الدرس 162 _بقيّة أحكام الزكاة 12
وأما الأمر الثَّاني: فلا إشكال في عدم الضَّمان إذا تلفت بالنَّقل مع عدم وجود المستحقّ في البلد، وعدم التّمكُّن من الصَّرف في سائر المصارف، بل هذا من المسلَّمات، وإنَّما الكلام إذا تلفت بالنَّقل مع عدم وجود المستحقّ في البلد، ولكن أمكن الصَّرف في سائر المصارف، فهل يضمن في هذه الحالة أم لا؟
المعروف بينهم: عدم الضَّمان أيضاً.
ولكن قد يُقال: بالضَّمان؛ لحسنة ابن مسلم المتقدِّمة، حيث قال (عليه السلام): «إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها، فهو لها ضامنٌ حتَّى يدفعها...»([1])، وحسنة زرارة المتقدِّمة أيضاً، حيث قال (عليه السلام): «لا، ولكن إذا عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن (حتَّى يُخرجها)»([2]).
وجه الاستدلال بهما: هو أنَّ الموضع في حسنة ابن مسلم والأهل في حسنة زرارة يشمل الفقراء وسائر المصارف، أي أنَّ عدم الضَّمان معلَّق على عدم وجود المستحقّ في البلد، وعلى عدم التّمكُّن من الصَّرف في سائر المصارف.
ولكنَّ مقتضى الإنصاف: عدم الضَّمان، وإن تمكَّن من الصَّرف في سائر المصارف، وأمَّا الحسنتان المتقدِّمتان، فيمكن الجواب عنهما: بأنَّ الدَّفع في حسنة ابن مسلم لا يشمل الصَّرف في باقي المصارف؛ لأنَّ الَّذي يدفع إليه هو الفقير.
وأمَّا باقي المصارف، فلا يُعبّر بالدَّفع إليها، بل يُعبّر بالصَّرف فيها.
وأمَّا «الأهل» في حسنة زرارة، فالمتبادر منه هو الفقير لا مطلق المصارف.
وممَّا يشهد لما ذكرناه: إطلاق نفي الضَّمان في جملة من الرِّوايات التي يبعد جدّاً حملها على صورة عدم وجود المستحقّ في البلد، وعدم التّمكُّن من سائر المصارف، لاسيَّما سهم سبيل الله الذي هو متوفِّر دائماً، لتكون محمولةً حينئذٍ على صورة عدم وجود المستحقّ في البلد، وإن أمكن الصَّرف في باقي المصارف:
ومنها: حسنة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا أخرج الرَّجل الزَّكاة من ماله، ثمَّ سمَّاها القوم فضاعت أو أرسل بها إليهم، فضاعت فلا شيء عليه»([3]).
ومنها: موثقة بكير بن أعين «قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرَّجل يبعث بزكاته، فتُسرق أو تضيع، قال: ليس عليه شيءٌ»([4])، وكذا غيرها من الرِّوايات، فإنَّه يبعد جدّاً حملها على صورة عدم وجود المستحقّ في البلد، وعدم التّمكُّن من سائر المصارف، لاسيّما سهم سبيل الله، كما لا يخفى. وعليه، فالمراد أنَّه إذا نقلها مع عدم وجود الفقير في البلد، وتلفت حين النَّقل فلا ضمان وإن تمكَّن من سائر المصارف، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وأُجرة الاعتبار على المالك(1)
ذكر المصنِّف (رحمه الله) في البيان: أنَّ أجرة الكيل والوزن على المالك، ثمَّ قال: وفي موضع من المبسوط هي من سهم العاملين، ولم يتعرَّض المصنِّف (رحمه الله) في البيان لأجرة النَّقل.
وعن جماعة من الأعلام، منهم الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرَّوضة: أنَّ أجرة النَّقل على المالك. وذكر بعضهم أنَّ النَّقل إذا كان مع عدم وجود المستحقّ في البلد، فمؤنة النَّقل حينئذٍ من الزَّكاة؛ لأنَّ الصَّرف لمصلحة المستحقّ، والأصل البراءة من وجوب تحمُّل المؤنة.
وأمَّا إذا كان النَّقل من البلد مع وجود المستحقّ فيها، فمؤونة الَّنقل عليه، لا من الزَّكاة؛ إذ لا مقتضي لكونها من الزَّكاة، والأصل بقاء الزَّكاة على حالها.
أقول: لا إشكال في كون مؤونة النَّقل على المالك إذا كان المستحقّ موجوداً في البلد؛ إذ لا معنى لكون الأجرة من الزَّكاة في هذه الصُّورة مع إمكان إيصالها إلى المستحقّ بلا مؤونة.
وأمَا إذا كان النَّقل مع عدم وجود المستحقّ في البلد، فحينئذٍ إن أمكن صرفها في البلد في باقي المصارف من سهم سبيل الله ونحوه فأجرة النَّقل على المالك أيضاً؛ لعدم توقُّف إيصالها إلى أصحابها على النَّقل، والأصل بقاء الزَّكاة على حالها.
وأمَّا إذا لم يمكن الصَّرف في باقي المصارف ولم يُوجد المستحقّ في البلد، ففي هذه الحالة بما أنَّ بقاءها عند المالك قد يعرّضها للتلَّف ونحوه، فحينئذٍ ينقلها بإجازة الحاكم الشَّرعيّ، باعتبار أنَّ الزَّكاة بعد تمام الحَوْل قد عزلها المالك، وتعيّنت زكاة، فالولاية عليها حينئذٍ للحاكم الشَّرعيّ مع وجوده، ومع عدمه فلعدول المؤمنين. وإذا كان النَّقل بإجازة الحاكم الشَّرعيّ، أو بإجازة عدول المؤمنين مع عدمه، فالمؤونة من الزَّكاة، كما لا يخفى، لا من المالك؛ إذ لا موجب لكونها منه، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجوز للمالك تفريقها بنفسه ونائبه(1)
(1) تقدَّمت هذه المسألة سابقاً عند قوله (رحمه الله): «ويجب دفع الزَّكاة إلى الإمام أو نائبه مع الطَّلب...»، فراجع.
([1]) الوسائل باب 39 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 39 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([3]) الوسائل باب 39 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.
([4]) الوسائل باب 39 من أبواب المستحقين للزكاة ح5.