيحة: الركعات الثلاث، أي: الشفع وركعة الوتر، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ الوتر تطلق على الركعات الثلاث في كثير من الأخبار.
وبالجملة: فيجوز التبعيض، فلو أتى بركعة الوتر وحدها لكان آتياً بالعبادة، ولا يتوقّف استحبابها على فعل باقي صلاة الليل، كما أنّه لو أتى بصلاة الليل بدون الشفع والوتر لكان آتياً بالعبادة، ولا يتوقّف استحبابها على الإتيان بالشفع والوتر، بل له التبعيض في صلاة الليل، كما يجوز له الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين، وفي نافلة العصر على أربع ركعات لدلالة بعض الأخبار المتقدّمة على ذلك، بل يجوز الإتيان بركعتين من نافلة العصر، لما ورد في بعض الأخبار المتقدّمة من الأمر بركعتين بعد الظهر، وركعتين قبل العصر، فإنّ ظاهرها أنّ هذه العناوين المذكورة في الأخبار هي نافلة مستقلة، فيجوز الإتيان بعنوان الاستحباب، وإن لم يأتِ بالباقي، كما يجوز الاقتصار في نافلة الزوال أي: نافلة الظهر على أربع ركعات كما تشهد معتبرة الحسين بن علوان، عن جعفر عن أبيه، عن علي عليهم السلام «أنَّه كان يقول: إذا زالت الشَّمس عن كبد السماء فمَنْ صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوَّابين، وذلك بعد نصف النهار»([3]).
بل الإنصاف: أنّه يجوز التخطي عمّا يستفاد من النصوص من الإتيان بركعتين من نافلة الزوال، أو ست ركعات، أو ركعتين من الليل، أو أربع، عازماً على عدم الإتيان بالباقي.
والخلاصة: أنّ العمدة في جواز التبعيض هي دلالة النصوص على جواز الاقتصار على البعض في نافلة العصر، ونافلة الزوال، وغيرهما، مضافاً إلى أنّ كلّ فردٍ منها في حدّ ذاته عبادة مستقلّة من حيث تكبيرة الإحرام، والقراءة، والتسليم.
وأمّا ذِكْر جميعها في النصّ: فهو منصرف إلى إرادة تكليفٍ غير ارتباطيّ، فكما ينسبق إلى الذهن عند الأمر بإعطاء ثمانية دراهم لزيد كون المأمور به متعدّد، أو غير مرتبط بعضه بالبعض الآخر، كذلك الأمر بثمان ركعات في نافلة الزوال مثلاً.
نعم، الأحوط الأولى في غير الموارد التي استفدنا جوازها بالخصوص من النصوص المعتبرة : عدم قصدها على نحو الجزم، بل على نحو الاحتياط والرجاء، والله العالم