الدرس217 _مكان المصلي 10
أمّا في الوضوء: فلِأنّ من أجزائه المسح، وهو إمرار الماسح على الممسوح الذي هو عين الحركة، وهي غصب، فيكون منهيّاً عنه، والنهي عنه يوجب بطلانه.
نعم، لو فرض إيقاع المسح خارج المغصوب لصح حينئذٍ، وكذا حركات اليد في الغسل، فإنّها غصب، والنهي عنها يوجب البطلان.
إن قلت: إنّ حركات اليد، وإن كانت محرّمةً، إلاّ أنّه لا يستلزم ذلك بطلان الوضوء، لأنّها ليست أجزاءً، بل هي مقدّمة للغسل الذي هو عبارة عن انتقالِ الماء من جُزْء إلى آخر، فالنهي حينئذٍ عن أمر خارجي، لا مدخليّة له في العبادة.
قلت: إنّ الغسل هو جريان الماء على المغسول، وانتقال الماء من جُزْء إلى آخر، وكلّ منهما حركة توليديّة من المكلَّف في المغصوب، فهي محرمة لا يصحّ تعلّق الأمر بها، فتبطل.
ويؤيِّد ذلك: أنّ أهل العرف لا يتوقّفون في صدق التصرّف عرفاً في المكان المغصوب على نفس الوضوء، والغسل، والانتفاع، بل لو كان مسقط الماء مغصوباً كان كافياً في الصدق المزبور، فضلاً عن نفس الوضوء فيه.
وبالجملة، فلو لم يكن بطلان الطهارة في المكان المغصوب هو الأقوى، فلا أقل من أنّ الأحوط وجوباً ذلك، والله العالم.
(1) وقد حُكي البطلان أيضاً فيهما وفي الكفارة عن الروض والمقاصد العليّة، ويمكن أن يكون السرّ فيه هو أنّ الدفع نفسه هو الإيتاء المشروط بنية القربة.
ولكنَّ الأقرب: أنّ المراد منه الوصول، وأمّا الدفع فهو مقدمة.
ومن هنا جاز التوكيل في إيصال الزّكاة والخمس، ويكون متولِّي النيّة هو الموكِّل، لأنّ الذي أوصل الزكاة بمنزلة الآلة، بل لو وضع الزكاة على الدابة، وأوصلتها الدّابة إلى الفقير لكفى إذا نوى المالك، وكانت نيّته مستمرةً حتى وصول الزّكاة إلى الفقير.
(1) وحُكي البطلان أيضاً عن نهاية الأحكام، والموجز الحاوي، والروض، والمقاصد العليّة، وذكر بعضهم أنّ الوجه في البطلان هو أنّ القراءة في التحقيق تصرّف في الفراغ، لأنّ الألفاظ هي عبارة عن الأصوات المقطَّعة الناتجة عن حركات الفم، فتكون منهيّاً عنها، والنهي عن العبادة يوجب الفساد.
وفيه: أنّ القراءة من الكيفيّات القائمة بالصوت، تحدث بواسطة حركات اللسان، والكيفيّة ليست من التصرّف في المغصوب حتّى تحرم، ولو سلّم بأنّها عين حركات اللسان، إلاّ أنّ شمول ما دلّ على حرمة التصرّف في المغصوب لمثلها محلّ إشكال، بل هو ممنوع، كما لا يخفى.
(2) لأنّ الصوم من العبادات التي لا يقع التصرف فيها بشيءٍ من المكان المغصوب، والانتفاع به حاله لا يقتضي البطلان قطعاً، ولذا جزم بصحته مضافاً للمصنّف R جماعة كثيرة من الأعلام.
وأمّا قضاء الدّين فليس من العبادات فلا إشكال في صحّته في المغصوب، وكذا أقسام المعاملات والإيقاعات فعليّة، وقوليّة، إذ نحو هذه الحرمة فيها لا تستلزم البطلان، والله العالم بحقائق أحكامه.
(1) أقول: يقع الكلام في أمرين:
الأول: في اشتراط طهارة موضع الجبهة.
الثاني: عدمِ اشتراط الطّهارة فيما عدا موضع الجبهة ممّا يصلّي عليه.
أمّا الأمر الأوّل: فالعمدة في اشتراط طهارة موضع الجبهة هو الإجماع المحكي عن جماعة كثيرة، وفي الجواهر: «الإجماع المحكي مستفيضاً، بل متواتراً، إذ ربما زادت حكايته على اثني عشر كتاباً في المقام، وفي كتاب الطهارة، وفي بحث ما يُسجد عليه، بل في التذكرة منها أنّه إجماعُ كلِّ من يحفظ عنه العلم، بل يمكن دعوى تحصيله...».
وفي المدارك: «لنا على طهارة موضع السُّجود اتّفاق العلماء، فإنّ كلّ مَنِ اعتبر الطّهارة في الصّلاة اعتبر طهارة موضع السُّجود، وإنِ اختلفوا فيما عداه، حكى ذلك المصنّف في المعتبر، فإن تمّ فهو الحجّة، وإلاّ أمكن المناقشة في هذا الحكم لعدم الظفر بدليله...».
ولا ينافيه ما حُكيَ عن المحقّّق R في المعتبر من أنّه نقل عن الرّاوندي، وصاحب الوسيلة (رحمهما الله) القول: «بأنّ الأرض والبواري، والحصر، إذا أصابها البول، وجفَّفتها الشّمس، لا تطهر بذلك، لكن يجوز السُّجود عليها، واستجوده».
وفيه: أن رأي المحقّق وابن حمزة (رحمهما الله) ليس كما حكى عنهما، بل ربّما يظهر ممّا نقله عنه في المعتبر أنّه فَهِم منه استثناء السُّجود، فإنّه بعد أن نقل استدلال الشيخ R على الطّهارة بالروايات قال: «وفي استدلال الشّيخ إشكال، لأنّ غايتها الدّلالة على جواز الصّلاة عليها، ونحن لا نشترط طهارة موضع الصّلاة، بل نكتفي باشتراط طهارة موضع الجبهة، ويمكن أن يُقال: الإذن في الصّلاة عليها مطلقاً دليل جواز السُّجود عليها، والسُّجود يُشترط فيه طهارة محلّه».
فإنّ كلامه R صريح في اعتبار مسجد الجبهة، وأنّ ما نقله، واستجوده أوّلاً، هو جواز الصّلاة على الموضع في الجملة، لا جواز السُّجود.
ثمّ لو فرضنا أنّ المحقق R في المعتبر مخالِف، إلاّ أنّ خلافه في خصوص تجفيف الشّمس، ومرجعه إلى حصول العفو به عن السُّجود دون باقي ما يُشترط فيه الطّهارة، فهو في الحقيقة موافق على اشتراط الطّهارة فيه، إلاّ أنّه مخالِف في كيفيّة تأثير الشّمس، بل لعلّ هذا العفو من الطّهارة عنده، فيرجع التجفيف بالشمس مطهِّر بالنسبة إلى شيءٍ دون آخر، وهذا عند التأمّل ليس من الأحكام الشرعية.
والإنصاف: أنّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه.
أضف إلى ذلك: أنّ الإجماع المدّعى من قبل الأعلام منقول بالتواتر، وهو حجّة، وأمّا مخالفة من خالف على فرض وجودها فهي لا تضّر، لا بالتسالم، ولا بغيره.