الدرس 189 _زكاة الفِطرة 22
والسِّرّ فيه: هو ذِكْر اللَّبن في صحيحة زرارة وابن مسكان وعدم ذكره في الرِّوايات المتقدِّمة، وهذا يدلّ على عدم كون ذكر الأصناف السبعة في مقام الحصر، بل ذكرت على سبيل المثال لمطلق القوت.
وممَّا يشهد لما ذكرنا أيضاً ذكر الزَّبيب في صحيحة زرارة وابن مسكان الَّذي هو مصداق للقوت الغالب بالمعنى الَّذي ذكرناه الدَّالّ على أنَّ ذكره في الرِّوايات المتقدِّمة هو من باب المثال للقوت الغالب لا بما هو هو.
ويشهد لما ذكرنا أيضاً ذكر الأَقِط فقط لأصحاب الإبل والبقر والغنم، كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: يُعطِي أصحاب الإبل والغنم والبقر في الفِطْرة من الأَقِط صاعاً»([1])، فهو مذكور على سبيل المثال؛ لكونه من القوت الغالب، وإلاَّ فلا يُحتمل أن يكون الأَقِط واجباً عليهم بالخصوص دون بقيّة الأصناف من الحنطة والتَّمر ونحوهما.
فيُفهم منه: أنَّ المناط هو القوت الغالب، وأنَّ ذِكْر الأَقِط؛ لكونه منه، لا لخصوصيّة فيه.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ المناط هو كلُّ ما كان قوتاً غالباً بالمعنى الَّذي ذكرناه، سواء أكان من الأصناف السَّبعة أم لا.
نعم، الأحوط الأَولى أن تكون من الأصناف الأربعة: الحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب إذا كان قوتاً غالباً، والله العالم بحقائق أحكامه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وأفضله التَّمر(1)
(1) ذهب إلى ذلك أكثر الأعلام، قال ابن بابويه والشَّيخان وابن أبي عقيل (رحمهم الله) : «إنَّ أفضل ما يُخرج التَّمر...».
أقول: الرِّوايات الواردة في أفضليّة التَّمر مستفيضة جدّاً:
منها: صحيحة هشام بن الحكم عن الصادق (عليه السلام) «أنَّه قَاْل: التَّمر في الفِطْرة أفضل من غيره؛ لأنَّه أسرع منفعةً؛ وذلك أنَّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه، قال: ونزلت الزَّكاة ليس للنَّاس أموال، وإنَّما كانت الفِطْرة»([2]).
ومنها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث في صدقة الفِطْرة «قَاْل: وقَاْل: التَّمر أحبُّ ذلك إليَّ يعني من الحنطة والشعير والزبيب »([3]).
ومنها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: سألتُه عن صدقة الفِطْرة، قَاْل: صاع من تمر إلى أن قَاْل والتَّمر أحبُّ إليَّ»([4]).
ومنها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار «قَاْل: سألتُ أبا الحسن (عليه السلام) عن صدقة الفِطْرة، قَاْل: التَّمر أفضل»([5]).
ومنها: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «أنَّه سأله عن صدقة الفِطْرة، فقال: التَّمر أحبُّ إليَّ، فإنَّ لك بكلِّ تمرةٍ نخلة في الجنَّة»([6])، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.
ومنها: رواية إسحاق بن المبارك عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في حديث الفِطْرة «قَاْل: صدقة التَّمر أحبُّ إليَّ؛ لأنَّ أبي (عليه السلام) كان يتصدَّق بالتَّمر، ثمَّ قَاْل: ولا بأس بأن يجعلها فضَّةً، والتَّمر أحبُّ إليَّ»([7])، وهي ضعيفة بعدم وثاقة إسحاق بن المبارك.
ومنها: رواية زيد الشّحَّام «قَاْل: قَاْل أبو عبد الله (عليه السلام): لإِنْ أُعطِي صاعاً من تمر أحبُّ إليَّ من أن أُعطِي صاعاً من ذهب في الفِطْرة»([8])، وهي ضعيفة بعدم وثاقة محمَّد بن حمدان الكوفيّ، وعدم وثاقة عمارة بن مروان.
ومنها: مرسلة الشَّيخ الصدوق (رحمه الله) في الفقيه «قَاْل: قَاْل الصَّادق (عليه السلام): لإن أُعطِي في الفِطْرة صاعاً من تمر أحبُّ إليَّ من أن أُعطى صاعاً من تبر»([9])، وهي ضعيفة بالإرسال.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ثمَّ الزَّبيب(1)
(1) كما ذهب إليه كثير من الأعلام، بل الأكثر؛ وذلك للتَّعليل في صحيحة هشام بن الحكم المتقدِّمة، بقوله (عليه السلام): «لأنَّه أسرع منفعة؛ وذلك أنَّه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه...»، فهو إن كان يقتضي المساواة بينه وبين التَّمر في الفضل، لوجود العلّة نفسها في التمر والزبيب، إلاَّ أنَّ صحيحة الحلبيّ المتقدِّمة صرّحت بأفضليَّة التَّمر من الزَّبيب، كما أنَّ اختصاص التَّمر بكثير من الرِّوايات يدلّ على خصوصيّة غير موجودةٍ في غيره.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ثمَّ القوت الغالب. وفي الخلاف: المستحبّ القوت الغالب(1)
(1) المعروف بينهم أنَّ الأفضل بعد الزَّبيب هو القوت الغالب لمؤدِّي الزكاة.
وقدِ استدلّ له بمكاتبة الهمدانيّ المتقدِّمة. ولكنَّها ضعيفة كما عرفت، كما أنَّها ظاهرة في مراعاة قوت البلد، لا قوت الإنسان نفسه الَّذي لا طريق إلى تعيينه.
([1]) الوسائل باب 6 من أبواب زكاة الفطرة ح2.
([2]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الفطرة ح8.
([3]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الفطرة ح1.
([4]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الفطرة ح3.
([5]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الفطرة ح4.
([6]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الفطرة ح5.
([7]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الفطرة ح2.
([8]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الفطرة ح6.
([9]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الفطرة ح7.