الدرس 97 _ التضعيفات العامة 8
كان الكلام فيما سبق في الواقفة، وبقي عندنا الروايات التي تواترت في ذمّ الواقفة، ونحن نقتصر على بعضها:
منها: ما رواه الكشي (رحمه الله) عن علي بن عبد الله الزبيري، قال: «كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أساله عن الواقفة. فكتب: الواقف عاندٌ عن الحق، ومقيمٌ على سيئة، إن مات بها كانت جهنم مأواه وبئس المصير»[1]. هذه الرواية ضعيفة بجهالة بعض الموجودين في السند.
ومنها: ما رواه الكشي (رحمه الله) عن يونس بن يعقوب، قال: «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حيٌّ من الزكاة شيئا؟ قال: لا تعطهم فإنهم كفار مشركون زنادقة»[2]. هذه الرواية ضعيفة بسهل بن زياد، وبجهالة بعض رجال السند.
ومنها: ما رواه الكشي (رحمه الله) عن محمد بن رجا الحناط، عن محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) أنه قال: «الواقفة هم حمير الشيعة، ثم تلا هذه الآية: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾»[3]. هذه الرواية ضعيفة بجهالة جملة من رجال السند.
ومنها: ما رواه عمر بن فرات، قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الواقفة؟ قال: يعيشون حيارى ويموتون زنادقة»[4]. هذه الرواية ضعيفة بجهالة جملة من رجال السند.
ومنها: ما رواه عن ابن أبي عمير، عمن حدثه قال: «سألت محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) عن هذه الآية: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ قال: نزلت في النصاب والزيدية والواقفة من النصاب»[5]. هذه الرواية ضعيفة بالإرسال وبجهالة محمد بن الحسن البراثي وأبي علي الفارسي.
ومنها: ما رواه عن إبراهيم بن عقبة، قال: «كتبت إلى العسكري (عليه السلام): جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة فأقنت عليهم في صلاتي؟ قال: نعم أقنت عليهم في صلاتك»[6]. هذه الرواية ضعيفة بجهالة رجال السند. وكذا غيرها من الروايات.
هذا تمام الكلام في الواقفة.
ومن جملة الطوائف التي خرجت عن مذهب الإمامية.
وهم أتباع المغيرة بن سعيد العجلي، خرج بظاهر الكوفة في إمارة خالد بن عبد الله القسري فظفر به فأحرقه وأحرق أصحابه سنة 119 للهجرة.
قال الشهرستاني في الملل والنحل: «أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي ادعى أن الإمامة بعد محمد بن على بن الحسين في محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسن الخارج بالمدينة، وزعم أنه حيٌّ لم يمت، وكان الغيرة مولى لخالد بن عبد الله القصري، وادعى الإمامة لنفسه بعد الإمام محمد -صاحب النفس الزكية-، وبعد ذلك ادعى النبوة لنفسه، واستحلّ المحارم، وغلى في حق عليّ رضى الله عنه غلواً لا يعتقده عاقل، وزاد على ذلك قوله بالتشبيه فقال: إن الله تعالى صورة وجسم ذو أعضاء على مثال حروف الهجاء، وصورته صورة رجل من نور، على رأسه تاج من نور، وله قلبٌ تنبع منه الحكمة، وزعم أن الله تعالى لما أراد خلق العالم تكلم بالاسم الأعظم. (ثم قال): ولما أن قتل المغيرة اختلف أصحابه، فمنهم من قال بانتظاره ورجعته، ومنهم من قال بانتظار إمامة محمد، كما كان يقول هو بانتظاره، وقد قال المغيرة بإمامة أبى جعفر محمد ابن عليّ رضى الله عنهما ثم غلا فيه وقال بإلهيته، فتبرأ منه الباقر ولعنه، وقد قال المغيرة لأصحابه انتظروه فإنه يرجع وجبريل وميكائيل يبايعانه بين الركن والمقام، وزعم انه يحيى الموتى»[7]. (انتهى كلامه)
هذا وقد استفاضت الروايات في ذمّ المغيرة بن سعيد. وقد ذكرها الكشي (رحمه الله) في اختيار معرفة الرجال:
منها: حسنة جعفر بن عيسى وأبي يحي الواسطي قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «كان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد»[8].
أقول: يوجد عندنا إثنين «أبي يحي الواسطي»، واحد ثقة ومعروف، والثاني غير معروف، ولكن إذا أطلق فإنه ينصرف إلى الثقة المعروف. ولكن يكفينا في اعتبار الرواية وجود جعفر بن عيسى أخو محمد بين عيسى بن عبيد اليقطيني، وهو ممدوح جداً. وعليه فلسنا بحاجة إلى أبي يحي الواسطي.
ومنها: مرسلة ابن مسكان، عمن حدثه من أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: لعن الله المغيرة بن سعيد أنه كان يكذب على أبي فأذاقه الله حر الحديد، لعن الله من قال فينا مالا نقوله في أنفسنا ولعن الله من أزالنا عن العبودية لله الذي خلقنا واليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا»[9]. هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.
ومنها: صحيحة محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن قال: «إنّ بعض أصحابنا سأله -أي سأل يونس- وأنا حاضر، فقال له: يا أبا محمد ما أشدك في الحديث، وأكثر انكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال -أي يونس-: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا (صلى الله عليه وآله) فإنّا إذا حدثنا، قلنا قال الله عز وجل، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) ووجدت أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله (عليه السلام). وقال لي: ان أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله (عليه السلام) لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنّا إن تحدثنا، حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، إنّا عن الله وعن رسوله نحدّث، ولا نقول قال فلان وفلان، فيتناقض كلامنا، إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصادق لكلام آخرنا، فإذا اتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه، وقولوا أنت اعلم وما جئت به، فإنّ مع كل قول منا حقيقة وعليه نورا، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان»[10].
