الدرس 94 _ تنبيهات الأقل والأكثر 5
[أصالة الاشتغال: تنبيهات الأقلّ والأكثر]
[التنبيه الثاني: نسيان الجزء أو الشرط]
أمّا الجهة الثانية: في مقام الاثبات وهي قيام الدليل على تكليف الناسي ببقية الأجزاء.
وحاصل الكلام:
إنّه تارةً يكون لدليل الجزئية أو الشرطية اطلاق يشمل حال النسيان أيضاً: كقوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»، وكقول أمير المؤمنين (عليه السّلام) في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السّلام): «من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له».
وأخرى، لا يكون له اطلاق: كما في الاستقرار المعتبر في الصلاة، فإنّ دليله هو الاجماع، وهو دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقّن، وهو حال الذكر.
ثمّ إنّه على كلا التقديرين:
تارةً يكون لدليل المركب -وهو قوله تعالى: ﴿أَقِيمُواْ الصَّلاةَ ﴾- إطلاق يشمل جميع الحالات.
وأخرى لا يكون له اطلاق: إمّا من جهة اتصاله بما يصلح للقرينيّة عليه، أو من جهة عدم كونه مسوقاً في مقام البيان من هذه الجهة، بل في مقام أصل تشريع المركب.
وعليه فعندنا أربع صور.
الصورة الأولى: فيما إذا كان لكلّ من دليل الجزئية أو الشرطية ودليل المركّب اطلاق، ففي هذه الصورة يكون اطلاق دليل الجزئية أو الشرطية حاكماً على اطلاق دليل المركّب ومقدماً عليه، لأنّه مبيّن وشارح لدليل المركّب عند العرف.
ومقتضى ذلك، هو عدم التكليف ببقية الأجزاء، فإنّه ليس في البين إلاّ تكليف واحد تعلّق بجملة الأجزاء، ومنها الجزء المنسي، وهذا التكليف الواحد سقط بنسيان بعض الأجزاء، لأنّه لا يمكن بقاء ذلك التكليف بالنسبة إلى جملة الأجزاء مع نسيان بعضها، فلا بدّ من سقوط التكليف المتعلّق بالمركّب، فلو ثبت التكليف ببقيّة الأجزاء، فهو تكليف آخر غير التكليف الذي كان متعلّقاً بالمركّب، ولا بدّ من قيام الدليل عليه.
الصورة الثانية: ما إذا كان لدليل الجزئية أو الشرطية اطلاق وليس لدليل المركّب اطلاق، وقد اتضح حكمها من الصورة الأولى، بل هي أوضح، كما لا يخفى.
الصورة الثالثة: وهي فيما إذا لم يكن لدليل الجزئية أو الشرطية اطلاق، وكان لدليل المركّب وهو: «أَقِيمُواْ الصَّلاةَ » اطلاق، فيؤخذ بإطلاقه، ويحكم بعدم كون المنسيّ جزءاً في حال النسيان اقتصاراً في تقييد اطلاقه بخصوص حال الذكر.
ولكن دعوى ثبوت الاطلاق لدليل المركب عهدتها على مدّعيها، لوضوح أنّ مثل هذه الخطابات إنّما كانت مسوقة لبيان مجرّد تشريع المركّب بنحو الاجمال، لا لبيان ما يعتبر فيه حتى يكون مرجعاً عند الشكّ في جزئية شيء أو شرطيته للمركّب.
وهذا بخلاف دليل الجزئية أو الشرطية، فإنّه لا يبعد ثبوت الاطلاق والشمول لحال النسيان من غير فرق بين أن يكون بلسان الوضع كقوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» و «لا صلاة إلا بطهور»، وبين أن يكون بلسان الأمر والتكليف، كقوله: «اركع في الصلاة واسجد فيها أو تشهد». ونحو ذلك من الأوامر المتعلّقة بأجزاء المركّب.
إن قلتَ: إنّ ذلك إنّما يصحّ إذا كان دليل اعتبار الجزء أو الشرط بلسان الوضع، كقوله (عليه السّلام): «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» «ولا صلاة إلا بطهور».
وأمّا إذا كان بلسان الأمر والتكليف كقوله (عليه السّلام): «اركع في الصلاة واسجد فيها»، فلا يصحّ حينئذٍ، لأنّ الجزئية تتبع الحكم التكليفي، فإذا كان الحكم التكليفي مختصّاً بحكم العقل بحال التذكر، ولا يمكن شموله لحال الغفلة والنسيان، فالجزئية المستفادة وكذا الشرطية تتبعه، وتختصّ بحال الذكر أيضاً.
قلتُ: لو صحّ ذلك، فإنّما هو في فرض ظهور تلك الأوامر المتكفّلة لبيان الأجزاء والشرائط في المولوية النفسية، ولكنّ الأمر ليس كذلك، بل هي ظاهرة في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية حسب اختلاف المقامات، كما أنّ النهي عن الاتيان بشيء في المركب ارشاد إلى المانعية كقوله (عليه السّلام): «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه».
وعليه، فلا يوجد محذور عقلي في عموم الجزئية أو الشرطية لحال النسيان، وتكون النتيجة سقوط الأمر بالمركّب أو المقيّد عند نسيان الجزء أو الشرط.