الدرس229 _مكان المصلي 22
ومنها: رواية صفوان: «فصلِّ ركعتين عند الرأس»[i]f573، ولكنّها ضعيفة بالإرسال، وبأحمد بن عبد الله بن قضاعة.
ومنها: موثّقة ابن فضّال «قال: رأيت أبا الحسن N وهو يريد أن يودّع للخروج إلى العمرة، فأتى القبر من موضع رأس رسول الله C بعد المغرب، فسلَّم على النبي C، ولزق بالقبر، ثمَّ أتى المنبر، وانصرف حتّى أتى القبر، فقام إلى جانبه يصلّي، وألصق منكبه الأيسر بالقبر قريباً من الأُسْطُوانَة التي دون الأُسْطُوانَة المخلقة التي عند رأس النبي C، فصلّى ستّ ركعات، أو ثماني ركعات في نعليه...»[ii]f574، ومن أظهر مصاديق إطلاقها المحاذاة.
ثمّ إنّه لا دليل على كراهة المحاذاة.
والخلاصة إلى هنا: أنّ الأقوى هو جواز المحاذاة بلا كراهة.
بقي شيء في المقام: وهو أنّه هل يرتفع حكم التقدُّم على قبور المعصومين N حرمة، أو كراهة، وكذا حكم المساواة لو قلنا به، بحيلولة الشبابيك وشبهها، ممَّا هي موضوعة على قبورهم من صندوق، ونحوه.
مال صاحب الجواهر R إلى الارتفاع حيث قال: «وعليه، قد يُقال: بعدم البطلان في هذه الأزمنة، لوجود الحائل من الصندوق، والثياب، والشبابيك، ونحوها، واحتمال سريان حكم القبر إليها، باعتبار معاملتها معاملته في التعظيم، وغيره، لا تساعده الأدلّة».
وفيه: أنَّ المتبادر من النهي عن التقدّم على قبورهم، أو محاذاتها، أو الأمر بالصّلاة خلفها، أو عن يمينها أو شمالها، إنّما هو إرادتها ولو مع اشتمالها على مثل هذه الأمور، كما هو الغالب في قبورهم، لا سيّما أنّ هذه الأمور معدودة من توابع القبر، فهي كثياب المصلّي المعدودة من توابعه، والله العالم».
الجهة الثالثة: في حكم التأخّر عنه، وقد عرفت عند الكلام عن الجهة الثالثة في الصّلاة إلى القبر سواء أكان قبر معصوم أم غيره أنّ الأقوى: هو الجواز على كراهة، جمعاً بين الأخبار، فراجع، ولسنا بحاجة إلى الإعادة.
(1) قال المصنِّف R في الذكرى: «فرع: لو صلّى على ظهر القبر كره أيضاً، ولو تكرّر الدفن فيه، والنبش، وعلم نجاسة التراب بالصديد، وتعدّى إلى المصلِّي امتنع، وإلاّ فلا»، وذكر مثله الشهيد الثاني R في الروض.
أقول: أمّا كراهة الصّلاة على القبر فقد تقدّم الكلام عنها، وذكرنا ما يدلّ عليها، فراجع.
وأمّا إذا علم نجاسة التراب بالصديد، وتعدّى إلى المصلّي، أو وقعت عليه الجبهة، فقد اتّضح حكمه أيضا ممّا تقدم، حيث اشترطنا في صحة الصّلاة طهارة بدن المصلّي ولباسه، كما اشترطنا طهارة موضع الجبهة مطلقاً، فراجع ما ذكرناه، والله العالم بحقائق أحكامه.
(1) المشهور بين الأعلام الجواز من غير كراهةٍ في البِيَع والكنائس، وفي الجواهر: «عند المشهور بين الأصحاب نقلاً، إن لم يكن تحصيلاً، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا...».
ونقل عن ابن إدريس R، وسلاّر R، وابن البرّاج R: «أنّهم كرهوا الصّلاة في البِيَع والكنائس، محتجّين بعدم انفكاكها من النجاسة...».
وعن جماعة من الأعلام منهم الفاضل وثاني المحققين والشهيدين قدس الله أسرارهم «أنه يستحبّ الرشّ فيهما، كما هو مقتضى الأمر في الرواية...».
أقول: هناك جملة من الرّوايات دلّت على جواز الصّلاة مطلقاً:
منها: صحيحة العيص بن القاسم «قال: سألت أبا عبد الله N عن البِيَع والكنائس يصلَّى فيها؟ قال: نعم، وسألته هل يصلح بعضها مسجداً؟ فقال: نعم»[iii]f575.
ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله N في حديث «قال: سألتُه عن الصّلاة في البِيَعة، فقال: إذا استقبلت القبلة فلا بأس به»[iv]f576.
