الدرس 115 _اصناف المستحقين للزكاة 16
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجوز صرفها إلى المكاتب، وإلى سيِّده، بعد حلول النَّجم وقبله، إذا لم يجد ما يصرفه في كتابته (1)
(1) يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: هل يُعتبر في إعطاء الزَّكاة للمكاتب أن يكون عاجزاً عن أداء مال الكتابة أم لا؟
الثَّاني: هل يتخيَّر في الدَّفع إلى كلٍّ من المولى وعبده، أم يتعيَّن دَفْع الزَّكاة إلى المولى؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فبناءً على ما ذهبنا إليه من جواز الدَّفع في مطلق العِتق من غير الاختصاص بالثَّلاثة أو الأربعة، فالأمر سهل، أي لا يُعتبر كون المكاتب عاجزاً عن أداء مال الكتابة.
وأمَّا على مبنى المشهور من الاختصاص بالأصناف الثَّلاثة أو الأربعة المتقدِّمة فيُعتبر العجز حينئذٍ، بل في الجواهر: «بلا خلاف محقَّق أجده...»، واعتبر المصنِّف (رحمه الله) في البيان قصور كَسْبه عن مال الكتابة، فلا يكفي مجرَّد عدم كونه بالفعل واجداً للمال.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّه حتى على مبنى المشهور فالأقوى عدم اعتبار عجزه عن أداء مال الكتابة؛ وذلك لأنَّ دليلهم على اعتبار العجز هي مرسلة الشيخ الصدوق (رحمه الله) وأبي إسحاق المتقدِّمة عن بعض أصحابنا عن الصَّادق (عليه السلام) «قَاْل: سُئل الصَّادق (عليه السلام) عَنْ مكاتبٍ عَجِزَ عَنْ مُكَاتبتِه، وقَدْ أدَّى بعضَها، قال: يُؤدِّي عَنْه مِنْ مال الصَّدقة، إنَّ الله (عز وجل) يقول في كتابه: « وَفِي الرِّقَابِ ﴾»([1])، وهي لا تصلح لتقييد الآية الشَّريفة مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند ؛ لأنَّ التَّقييد بالعجز عن الأداء وقع في كلام السَّائل، وأمَّا الجواب فهو مطلق.
وعليه، فيجوز أن يكون مورد السُّؤال في المرسلة هو أحد الأفراد، فلا يُنافي المطلق.
ومن هنا تعرف أنَّه لا فرق في جواز الإعطاء بين أن يكون بعد حلول النَّجم أي الدَّين أو قبله؛ لإطلاق الآية الشَّريفة، خلافاً لما قيل من توقُّف الإعطاء على حلول النَّجم، فلا يجوز قبله لانتفاء الحاجة في الحال، فلا يصدق العجز.
وفيه: ما عرفته من عدم اعتبار العجز؛ وذلك لإطلاق الآية الشَّريفة، والله العالم.
الأمر الثاني: حكى صاحب المدارك (رحمه الله) عن العلاّمة (رحمه الله) في المنتهى أنه قال: «ويجوز الدفع إلى السيد بإذن المكاتب، وإلى المكاتب بإذن السيد وبغير إذنه. ثم قال صاحب المدارك : وهو حسن، بل لا يبعد جواز الدفع إلى السيد بغير إذن المكاتب أيضاً، لعموم الآية». يقصد بالعموم الإطلاق، وهو في غاية الصحة والمتانة. والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويقبل قوله في المكاتبة إلاَّ أن يُكذِّبه السّيِّد(1)
(1) إذا ادَّعى المكاتبة، فإن عُلم صِدْقه أو أقام بينةً فلا كلام، وأمَّا إذا لم يعلم صِدْقه، ولم يُقِم بيّنةً، فإن كذَّبه سيُّده فالمعروف بين الأعلام أنَّه لا يقبل قول العبد في المكاتبة؛ لأنَّ الأصل بقاء الرِّقيّة، أي أنَّ الأصل عدم المكاتبة، وهذا هو الإنصاف.
وإن لم يعلم حال السيِّد من تصديق أو تكذيب إمَّا لفَقْده أو غير ذلك، قال في المدارك: «وعلَّله المصنِّف في المعتبر والعلاَّمة في التَّذكرة والمنتهى: بأنَّه مُسلِم أخبر عن أمر ممكن، فيقبل قوله كالفقير، وبأصالة العدالة الثَّابتة للمسلم...».
وبالمقابل حُكِي القول عن البعض: بأنَّه لا يُقبل قوله إلاَّ بالبيِّنة أو يحلف.
أقول: أمَّا تعليل المحقِّق في المعتبر والعلاَّمة (رحمهما الله) في التَّذكرة والمنتهى القبول: «بأنَّه مُسلِم... » وبأصالة العدالة، ففي غير محلِّه؛ إذ لا دليل على قبول قول المسلم مطلقاً إذا أخبر عن أمر ممكن، كما أنَّه لا دليل على أصالة العدالة الثَّابتة للمسلم.
فالإنصاف: أنَّه لا يُقبل قوله إلاَّ بالبيّنة أو بخبر الثِّقة، حيث إنَّه حُجَّة في الموضوعات، ولا وجه لقيام الحَلْف مقام البيِّنة؛ لعدم كون المقام من التَّنازع حتى نحسم الخلاف بالاستحلاف؛ هذا كلُّه إذا لم يعلم حال السيِّد من تصديق أو تكذيب، وقد عرفت الحال فيما لو كذّبه.
وأمَّا لو صدَّقه سيُّده، فالمعروف بين الأعلام أنَّه يُقبل قوله، وفي الجواهر: «بلا خلاف، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب...».
أقول: هذا هو الإنصاف؛ وذلك لقاعدة: مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به، وبما أنَّ السيِّد يملك عبده فيملك الإقرار بكتابته.
نعم، هذا متفرِّع على إحراز مالكيَّته للعبد، وإلاَّ فمجرَّد صدور تصديق لمدَّعي الكتابة من شخص لم يعرف كونه مالكاً له لا يكفي في ثبوت دعواه، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 44 من أبواب المستحقين للزكاة ح1، وذيل ح1.