أقول: الظاهر أن قوله (قال يونس) راجع إلى حديث محمد بن عيسى بن عبيد. واحتمال أن يكون راجعاً إلى الكشي -فيكون هذا المقطع من الرواية مرسلاً- بعيد.
ومنها: صحيحة هشام بن الحكم، أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي، ويأخذ كتب أصحابه وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدس فيها الكفر والزندقة، ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه ويأمرهم ان يبثوها في الشيعة، فكلما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك ما دسّه المغيرة ابن سعيد في كتبهم»[11].
ومنها: رواية علي بن الحسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير، قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) يوما لأصحابه: لعن الله المغيرة ابن سعيد، ولعن يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السِحْرَ والشعبذة والمخاريق. إنّ المغيرة كذب على أبي (عليه السلام)، فَسَلَبَه الله الإيمان، وأنَّ قوما كذبوا عليَّ، مالهم، أذاقهم الله حر الحديد، فو الله ما نحن إلا عبيدٌ الذي خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضرٍّ ولا نفعٍ، وإنْ رحمنا فبرحمته، وإنْ عذبنا فبذنوبنا، والله مالنا على الله من حجة، ولا معنا من الله براءة، وإنّا لميتون، ومقبورون، ومنشرون، ومبعوثون، وموقوفون، ومسئولون، ويلهم مالهم، لعنهم الله، فلقد آذوا الله وآذوا رسوله (صلى الله عليه وآله) في قبره، وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن عليّ (صلوات الله عليهم). وها أنا ذا بين أظهركم، لحم رسول الله وجلد رسول الله، أبيت على فراشي خائفاً وَجِلاً مرعوباً، يأمنون وأفزع، وينامون على فرشهم وأنا خائف، ساهرٌ وَجِلٌ أتقلقل بين الجبال والبراري، أبرأ إلى الله مما قال في الأجدع البراد عبد بني أسد أبو الخطاب لعنه الله، والله لو ابتلوا بنا وأمرناهم بذلك، لكان الواجب ألا يقبلوه، فكيف وهم يروني خائفاً وَجِلاً، استعدي الله عليهم، وأتبرأ إلى الله منهم. أشهدكم أنى امرؤ ولدني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما معي براءة من الله، إنْ أطعته رحمني، وإنْ عصيته عذبني عذاباً شديداً أو أشدّ عذابه»[12]. هذه الرواية ضعيفة بعلي بن حسان وعمه عبد الرحمان بن كثير.
ومنها: حسنة الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن المغيرة وهو بالبقيع ومعه رجل ممن يقول: إن الأرواح تتناسخ، فكرهت أن أسأله وكرهت أن أمشي فيتعلق بي، فرجعت إلى أبي ولم أمضِ، فقال: يا بني لقد أسرعت، فقلت: يا أبة إني رأيت المغيرة مع فلان. فقال أبي: لعن الله المغيرة قد حلفت أن لا يدخل عليَّ ابدا. وذكرت ان رجلا من أصحابه تكلم عندي ببعض الكلام؟ فقال هو: اشهد الله ان الذي حدثك لمن الكاذبين، واشهد الله ان المغيرة عند الله لمن المدحضين. ثم ذكر صاحبهم الذي بالمدينة: فقال: والله ما رآه أبي، وقال: والله ما صاحبكم بمهدي ولا بمهتدي، ذكرت لهم أنَّ فيهم غلماناً أحداثاً لو سمعوا كلامك لرجوت أن يرجعوا، قال، ثم قال: ألا يأتوني فأخبرهم»[13].
أقول: هذه الرواية فيها خلل، فلم يتضح عندي مَن السائل في قوله: «سألته عن المغيرة وهو بالبقيع ومعه رجل ممن يقول: إن الأرواح تتناسخ، فكرهت أن أسأله وكرهت أن أمشي فيتعلق بي، فرجعت إلى أبي ولم أمضِ» هل الإمام الصادق هو الذي سأل الإمام الباقر (عليهما السلام)، أم الحسين بن أبي العلاء هو الذي سأل أباه. فالرواية فيها خلل ونقص، مع كونها معتبرة سنداً.
ومنها: صحيحة زرارة، قال: «قال -يعني أبا عبد الله (عليه السلام)-: إنّ أهل الكوفة قد نَزَلَ فيهم كذّاب. أما المغيرة: فإنه يكذب على أبي -يعني أبا جعفر (عليه السلام)- قال -أي المغيرة- حدّثه: أن نساء آل محمد إذا حِضْنَ قضيْنَ الصلاة، وكذب والله، عليه لعنة الله: ما كان من ذلك شيء ولا حدّثه. وأما أبو الخطاب: فكذّب عليَّ، وقال أنّي أمرته أن لا يصلي هو وأصحابه المغرب حتى يروا كوكب كذا يقال له: القنداني، والله أنّ ذلك لَكوكبٌ ما أعرفه»[14].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص755، ح860.
[2] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص756، ح862.
[3] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص761، ح872.
[4] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص761، ح876.
[5] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص761، ح874.
[6] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص761، ح875.
[7] الملل والنحل للشهرستاني: ج1، ص175-176.
[8] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص489، ح399.
[9] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص489، ح400.
[10] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص489، ح401.
[11] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص491، ح402.
[12] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص491، ح403.
[13] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص493، ح405.
[ 14] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي (رحمه الله): ج2، ص494، ح407.