الدرس88 _اوقات الفرائض والنوافل 68
وقدِ استثني من الكراهة أيضاً صلاة الغدير على ما ذكره بعض الأعلام، والتي ورد الأمر بإيقاعها قبل الزَّوال بنصف ساعة[i]f504، بناءً على صدق قيام الشَّمس على هذا الوقت، ولكنَّ الرِّواية ضعيفة بطريقيها في التهذيب ومصباح المتهجّد، أمَّا في التهذيب فبجهالة أكثر من شخص، وأمَّا في المصباح فبالإرسال، وداود بن كثير الرقِّي، وجهالة أبي هارون.
وقدِ استثنى بعضهم أيضاً: صلاة أربع ركعات نافلة قبل الزّوال في كلّ يوم، وقد ورد الأمر به في ما رواه الكفعمي في المصباح عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: من صلَّى أربعاً في كلِّ يوم قبل الزَّوال يقرأ في كلِّ ركعة الحمد مرة، والقدر خمساً وعشرين مرّة، لم يمرض إلاَّ مرض الموت»[ii]f505، ولكنَّها ضعيفة.
والخلاصة: أنَّه لم يثبت دليل عام على إخراج مطلق ذات السَّبب عن تحت أدلّة الكراهة.
وقيل: ممَّا يشهد بكراهة ذوات الأسباب مضافاً إلى أدلّة الكراهة ما حُكِي عن كتاب الاستخارة لابن طاووس رحمه الله عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمد عليه السلام في حديث «قال: إذا عزمت على السَّفر، أو حاجّة مهمة، فأكثر من الدعاء والاستخارة إلى أن قال: وإن خرجت الرقعة التي لم تُكتب على ظهرها شيئاً، فتوقف إلى أن تحضر صلاة مفروضة، ثمَّ قم فصلّ ركعتين كما وصفت لك، ثمَّ صلِّ الصَّلاة المفروضة، أو صلِّهما بعد الفرض، ما لم تكن الفجر أو العصر، فأمّا الفجر فعليك بالدعاء بعدها إلى أن تنبسط الشَّمس، ثمَّ صلّهما، وأمَّا العصر فصلّهما قبلها...»[iii]f506، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.
ثمَّ اعلم أنَّ المراد من ذات السبب كما تقدّمت الإشارة الصَّلاة التي شُرِّعت بسبب آخر غير رجحانها نفسها، كصلاة الحاجّة والاستسقاء والاستخارة والإحرام وغيرها، حتى لو كان بفعل المكلّف، كدخول مسجد أو مشهد، بل قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى: «ولو تطهَّر في هذه الأوقات جاز أن يصلِّي ركعتين، ولا يكون هذا ابتداء للحثّ على الصّلاة عقيب الطَّهارة، ولأنَّ النبي صلى الله عليه وآله روي أنَّه قال لبلال: حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإنِّي سمعتُ دقَّ نَعْلَيْكَ بين يَدَي في الجنَّة؟ قال: ما عملتُ عملاً أرجى عندي من أنَّني لم أتطهّر طهوراً في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ، إلاَّ صلَّيت بذلك الطَهُور ما كُتِب لي أن أصلِّي[iv]f507، وأقرَّه النبي صلى الله عليه وآله على ذلك».
وفيه: أنَّه لا دلالة في الحثّ على الصَّلاة على نفي الكراهة، وإلاَّ لنفاها بالنظر إلى النافلة المبتدأة التي ورد فيها أنّها خير موضوع.
وأمَّا الخبر المزبور فهو عاميّ، قال في الحدائق: «أنَّه كذب بحت صريح، لتضمّنه دخول بلال الجنّة قبل النبي صلى الله عليه وآله، وقد بيّنا ما فيه من المفاسد في مقدمة كتابنا سلال الحديد في تقييد ابن أبي الحديد».
وعليه، فعدّها حينئذٍ من ذوات الأسباب لذلك لا يخلو من إشكال.
(1) قال السيِّد المرتضى رحمه الله في الانتصار: «يحرم التنفّل بالصَّلاة بعد طلوع الشَّمس إلى الزَّوال»، قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى: «وكأنَّه عنى به صلاة الضحى لذكرها من قبل».
أقول: عبارته في أجوبة المسائل الناصريّة لا تساعد على هذا الحمل، لعدم ذكر صلاة الضحى فيها، ولتصريحه فيها بالنوافل المبتدأة، وأنّه لا يجوز أن يبتدأ بالنوافل في هذه الأوقات.
أقول: ظاهر الأخبار، وإن كان هو التحريم، إلاَّ أنّه لابدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر، وحمله على الكراهة، إلاَّ في الموارد المستثناة، والتي قلنا: إنَّه لا يُكره فيها.
(2) قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى: «يجوز إعادة الصبح والعصر في جماعة، لأنّ لها سبب، ولأنّه روي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله صلّى الصبح، فلما انصرف رأى رجلين في زاوية المسجد، فقال: لِمَ لَمْ تصليا معنا، فقالا: كنَّا قد صلّينا في رحالنا، فقال صلى الله عليه وآله: إذا جئتما فصلّيا معنا، وإن كنتما قد صلّيتما في رحالكما تكن لكما سبحة»[v]f508.
واعترض في الحدائق بما مضمونه : بأن عدّها من ذوات الأسباب مما لم أعرف له وجهاً، إذ الصَّلاة فرادى ليست علّة لاستحباب الإعادة جماعة، بخلاف صلاة الزيارة مثلاً فإنّ علَّتها هي الزيارة، بمعنى أنَّ الشَّارع جعلها لأجلها، وأمَّا الخبر فالظاهر أنَّه عامي، حيث لم أقف عليه في كتب الأخبار؛ وعليه، فالظاهر كراهة هذه الصَّلاة.
أقول: مقتضى الإنصاف هو دعوى انصراف النهي عن الصَّلاة بعد الصَّلاتين عن إعادة نفس الصلاتين.
وعليه، فلا كراهة حينئذٍ، والله العالم.