الدرس169 _لباس المصلي 42
ومنها: صحيحة عليّ بن مهزيار «قال: رأيت أبا جعفر الثاني N يصلّي الفريضة، وغيرها، في جبَّة خزّ طاروي، وكساني جبّة خزّ، وذكر أنّه لبسها على بدنه، وصلّى فيها، وأمرني بالصَّلاة فيها»[i]f247.
ومنها: حسنة زرارة «قال: خرج أبو جعفر N يصلّي على بعض أطفالهم، وعليه جبّة خزّ صفراء ومطرف خزّ أصفر»[ii]f248.
ومنها: موثَّقة معمّر بن خلاّد «قال: سألتُ أبا الحسن الرضا N عن الصَّلاة في الخزّ، فقال: صلّ فيه»[iii]f249.
ومنها: صحيحة الحلّبي «قال: سألته عن لبس الخز(*)، فقال: لا بأس به، إنَّ عليّ بن الحسين N كان يلبس الكساء الخزّ في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه، وتصدق بثمَّنه، وكان يقول: إنّي لأستحيي من ربي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه»[iv]f250، وهي واضحة الدّلالة في شمول لُبْسه لحال الصَّلاة، لقوله N: «قد عبدت الله فيه»، وكذا غيرها من الأخبار الكثيرة.
الأمر الثاني: المشهور بين الأعلام جواز الصَّلاة في جلد الخزّ، وفي البحار: نسبته إلى المشهور بين المتأخرين، ولكن حُكِي عن ابن إدريس R: القول بالمنع، ونفى عنه الخلاف، وعن العلاَّمة R في المنتهى: متابعته.
ويدلّ على جواز الصَّلاة فيه عدَّة من الأخبار:
منها: رواية ابن أبي يعفور «قال: كنتُ عند أبي عبد الله N إذ دخل عليه رجل من الخزّازين، فقال له: جعلت فداك! ما تقول في الصَّلاة في الخزّ؟ فقال: لا بأس بالصلاة فيه، فقال له الرّجل: جعلتُ فداك! إنَّه ميت، وهو علاجي، وأنا أعرفه، فقال له أبو عبد الله N: أنا أعرف به منك، فقال له الرجل: إنَّه علاجي، وليس أحد أعرف به مني، فتبسم أبو عبد الله N، ثمَّ قال له: أتقول: إنَّه دابّة تخرج من الماء، أو تصاد من الماء، فتخرج، فإذا فُقِد الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت، جعلت فداك! هكذا هو، فقال له أبو عبد الله N: فإنَّك تقول إنَّه دابة تمشي على أربع، وليس هو في حدّ الحيتان، فتكون ذكاته خروجه من الماء؟ فقال له الرجل: إي، والله، هكذا أقول، فقال له أبو عبد الله N: فإنَّ الله تعالى أحلَّه، وجعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان، وجعل ذكاتها موتها»[v]f251.
ودلالتها واضحة جدّاً، حيث عُلِّل فيها الحِلّ بتحقق التذكية، وهو صريح في أنّ موضوع السّؤال هو الجلد، فإنّه الذي يعتبر في جواز الصَّلاة فيه التذكية، دون الوبر، إذ لا يعتبر فيه التذكية، لأنّه ليس ممّا تحلّه الحياة.
ولكنّها ضعيفة السند جدّاً، إذ فيها عدّة من المجاهيل، منهم عبد الله بن إسحاق العلوي، ومحمّد بن سليمان الديلمي، وقريب الراوي عن أبي يعفور.
قال المصنِّف R في الذكرى بعد نقله لهذه الرواية : «قال في المعتبر: عندي في هذه الرواية توقُّف، لأنَّ في طريقها محمّد بن سليمان الديلمي، وهو ضعيف، ولتضمُّنها حِلَّه، مع اتفاق الأصحاب على أنَّه لا يحِلّ من حيوان البحر إلاَّ ما له فلس من السَّمك، مع إجماعنا على جواز الصَّلاة فيه مذكّى كان أو ميتاً، لأنَّه طاهر في حال الحياة لم ينجس بالموت، قلت: مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضرّ ضعف الطريق، والحكم بحِلّه جاز أن يستند إلى حِلّ استعماله في الصَّلاة، وإن لم يُذكّ كما أحلّ الحيتان بخروجها من الماء حيَّة، فهو تشبيه للحلّ بالحل، لا في جنس الحلاّل...».
أقول: أمَّا ما ذكره من أنه تشبيه في حِلّ استعماله في الصَّلاة دون حليّة اللحم فهو في محلّه، لِمَا ذكره جماعة من الأعلام من أنّه ليس المراد هنا حِل لحمه، بل حِل استعمال جلده ووبره، والصَّلاة فيهما، خلافاً لصاحب الحدائق، حيث ذهب إلى حليَّة صنف منه، ونزَّل الرِّواية عليه، وهو باطل، كما هو مذكور في محلِّه.
وأمَّا قوله: «أنَّ مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضرّ ضعف الطريق».
ففيه ما ذكرناه في أكثر من مناسبة : من أنَّ عمل المشهور برواية ضعيفة لا يجبر ضعف سندها، مضافاً إلى عدم إحراز عمل مشهور المتقدّمِين بها، ومجرد مطابقة الفتوى لها لا تدلّ على استنادهم إليها.
ومنها: موثَّقة معمّر بن خلاّد المتقدِّمة «سألتُ أبا الحسن الرضا N عن الصَّلاة في الخزّ، فقال: صلِّ فيه»[vi]f252، فإن ترك الاستفصال قرينة على عموم الحكم للجلد والوبر.
وقد استشكل السيد محسن الحكيم في المستمسك، وتبعه السيد أبو القاسم الخوئي (قدِّسَ سِرّهما الشَّريف)، وحاصل الإشكال أنَّ هذا الاستدلال إنَّما يتمّ لو كان المراد من الخزّ فيه هو الحيوان، وهو غير ظاهر، بل من المحتمل إرادة المنسوج من وبره، فإنَّه من معانيه أيضاً.
والإنصاف: أنَّ احتمال إرادة المنسوج من وبره، وإن كان موجوداً، إلاَّ أنَّه ضعيف، ما لم تكن قرينة عليه، وإلاَّ فالمتبادِر من هذا الاستعمال بعد امتناع حَمْله على نفس الحيوان هو ما يشمل الجلد والوبر، فما فهمه صاحب الجواهر والمحقِّق الهمداني وصاحب الحدائق (قدس سرُّهم) من هذه الموثَّقة هو الصحيح.