الدرس239 _مكان المصلي 32
(1) قال المصنّف R في الذكرى: «لو احتاج في الدفع إلى القتال لم يجز، ورواية أبي سعيد الخدري، وغيره عن النبي C: فإنْ أبى فَلْيقاتله، فإنّما هو شيطان[i]f694 للتغليظ أيضاً، أو تُحمَل على دفاع مغلّظ لا يؤدّي إلى حرج (جرح خ ل)، ولا ضرر».
ولا يخفى أنّ هذه الرّواية التي ذكرها المصنّف R من روايات العامّة التي لا يعتدّ بها أصلاً.
نعم، روى في كتاب دعائم الإسلام عن عليّ N «أنّه سُئل عن المرور بين يدي المصلّي، فقال: لا يقطع الصّلاة شيء، ولا تدع من يمرّ بين يديك»[ii]f695، والموجود في البحار بزيادة: «وإن قاتلته».
ومهما يكن، فالرّواية ضعيفة بالإرسال، بالإضافة إلى أنّها محمولة على ما ذكره المصنّف R في الذكرى من التغليظ، والمبالغة في الدفع.
ثمّ إنّ الظّاهر كون المرور ونحوه حكمة في السّترة، لا علة، بحيث لا تستحبّ السّترة حيث يعلم عدم حضور أحد، أو مروره.
وممّا يدلّ على كون المرور حكمة في السّتر، لا علة: بعض الأخبار المتقدّمة، والتي منها معتبرة السّكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه S «قال: قال رسول الله C: إذا صلّى أحدكم بأرضِ فلاةٍ فَلْيجعل بين يديه مثل مؤخّرة الرّجل، فإنْ لم يجد فحجراً، فإن لم يجد فسهماً، فإن لم يجد فليخطّ في الأرض بين يديه»[iii]f696، والذي يصلّي بأرض فلاةٍ يطمئن عادة بعدم مرور أحد.
(1) قال المصنّف R في الذكرى: «سترة الإمام سترة لِمَنْ خلفه، لأنّ النبي C لم يأمر المؤتمّين بسترة[iv]f697، ولأنّ ظهر كلّ واحد منهم سترة لصاحبه».
أقول: الرّواية النبوية لم ترد من طرقنا، وإنّما وردت من طرق العامّة، فلا اعتبار بها.
وأمّا تعليله بأنّ ظهر كلّ واحد منهم سترة لصاحبه، فلو تمّ فإنّما يتمّ في الصفّ الثاني، وما بعده، وأمّا الصفّ الأوّل فيبقى مشمولاً لعموم أدلّة السّترة، والله العالم.
(1) المعروف بين الأعلام عدم الفرق بين مكّة، وغيرها، في استحباب السّترة، وقد نسب العلاّمة R في المنتهى الخلاف في المسألة إلى أهل الظاهر.
وقد خالف هو في التذكرة، حيث قال: «لا بأس أن يصلّي في مكّة بغير سترة، لأنّ النبي C صلّى هناك، وليس بينه وبين الطّواف سترة، ولأنّ النّاس يكثرون هناك لأجل المناسك، ويزدحمون، وبه سُميت بكّة لتباكِّ النّاس فيها، فلو منع المصلّي من يجتاز بين يديه ضاق على النّاس ثم قال: وحكم الحرم كلّه كذلك، لأنّ ابن عباس قال: أقبلتُ راكباً على حمارِ أتان، والنبي C يصلّي بالنّاس بمنى إلى غير جدار، ولأنّ الحرم محلّ المشاعر والمناسك».
قال المصنِّف R في الذكرى بعد نقل ذلك عنه وقد روى في الصّحاح أنّ النبي C صلّى بالأبطح، فركزت له عنزة، رواه أنس وأبو جحيفة[v]f698، ولو قيل: السّترة مستحبة مطلقاً، ولكن لا يمنع المارّ في مثل هذه الأماكن لِمَا ذكر، كان وجهاً».
أقول: ما تمسّك به العلاّمة R في التذكرة، والمصنّف R في الذكرى، من الأخبار العاميّة، فيه ما فيه، بل هو عجيب من أمثالهما.
والصحيح: وإن كان ما ذكراه، إلاّ أنّ المستند في المسألة صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة «قال: قلتُ لأبي عبد الله N: أقوم أصلّي بمكّة والمرأة بين يدي جالسة أو مارّة، فقال: لا بأس، إنّما سمّيت بكّة، لأنّه يبكّ فيها الرجال والنّساء»[vi]f699، والله العالم بحقائق أحكامه.
