الدرس66 _اوقات الفرائض والنوافل 46
(1) المشهور بين الأعلام: أنّه لا يجوز تقديم صلاة الليل على النصف إلاّ للمسافر، والشاب الذي يصعب عليه نافلة الليل في وقتها، فيجوز تقديمها على النصف حينئذٍ، بل عن الخلاف: «الإجماع عليه».
وتدلّ عليه النصوص الكثيرة:
منها: صحيحة لَيْث المرادي «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصَّلاة في الصيف في الليالي القِصار، صلاة الليل في أوّل الليل، فقال: نعم، نِعْم ما رأيت، ونِعْم ما صنعت، يعني: في السفر، قال: وسألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر، أو في البرد، فيعجّل صلاة الليل، والوتر، في أوّل الليل، فقال: نعم»[i]f384.
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: إنْ خشيتَ أن لا تقوم في آخر الليل، أو كانت بك علّة، أو أصابك بَرْد، فصلّ وأوتر في أوّل الليل في السفر»[ii]f385.
ومنها: موثّقة سماعة بن مهران «أنّه سأل أبا الحسن الأول عليه السلام عن وقتِ صلاة الليل في السفر، فقال: من حين تصلّي العتمة إلى أن ينفجر الصَّبْح»[iii]f386.
ومنها: صحيحة عبد الرحمان بن أبي نجران في حديث «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصّلاة بالليل في السفر في أوّل الليل، فقال: إذا خفتَ الفوت آخره»[iv]f387.
ومنها: صحيحة يعقوب الأحمر «قال: سألته عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أوّل الليل، قال: نعم، نِعم ما رأيت، ونِعم ما صنعت، ثمّ قال: إنّ الشاب يكثر النوم فأنا آمرك به»[v]f388.
ولا يضرها الإضمار، لأنّها نفس صحيحة لَيْث المتقدِّمة عن أبي عبد الله عليه السلام بزيادة «إنّ الشاب...»، وهو صريح في أنّ العُذْر هو كثرة النوم للشاب، دون الشيخ، فيحمل العكس في خبر أبان بن تغلب على إرادة النشاط وعدمه، أو نحو ذلك «قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ والْمَدِينَةِ، فَكَانَ يَقُولُ: أَمَّا أَنْتُمْ فَشَبَابٌ تُؤَخِّرُونَ، وأَمَّا أَنَا فَشَيْخٌ أُعَجِّلُ، فَكَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ أَوَّلَ اللَّيْلِ»[vi]f389، وقد عبّر عنها أغلب الأعلام بالصحيحة.
ولكنّ الإنصاف: أنّها ضعيفة، لأنّ محمّد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني هو النيشابوري المجهول، وليس هو ابن بزيع الثقة.
ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في حديث «قال: إنّما جازَ للمسافر والمريض أنْ يصلِّيَا صلاةَ الليل في أوّل الليل لاشتغاله، وضَعْفِه، ولِيُحرِزَ صلاته، فيستريح المريض في وقت راحته، وَلِيشتغل المسافر باشتغاله، وارتحاله، وسفره»[vii]f390، ورواه في العِلل، وعيون الأخبار.
وقد عرفت: أنّ إسناده إلى الفضل بن شاذان ضعيف بعدّةٍ من المجاهيل.
ومنها: ما ذكره المصنّف في الذكرى نقلاً عنه كتاب محمّد بن أبي قرّة بإسناده عن إبراهيم بن سيّابة «قال: كتبَ بعضُ أهلِ بيتي إلى أبي محمّدٍ عليه السلام في صلاةِ المسافر أوّل الليل صلاة الليل، فكتبَ: فَضْل صلاة المسافر من أوّل الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل»[viii]f391، ولكنّها: ضعيفة بجهالة طريق الشهيد إلى الكتاب، وبجهالة طريق محمّد بن أبي قرة إلى إبراهيم بن سيّابة، وبجهالة كلّ من محمّد بن أبي قرة، وإبراهيم بن سيّابة، وكذا غيرها من الروايات.
ثمّ إنّ بعضهم عمَّم جواز التقديم لكلّ ذي عذر كالشيخ، وخائف البرد، والاحتلام، والمريض، وذكرت بعض الروايات المتقدّمة الشيخ، كرواية أبان، وبعضها ذكر: المريض، كرواية الصدوق عن الفضل بن شاذان.
ثمّ إنّهم اختلفوا أيضاً في أنّ هذا التقديم هل هو مطلق، وغير مقيَّد بخوف الفوت في آخر وقتها، أو أنّه مقيَّد بخوف الفوت، أو خوف البرد، ونحو ذلك، وذكر بعضهم: أنّه مقيَّد، للتقييد بخوف الفوت، أو خوف البرد، في بعض النصوص.