ومنها: رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي S قال: لا بأس بالصّلاة في البِيَعة، والكنيسة، الفريضة والتطوّع، والمسجد أفضل»[v]f577، ولكنّها ضعيفة بأبي البختري.
ومنها: رواية حكم بن الحكم «قال: سمعتُ أبا عبد الله N يقول: وسُئِل عن الصّلاة في البِيَع والكنائس، فقال: صلّ فيها، قد رأيتها ما أنظفها! قلت: أيصلّى فيها وإن كانوا يصلّون فيها؟ فقال: نعم، أمَا تقرأ القرآن: «قلّ كلّ يعلم على شاكلته فربّكم أعلم بمَنْ هو أهدى سبيلا﴾، صلّ إلى القبلة وغرّبهم»[vi]f578، ولكنّها ضعيفة بجهالة حكم بن الحكم.
نعم، لو كان هو الحكم بن الحكيم لكانت الرّواية صحيحة.
وهذه الرّوايات ظاهرة في الجواز بلا كراهة، لكن هناك روايتان يظهر منهما كراهة الصلاة بدون الرشّ:
الأُولى: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله N «قال: سألت أبا عبد الله N عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْبِيَعِ والْكَنَائِسِ، فَقَالَ رُشَّ، وصَلِّ، قَالَ وسَأَلْتُه عَنْ بُيُوتِ الْمَجُوسِ، فَقَالَ: رُشَّهَا وصَلِّ»[vii]f579.
والثانية: صحيحته الأخرى «عن أبي عبد الله N قال: سألته عن الصّلاة في البِيَع والكنائس وبيوت المجوس، فقال: رشّ، وصلّ»[viii]f580.
ومقتضى القاعدة حَمْل الرّوايات المجوِّزة على التقييد، أي يُكره بدون الرشّ.
وتوضيحه: أنّ المتبادِر من الرّوايات المجوِّزة كون الأمر فيها لدفع توهّم الحظر، أي للرخصة ونفي البأس، لا الوجوب، أو الاستحباب، والمتبادر إلى الذهن من الأمر بالرشّ هو شرطيّة صحّة الصّلاة فيها، فيكون قوله N «رشّ وصلّ» بمنزلة ما لو قيل في جوابه: إن رششت فلا بأس بصلاتك.
ومقتضاه: بطلان الصّلاة عند ترك الرشّ، وحيث علم بدليل خارج أنّ الصّلاة لا تبطل بدونه، وجب حَمْله على إرادة ما يشبه الفاسد، وليس هو إلاّ المكروه.
والحاصل: أنّه مع الرشّ تكون الصّلاة فيهما كباقي الأماكن، ومع عدمه ينقص ما أُعِدّ لطبيعة الصّلاة من الثواب.
وهذا هو المراد من الكراهة في العبادة.
ثمّ إنّه هل يُشترط إذن أهل الذمّة في ذلك، أم لا؟
احتمل المصنّف R في الذكرى توقّفها على إذن أهل الذمّة، تبعاً لغرض الواقف، وعملاً بالقرينة.
وفيه: أنّه مدفوع بإطلاق النصوص، مع عدم ثبوت جريان ملكهم عليها، وأصالة عدم احترامها، مع أنّه لو ثبتت مراعاة غرض الواقف اتّجه المنع مطلقاً، إلاّ أنْ يُعلم إناطة ذلك برأي الناظر فيتّجه اعتبار إذنه خاصّة.
ولقد أجاد بعض الأعلام حيث قال: «بل لو علم اشتراطهم عند الوقف عدم صلاة المسلمين فيها كان شرطهم فاسداً باطلاً، وكذا الكلام في مساجد المخالفين، وصلاة الشّيعة فيها».
(1) قد عرفت كراهة الصّلاة في البِيَع والكنائس مع عدم الرشّ إذا لم تكن مصوّرة، وأمّا إذا كانت مصوّرة فيُكره قطعاً من حيث الصُوَر أيضاً.
[i] الوسائل باب 17 من أبواب مكان المصلي ح6.
[ii] الوسائل باب 31 من أبواب مكان المصلي ح2.
[iii] الوسائل باب 33 من أبواب مكان المصلي ح1.
[iv] الوسائل باب 33 من أبواب مكان المصلي ح3.
[v] الوسائل باب 17 من أبواب مكان المصلي ح1.
(2 5) الوسائل باب 17 من أبواب مكان المصلي ح2 و4 و6 و5.
[vi] المستدرك باب 12 من أبواب مكان المصلي ح2.
[vii] كنز العمال ج4، ص74، تحت رقم 1484.
(1 2) الوسائل باب23 من أبواب مكان المصلي ح2 و4.
(1 4) الوسائل باب23 من أبواب مكان المصلي ح5 و8 و9 و10.
[viii] الوسائل باب 23 من أبواب مكان المصلي ح1.