تم الانتهاء منه عصر يوم السبت 19 ذي الحجة سنة 1436هـــ. الموافق 3 تشرين أول سنة 2015م وذلك في بيروت حارة حريك.
(1) في المدارك: «أمَّا أنَّ الصَّلاة المكتوبة في المسجد أفضل من المنزل فهو موضع وفاقٍ بين المسلمين، بل الظّاهر أنّه من ضروريات الدّين»، وفي الجواهر: «بلا خلاف بين المسلمين، بل هو مجمع عليه بينهم، بل لعلّه من ضروريات الدّين...».
أقول: الأخبار الدَّالة على ذلك فوق حدّ الإحصاء:
منها: صحيحة جابر عن أبي جعفر N «قال: قال رسول الله C لجبرئيل N: يا جبرئيل!: أيّ البقاع أحبّ إلى الله عز وجلّ؟ قال: المساجد، وأحبّ أهلها إلى الله أوّلهم دخولاً، وآخرهم خروجاً منها»[vii]f700.
ومنها: معتبرة السّكوني عن جعفر بن محمّد عن أبيه N «قال: قال النبي C: مَنْ كان القرآن حديثه، والمسجد بيته، بنى الله له بيتاً في الجنّة»[viii]f701.
ومنها: مرسلة الحسن بن محمد الديلمي في الإرشاد عن عليّ N «قال: الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنّة، لأنّ الجنّة فيها رضى نفسي، والجامع فيه رضى ربي»[ix]f702، وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله N «قال: سأله ابن أبي يعفور كم أُصلّي؟ فقال: صلّ ثمان ركعات عند زوال الشّمس، فإنّ رسول الله C قال: الصّلاة في مسجدي كألف في غيره، إلاّ المسجد الحرام، فإنّ الصّلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي»[x]f703.
ومنها: صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله N «قال: قال رسول الله C: الصّلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة في غيره إلاّ المسجد الحرام فإنّه أفضل منه»[xi]f704.
ومنها: رواية هارون بن خارجة «قال: الصّلاة في مسجد الرّسول C تعدل عشرة آلاف صلاة»[xii]f705، ولكنّها ضعيفة، فإنّها مقطوعة، مضافاً إلى جهالة أبي سلمة.
ومثلها رواية أبي الصامت «قال: قال أبو عبد الله N:صلاة في مسجد النبي C تعدل بعشرة آلاف صلاة»[xiii]f706، وهي ضعيفة أيضاً بجهالة أبي الصامت.
ونحوها رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله N عن رسول الله C، حيث ورد فيها: «وصلاة في مسجدي تعدل عشرة آلاف صلاة فيما سواه من المساجد إلاّ المسجد الحرام...»[xiv]f707 وهي ضعيفة بسهل بن زياد.
ومنها: رواية مسعدة بن صدقة عن الصّادق جعفر بن محمّد N عن آبائه S «قال: قال رسول الله C: صلاة في مسجدي هذا تعدل عند الله عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد إلاّ المسجد الحرام، فإنّ الصّلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة»[xv]f708، ولكنّها ضعيفة بمسعدة بن صدقة، فإنّه غير موثق.
ومنها: معتبرة السّكوني عن أبي عبد الله N عن آبائه S «قال: الصّلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة»[xvi]f709.
[i] الوسائل باب 19 من أبواب أحكام المساجد ح4.
[ii] الوسائل باب 19 من أبواب أحكام المساجد ح6.
[iii] الوسائل باب 19 من أبواب أحكام المساجد ح7.
[iv] الوسائل باب 19 من أبواب أحكام المساجد ح2.
[v] الوسائل باب 19 من أبواب أحكام المساجد ح1.
[vi] الوسائل باب 19 من أبواب أحكام المساجد ح3.
[vii] الوسائل باب 25 من أبواب أحكام المساجد ح3.
[viii] الوسائل باب57 من أبواب الوضوء ح1.
[ix] الوسائل باب 14 من أبواب أحكام المساجد ح1.
[x] الوسائل باب 14 من أبواب أحكام المساجد ح3.
[xi] الوسائل باب 54 من أبواب الطواف ح1.
[xii] الوسائل باب 14 من أبواب أحكام المساجد ح2.
[xiii] كمال الدين وتمام النعمة: باب خبر قسّ بن ساعدة الأيادي ح22 ص 165 ط الأعلمي.
[xiv] الوسائل باب 35 من أبواب قواطع الصلاة ح1.
[xv] الوسائل باب 18 من أبواب أحكام المساجد ح2.
[xvi] الوسائل باب 18 من أبواب أحكام المساجد ح6.