أقول: إنّما ذكرنا هذه المسألة تبعاً للمصنف، وإلاّ فقد عرفت في المسألة السابقة جواز التقديم مطلقاً مع المرجوحيّة، وذكرنا الروايات الدَّالة على ذلك، وذكرنا أيضاً أنّ الروايات الدّالة على جواز التقديم للمسافر، ونحوه، إنّما هي لرفع المرجوحيّة في حقّهم، أي: إنّ المسافر إذا قدّمها كان كالحاضر الذي أتى بها بعد الانتصاف، من دون نقص في الأجر والثواب.
وبالجملة: فإنّ الأقرب جواز التقديم مطلقاً، ومن هنا قال المصنف: «ولا يبعد توقيت الليليّة، والنّهارية، بطولهما، وإن كان فِعْلهما في المشهور أفضل».
(1) ذكر جماعة كثيرة من الأعلام: أنّه إذا دار الأمر بين تقديم صلاة الليل على وقتها، أو قضائها خارج وقتها، فالقضاء أفضل، واستدلّوا بجملةٍ من الأخبار:
منها: صحيحة مُعَاوِيَة بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام «أنّه قَالَ: قُلْتُ لَه: إِنَّ رَجُلاً مِنْ مَوَالِيكَ مِنْ صُلَحَائِهِمْ شَكَا إِلَيَّ مَا يَلْقَى مِنَ النَّوْمِ، وقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ الْقِيَامَ بِاللَّيْلِ (للصَّلَاةِ)، فَيَغْلِبُنِي النَّوْمُ، حَتَّى أُصْبِحَ، ورُبَّمَا قَضَيْتُ صَلَاتِي الشَّهْرَ مُتَتَابِعاً (المتتابع)، والشَّهْرَيْنِ أَصْبِرُ عَلَى ثِقَلِه، فَقَالَ: قرة عين، والله قرة عين (قُرَّةُ عَيْنٍ لَه واللَّهِ خ ل)، قَالَ: ولَمْ يُرَخِّصْ فِي النوافل (لَه فِي الصَّلَاةِ) أَوَّلِ اللَّيْلِ، وقَالَ: الْقَضَاءُ بِالنَّهَارِ أَفْضَلُ»[ix]f392، ورواه الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن معاوية بن وهب، ورواه الشيخ بإسناده عن حمّاد بن عيسى، مثله، وزادا: «قُلْتُ: فَإِنَّ مِنْ نِسَائِنَا أَبْكَاراً الْجَارِيَةَ، تُحِبُّ الْخَيْرَ وأَهْلَه، وتَحْرِصُ عَلَى الصَّلَاةِ، فَيَغْلِبُهَا النَّوْمُ حَتَّى رُبَّمَا قَضَتْ، ورُبَّمَا ضَعُفَتْ عَنْ قَضَائِه، وهِيَ تَقْوَى عَلَيْه أَوَّلَ اللَّيْلِ فَرَخَّصَ لَهُنَّ فِي الصَّلَاةِ أَوَّلَ اللَّيْلِ، إِذَا ضَعُفْنَ وضَيَّعْنَ الْقَضَاءَ»[x]f393، والرواية صحيحة بطريق الشيخ الصدوق والكليني وحسنة بطريق الشيخ.
ومنها: رواية عمر بن حنظلة «أنّه قال لأبي عبد الله عليه السلام: إنِّي مكثتُ ثمانية عشر ليلة أنوي القيام فلا أقوم، أفأصلي أوّل اللّيل؟ قال: لا، إقضِ بالنّهار، فإنّي أكره أن تتخذ ذلك خُلُقاً»[xi]f394، وهي ضعيفة بعمر بن حنظلة، وأيضاً في إسناد الصدوق إليه: الحسين بن أحمد بن إدريس، وهو لم يوثّق صريحاً.
[i] الوسائل باب 44 من أبواب المواقيت ح1.
[ii] الوسائل باب 44 من أبواب المواقيت ح2.
[iii] الوسائل باب 44 من أبواب المواقيت ح5.
[iv] الوسائل باب 44 من أبواب المواقيت ح7.
[v] الوسائل باب 44 من أبواب المواقيت ح17.
[vi] الوسائل باب 44 من أبواب المواقيت ح18.
[vii] الوسائل باب 44 من أبواب المواقيت ح3.
[viii] الوسائل باب 44 من أبواب المواقيت ح19.
[ix] الوسائل باب 45 من أبواب المواقيت ح1.
[x] الوسائل باب 45 من أبواب المواقيت ح1 و2.
[xi] الوسائل باب 45 من أبواب المواقيت ح3.