الدرس 111 _اصناف المستحقين للزكاة 12
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والمؤلفة قلوبهم ، وهم كفَّار يستمالون بها إلى الجِهاد. وقال ابن الجنيد: هم المنافقون. وفي مؤلَّفة الإسلام قولان، أقربهما: أنَّهم يأخذون من سهم سبيل الله(1)
(1) قال في الحدائق: «وقدِ اضطرب كلام أصحابنا في معنى المؤلَّفة أشدّ الاضطراب، وكثرت الاحتمالات والأقوال في هذا الباب، فما بين مَنْ خصَّهم بالكفَّار الذين يُستمالون للجهاد، قالوا: ولا نعرف مؤلَّفةً غيرهم، والظَّاهر أنَّه المشهور، وفسَّره بعضهم بالمنافقين، وأدخل بعضهم بعض المسلمين. وكلامهم في ذلك واسع الذَّيل، كما لا يخفى على مَنْ راجع مطوّلاتهم، وليس في التَّطويل بنقله مزيد فائدةٍ مع عدم اعتمادهم على دليل غير مجرَّد الاعتبارات والمناسبات التي ليس عليها مزيد تعويلٍ...».
أقول: هناك ثلاثة أقوال في تعريف المؤلَّفة قلوبهم:
الأوَّل: أنَّهم مختصّون بالكفَّار الذين يُستمالون للجهاد مع المسلمين، وهذا هو المشهور بين الأعلام، منهم الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، حيث قال: «﴿ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾ ]التوبة: 60[ عندنا هم الكفَّار الذين يُستمالون بشيءٍ من مال الصَّدقات إلى الإسلام، ويتألَّفون لِيُستعان بهم على قتال أهل الشِّرك، ولا يعرف أصحابنا مؤلَّفة أهل الإسلام...».
القول الثَّاني: ما ذهب إليه جماعة من الأعلام، منهم الشَّيخ المفيد (رحمه الله)، وهو أنَّ المؤلفة قلوبهم قسمان: كفَّار، ومسلمون: وهم ضعفاء الإيمان.
القول الثَّالث: ما عن ابن الجنيد (رحمه الله) من اختصاص المؤلَّفة قلوبهم بالمنافقين، حيث قال على ما حُكي عنه : «المؤلَّفة قلوبهم مَنْ أظهر الدِّين بلسانه وأعان المسلمين وإمامهم بيده، وكان معهم إلاَّ قلبه (الأقلية)...»، وتبعه عليه في الحدائق، حيث قال بعد أن ذكر جملة من الرِّوايات : «وهذه الأخبار كلُّها كما ترى ظاهرة في أنَّ المؤلَّفة قلوبهم قومٌ مسلمون قد أقرُّوا بالإسلام ودخلوا فيه لكنَّه لم يستقرَّ في قلوبهم، ولم يثبت ثبوتاً راسخاً، فأمر الله تعالى نبيَّه بتأليفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم، وتشتدَّ قلوبهم على البقاء على هذا الدِّين، فالتَّأليف إنَّما هو لأجل البقاء على الدِّين والثَّبات عليه، لا لما زعموه (رضوان الله عليهم) من الجهاد كفَّاراً كانوا أو مسلمين، وأنَّهم يتألَّفون بهذا السَّهم لأجل الجهاد...»، وذهب إلى هذا القول أيضاً بعض الأعلام.
