الدرس154 _لباس المصلي 27
(1) لا إشكال في عدم وجوب رعاية السّتر من تحت، وذلك للسّيرة القطعيّة في جميع الأعصار والأمصار من العوام والعلماء.
ويقتضيه ما دلّ على الاكتفاء بالدّرع والقميص اللذين لا يستران العورة من جهة التحت، وعدم وجوب السّراويل والاستثفار، ونحوهما، هذا كلّه في غير الواقف على طرف سطح، بحيث تُرى عورته لو نُظِر إليها.
وأمَّا في حالته فقد جزم جماعة من الأعلام بالوجوب، وبطلان الصَّلاة بدونه، وتردَّد المصنِّف في الذكرى من جهة «أنّ السّتر إنّما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها، وعدمه، لأن الستر من تحت إنّما لا يراعى إذا كان على وجه الأرض، لعسر التطلع حينئذٍ، ثمَّ قال: لو قام على مخرم لا يتوقّع ناظر تحته فالأقرب أنّه كالأرض، لعدم ابتدار الأعين».
أقول: ذكر جماعة من الأعلام، منهم السّيد أبو القاسم الخوئي (قدِّسَ سِرّه الشَّريف)، حيث قال R: «أنَّ إمعان النظر في العلَّة الباعثة على إيجاب السّتر من التجنب عن انتهاك الحرمة، وعدم كون المصلّي على حالة سيئة ذميمة لعلَّه يشرف الفقيه ولو بمناسبة الحكم والموضوع على القطع بعدم الفرق بينها وبين التحت، فيما إذا كان معرّضاً للنظر، كما لو وقف على سطح مخرم أو شباك أو على طرف السطح...».
ومثله ما ذكره الشيخ جعفر كاشف الغطاء R من «أنَّه لا خفاء في وجوب الستر مطلقاً عقلاً ونقلاً، وعدم جواز كشفها كذلك، وأيّ عاقلٍ يرضى بأن يكشف عورته على الناس من تحتٍ لكون الكشف من تحت حلالاً، أيّ عاقل يرضى بالحلّية والكشف بوجه من الوجوه...».
والإنصاف: أنَّ ما ذكروه لا يصلح لأن يكون دليلاً في المقام، إذ لو صحّ ما ذكروه لكان مقتضاه جواز الصَّلاة عارياً في الحفيرة التي يساوي فراغها بدن المصلّي، ولصحّت الصَّلاة أيضاً في المكان إذا كان فيه جدّاًر، وكان المصلّي متصلاً بالجدار حال القيام ومكشوف القُبُل، وكل ذلك ممَّا لا يمكن الالتزام به.
والصحيح أن يُقال: إنَّ المناط هو حصول الستر عرفاً مطلقاً، وعدم حصوله، فلو وقف المصلّي على شبّاك موضوع على بئر، ونحوها، ممَّا لا يتوقّع معه الناظر، ولو شأناً، فليس حاله عند العرف في صدق كونه مستور العورة إلاَّ كحال من صلّى على الأرض.
نعم، لو كان الشبّاك ونحوه في مكان لا يؤمن فيه التطلّع على عورته من جهة التحت اتّجه الالتزام بوجوب الستر من جهة التحت أيضاً، فإنّه لا يصدق بدونه حينئذٍ ستره العورة على الإطلاق في العرف، والله العالم.
(1) تسالم الأعلام على أنَّ الصَّلاة لا تسقط مع عدم السّاتر، إذ الصَّلاة لا تسقط بحال من الأحوال ما عدا الطهورين، وإنَّما اختلفوا في كيفيّة صلاة العاري.
فالمشهور بينهم أنّه يصلّي قائماً إن أمن المطلع، وجالساً مع عدمه، ويومِئ في الحالين للركوع والسّجود.
وذهب المحقّق R في المعتبر إلى التخيير بين الأمرين، من غير فرق بين الأمن من المطلع وعدمه، وحُكِي عن السّيد المرتضى R: أنَّه يصلّي جالساً مومئاً وإن أمن المطلع، وعن ابن إدريس R: أنَّه يصلّي قائماً مومئاً في الحالين، وعن ابن زهرة: أنَّ العريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلّى قائماً وركع وسجد، وإلاَّ صلّى جالساً مومئاً مدّعياً عليه الإجماع، وقواه صاحب الجواهر R، وعن السيد عميد الدين: أنَّه إذا كان يصلّي قائماً فالأقوى له أن يجلس ليُومِئ للسّجود، نظراً إلى أنّه حينئذٍ أقرب إلى هيئة السّاجد.
واستقرب المصنِّف R في الذكرى وجوب الإيماء إلى حدٍّ لا تبدو معه العورة، حيث قال: «وهل يجب أن يبلغ في الإيماء إلى حدٍّ لو زاد عليه لبدت العورة؟ الأقرب ذلك؛ استصحاباً للاصل. ويمكن الاجتزاء بمسمى الإيماء بالرأس؛ لظاهر الرواية». وذكر قبل ذلك أنه يجب أيضاً أن يجعل السّجود أخفض، محافظة على الفرق بينه وبين الركوع، واحتمل وجوب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلَيْن في السّجود على الكيفيّة المعتبرة في السّجود.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنَّ مستند المشهور هو الجمع بين ما دلّ على وجوب القيام والإيماء مطلقاً، وبين ما دلّ على وجوب الجلوس والإيماء مطلقاً.
أمَّا ما دلّ على وجوب القيام والإيماء مطلقاً فعدَّة من الأخبار:
منها: صحيحة علي بن جعفر المتقدِّمة حيث ورد في ذيلها «وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم»[i]f173.
ومنها: موثّقة سماعة على رواية التهذيب «قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب، وليس عليه إلاَّ ثوب فأجنب فيه، وليس يجد الماء، قال: يتيمَّم، ويصلّي عرياناً قائماً يُومِئ إيماءاً»[ii]f174، ورواه الكليني R في الكافي قاعداً، والكافي، وإن كان أضبط، إلاَّ أن نسخة الكافي لا تقدّم هنا، إذ يبعد جدّاً حمل نسخة التهذيب على الاشتباه، لأنّ الشيخ R رواها في الاستبصار عن الكافي بلفظ قاعداً.
وعليه، فهو ملتفت إلى اختلاف النسخ، ومع ذلك رواها «قائماً».
نعم، تسقط هذه الرواية للعلم الإجمالي بصدور إحدى النسختَيْن، فلا يصحّ الاستدلال بها، لا على الصَّلاة قائماً، ولا جالساً.
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله N أنّه قال في حديث «وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلّد السيف ويصلّي قائماً»[iii]f175.