الدرس 1239 _كتاب الصوم 39
ويجب على هذا في كلِّ سنةٍ شهرٌ بحسب ظنّه (1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يجب على الجاهل بالشُّهور في كلِّ سنةٍ شهرٌ بحسب ظنِّه؛ لأنَّه مُكلَّفٌ بصيام شهر رمضان.
فإنْ أمكنه تحصيل الظَّنّ به، فيعمل على طبقه، لتعذُّر العلم. ثمَّ إنِ استمرّ الاشتباه، أو ظهر موافقته للشَّهر، أجزأه؛ لأنَّه أدّى الغرض شرعاً، مع عدم ظُهور المُخالفة، فيجب الحكم بالإجزاء. وإن ظهر التّأخُّر، فيُجزيه أيضاً، كما لو صام في ذي القعدة، فيكون قد أتى بالقضاء بعنوان الأداء. وإن ظهر التّقدُّم، كما لو صام رجب، فلا يُجزيه، ولابُدّ من قضائه.
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده، بل الإجماع في محكيّ التَّذكرة، والمُنتهى عليه...»[1].
وفي المدارك: «وهذه الأحكام كلّها إجماعيّة على ما نقله العلاَّمة في التَّذكرة والمُنتهى...»[2].
أقول: إنَّ مُقتضى القاعدة عدم حُجِّيّة الظَّنّ، فكيف يعمل بظنّه؟!
وعليه، فلو لم يقم دليل بالخُصوص على حُجِّيّة الظَّنّ في هذه المسألة لكان مُقتضى القاعدة هو العمل بالاحتياط؛ لتنجُّز العلم الإجماليّ، حيث يعلم إجمالاً بوجوب صوم شهر من شُهور السَّنة، فلابُدّ من صوم كلّ الشُّهور. وإذا تعذَّر الاحتياط التَّامّ، أو تعسَّر، فيصوم إلى أن يحصل له التّعذُّر، أو التّعسُّر، ولا يسقط التَّكليف.
هذا هو مقتضى القاعدة.
ولكن قام الدَّليل هنا بالخُصوص على حُجِّيّة هذا الظَّنّ، كما قام في الظَّنّ بالقبلة والظَّنّ بعدد الرّكعات.
والدَّليل هنا هو صحيحة عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: قلتُ له: رجلٌ أسرته الرُّوم، ولم يصحَّ له شهر رمضان، ولم يدرِ أيَّ شهرٍ هو؟ قَاْل: يصوم شهراً يتوخَّى (يتوخّاه) ويحسب، فإن كان الشَّهر الَّذي صامه قبل شهر رمضان لم يُجزه، وإن كان بعد شهر رمضان أجزأه»[3]. يتوخَّاه، أي يتحرَّاه ويظنّه.
ونحوها مرسلة المُقنعة عن الصَّادق (عليه السلام) «قَاْل: إنَّه سُئِل عن رجل أسرته الرُّوم، فحُبِس، ولم يرَ أحداً يسأله، فاشتبهت عليه أُمور الشُّهور، كيف يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال: يتحرَّى شهراً فيصومه يعني: يصوم ثلاثين يوماً ثمَّ يحفظ ذلك، فمتى خرج أو تمكّن من السُّؤال لأحد، نظر، فإن كان الَّذي صامه كان قبل شهر رمضان لم يُجْزِ عنه، وإن كان هو هو فقد وُفِّق له، وإن كان بعده أجزأه»[4].
ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.
أضف إلى ذلك: أنَّ هناك تسالماً على العمل بالظَّنّ هنا.
ثمَّ لا يخفى عليك: أنَّ ذكر الأسير في الصَّحيحة إنَّما هو من باب المثال؛ إذ لا خصوصيَّة له عند العرف، كما لا خُصوصيَّة في كون الأسر من الرُّوم.
وعليه، فيُتعدَّى إلى المحبوس ونحوه ممَّن لا يعرف شهر رمضان لأيّ سببٍ من الأسباب.
يبقى إشكال في المقام، وحاصله: أنَّ شرط صحَّة القضاء كونه بنيَّة التَّعيين، وهو لم ينوِ القضاء، وإنَّما نوى الأداء.
وفيه مضافاً إلى أنَّه اجتهاد في مقابل النَّصّ : أنَّه يمكن الجواب عنه بأنَّه ينوي الوجوب عمَّا في ذمَّته، فإنْ كان ذلك الشَّهر شهر رمضان أجزأه ذلك؛ لما عرفت من الاكتفاء فيه بنيَّة القُربة؛ لأنَّه لا يقع فيه غيره. وإن كان ما بعده تعيَّن كونه قضاءً؛ لأنَّه هو الثَّابت في الذِّمّة.
وقدِ اتَّضح ممَّا تقدَّم: أنَّ حكم المُعيّن ليس كحكم شهر رمضان؛ إذ لا دليل على حُجِّيّة الظَّنّ في المُعيَّن؛ لأنَّ الدَّليل إنَّما قام في خصوص شهر رمضان.
وعليه، فحكم الظَّنّ في المُعيَّن حكم الشَّكّ، وسيأتي في المسألة الآتية حكم الشَّكّ.