أقول: لا بُدّ من النَّظر في الرِّوايات الواردة في المقام لنرى ما هو مقتضى الإنصاف في المسألة:
منها: حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ الله (عز وجل) : «وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ »، قَالَ: هُمْ قَوْمٌ وَحَّدُوا الله (عز وجل) ، وَخَلَعُوا عِبَادَةَ مَنْ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله، وَشَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله (ص)، وَهُمْ فِي ذَلِكَ شكَّاكٌ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ (ص)، فَأَمَرَ الله (عز وجل) نَبِيَّهُ (ص) أَنْ يَتَأَلَّفَهُمْ بِالْمَالِ وَالْعَطَاءِ لِكَيْ يَحْسُنَ إِسْلَامُهُمْ، وَيَثْبُتُوا عَلَى دِينِهِمُ الَّذِي دَخَلُوا فِيهِ وَأَقَرُّوا بِهِ، وَإِنَّ رَسُولَ الله (ص) يَوْمَ حُنَيْنٍ تَأَلَّفَ رُؤَسَاءَ الْعَرَبِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَسَائِرِ مُضَرَ، مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حُصَيْنٍ الْفَزَارِيُّ، وَأَشْبَاهُهُمْ مِنَ النَّاسِ، فَغَضِبَتِ الْأَنْصَارُ، وَاجْتَمَعَتْ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ الله (ص) بِالْجِعْرَانَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أَتَأْذَنُ لِي فِي الْكَلَامِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الَّتِي قَسَمْتَ بَيْنَ قَوْمِكَ شَيْئاً أَنْزَلَهُ الله رَضِينَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ نَرْضَ، قَالَ زُرَارَةُ: وَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: فَقَالَ رَسُولُ الله (ص): يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! أَكُلُّكُمْ عَلَى قَوْلِ سَيِّدِكُمْ سَعْدٍ؟ فَقَالُوا: سَيِّدُنَا الله وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَالُوا فِي الثَّالِثَةِ: نَحْنُ عَلَى مِثْلِ قَوْلِهِ وَ رَأْيِهِ، قَالَ زُرَارَةُ فَسَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: فَحَطَّ الله نُورَهُمْ، وَفَرَضَ الله لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ سَهْماً فِي الْقُرْآنِ»([1])، وهي دالَّة على ما ذهب إليه ابن الجنيد وصاحب الحدائق (رحمهما الله) ومَنْ وافقهما، وهي ظاهرة في الحصر؛ لأنَّها في مقام بيان تعريف المؤلَّفة قلوبهم.
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَالَ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ قَوْمٌ وَحَّدُوا الله، وَخَلَعُوا عِبَادَةَ مَنْ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله، وَلَمْ تَدْخُلِ الْمَعْرِفَةُ قُلُوبَهُمْ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَكَانَ رَسُولُ الله (ص) يَتَأَلَّفُهُمْ وَيُعَرِّفُهُمْ لِكَيْمَا يَعْرِفُوا وَيُعَلِّمُهُمْ»([2])، وهذه الرِّواية رواها الكلينيّ بطريقَيْن أحدهما ضعيف بالإرسال، والثَّاني صحيح؛ لأنَّ موسى بن بكر الموجود في السَّند من المعاريف، وهي مثل الرِّواية الأولى.
ومنها: مرسلة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَالَ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَطُّ أَكْثَرَ مِنْهُمُ الْيَوْمَ»([3])، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، مضافاً لعدم كونها بصدد تعريف المؤلَّفة قلوبهم، وإنَّما تعرّضت لبيان الكميَّة، أي العدد فقط.
ومنها: مرسلة موسى بن بكر عن رجل «قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): مَا كَانَتِ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْهُمُ الْيَوْمَ، وَهُمْ قَوْمٌ وَحَّدُوا الله، وَخَرَجُوا مِنَ الشِّرْكِ وَلَمْ تَدْخُلْ مَعْرِفَةُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله (ص) قُلُوبَهُمْ، وَمَا جَاءَ بِهِ، فَتَأَلَّفَهُمْ رَسُولُ الله (ص)، وَتَأَلَّفَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدَ رَسُولِ الله (ص) لِكَيْمَا يَعْرِفُوا»([4])، وهي ضعيفة بالإرسال وبسهل بن زياد، وقوله في الرِّواية: «وهم قوم وحَّدُوا الله...»، يدلُّ على ما تدلُّ عليه الرِّواية، أي ما ذهب إليه ابن الجنيد وصاحب الحدائق (رحمهما الله).
ومنها: مرسلة عليّ بن إبراهيم في تفسيره نقلاً عن العالم (عليه السلام) في المؤلَّفة قلوبهم: «هم قوم وحَّدوا الله، وخلعوا عبادة مَن دون الله، ولم تدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمَّداً رسول الله (ص)، وكان رسول الله (ص) يتألّفهم ويعلّمهم ويعرّفهم كيما يعرفوا، فجعل لهم نصيباً في الصَّدقات لكي يعرفوا ويرغبوا (ويرعووا»)([5])، وهي مثل الرِّواية الأُولى من حيث الدَّلالة، إلاَّ أنَّها ضعيفة بالإرسال.
والخلاصة: أنَّ هذه الرِّوايات ظاهرة في القول الثَّالث، وهو قول ابن الجنيد وصاحب الحدائق (رحمه الله) ومَنْ وافقهما.
([1]) الكافي ج2 باب المؤلفة قلوبهم ح2.
([2]) الكافي ج2 باب المؤلفة قلوبهم ح1.
([3]) الكافي ج2 باب المؤلفة قلوبهم ح3.
([4]) الكافي ج2 باب المؤلفة قلوبهم ح5.
([5]) الوسائل باب 1 من أبواب المستحقين للزكاة ح7.