الدرس 1237 _كتاب الصوم 37
والأقرب: سريانه في غيره من الواجبات المُعيّنة (1)
(1) ألحقَ المُصنِّف (رحمه الله) بشهر رمضان في الاكتفاء بنيّة النَّدب متى ظهر كونه من شهر رمضان كلَّ واجبٍ مُعيَّنٍ فُعل بنيّة النَّدب مع عدم العلم. ووافقه الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله). ونفى عنه البأس جملة من الأعلام، منهم صاحب المدارك (رحمه الله)، والفاضل الخُراسانيّ (رحمه الله) في الذخيرة، والمُحدّث الكاشانيّ (رحمه الله) في المفاتيح.
ووجه الأقربيّة في قول المُصنِّف: «والأقرب: سريانه في غيره...»: هو ظهور اشتراك علّة الحكم.
وفيه: أنَّ العلَّة المُستنبطة لا يُعتدّ بها ما لم تكن منصوصةً من المعصوم (عليه السلام).
وقد يُقال: إنَّ في ما ورد في رواية الزُّهريّ المُتقدِّمة من قوله (عليه السلام): «لأنَّ الفرض إنَّما وقع على اليوم بعينه» بعضُ الدَّلالة على ذلك.
وفيه: أنَّه لا دلالة فيها على ذلك. نعم، هي مُشعِرة، والإشعار لا يُعتدّ به ما لم يصل إلى مرتبة الظُّهور.
أضف إلى ذلك: أنَّ الرِّواية ضعيفةٌ، كما عرفت.
ومن هنا، كان مقتضى الصِّناعة العلميّة عدم الإلحاق؛ لأنَّ النَّصّ إنَّما ورد في شهر رمضان فقط.
نعم، إذا رجع ذلك إلى الخطأ في التَّطبيق، فإنَّه يصحّ، ولا يبعد رجوعه إلى ذلك، والله العالم.
* * *
ويتأدَّى رمضان وكلُّ مُعيّن بنيّة الفرض وغيره بطريق الأولى (1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لو نوى آخر شعبان أن يصوم قضاءً أو نذراً أو نحوهما، وتبيّن كونه من شهر رمضان، فإنَّه يُجزي عن شهر رمضان؛ لأنَّ صومه على أنَّه من شعبان، كما يمكن أن يكون بنيّة النَّدب يمكن أيضاً أن يكون بنيّة القضاء أو النَّذر.
نعم، قد يُقال: إنَّ المُنصرف من صومه على أنَّه من شعبان صومه بنيّة صوم شعبان المندوب.
ولكنَّ هذا الانصراف بدويّ يزول بالتّأمُّل.
وعليه، فمُقتضى الرِّوايات عدم الفرق في صحَّة الصَّوم من شعبان بين أن يقصد به الاستحباب والتّطوُّع، أو ينوي به الوجوب من نذر أو قضاء، ونحو ذلك، بل لا يشرع له التّطوُّع لو كان عليه قضاء من السِّنين السَّابقة.
نعم، ورد في رواية بشير النَّبّال المُتقدِّمة «صُمه، فإنْ يكُ من شعبان كان تطوُّعاً، وإن يكُ من شهر رمضان فيومٌ وُفِّقت له».
ولكن مُضافاً لضعفها سنداً، كما عرفت لا يُستفاد منها الاختصاص بالتّطوُّع، بل ظاهرها أنَّ موردها التّطوُّع، أي مَنْ لم يكن عليه قضاء، وإلاَّ لما صحّ التَّطوُّع لمن عليه قضاء.
وذكر المُصنِّف (رحمه الله) أنَّ ذلك أولى ممَّا لو نوى النَّدب، فظهر كونه من رمضان.
ووجه الأولويّة: أنَّه أقرب إلى صوم رمضان من النَّفل؛ لمشاركته له في الوجوب، بخلاف النَّفل، وإنَّما يُخالفه في السَّبب خاصّة، ويُعذر للجهل، كما يُعذر في التَّخالف بالوجه له.
ولا يخفى عليك: أنَّ هذه الأولويّة هي نوعٌ من الاستحسان لا يُعتدّ به.
وأمَّا تأدِّي كلّ مُعيّنٍ بنيّة الفرض غيره، فالكلام فيه كالكلام في غير شهر رمضان من الواجب المُعيّن لو نوى النَّدب فظهر كونه من الواجب المُعيّن.
اللَّهمّ إلاَّ إذا رجع إلى الخطأ في التَّطبيق، فإنَّه يصحّ، كما لا يبعد رجوعه، والله العالم.
* * *
وفي تأدِّي رمضان بنيّة غيره فَرْضاً أو نفلاً مع علمه قولان، أقربهما: المنع (1)
(1) إذا كان المُكلَّف حاضراً غير مُسافرٍ، وكان يعلم أنَّ الغد من شهر رمضان، فنوى غيره من الصِّيام، سواء كان الغير واجباً أو مندوباً، فهل يُجزي عن رمضان، بحيث يقع منه، ولا يجب عليه القضاء، أم لا؟
وعلى فرض عدم الإجزاء، فهل يُجزي عمَّا نواه من الصَّوم الواجب، أو المندوب، أم لا؟
أمَّا الأمر الثَّاني وهو الإجزاء عمَّا نواه وعدم الإجزاء : فسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى قريباً عند قول المُصنِّف (رحمه الله): «ولا يُجزي عمَّا نواه في الموضعَيْن إجماعاً».
وأمَّا الأمر الأوَّل: فقد ذهب السّيِّد المُرتضى (رحمه الله)، والشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، والمُحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع والمُعتبر إلى أنَّه يُجزي عن رمضان، ويقع عنه، ووافقهم جماعة من الأعلام.
وفي المقابل، ذهب ابن إدريس (رحمه الله) إلى عدم الإجزاء عن رمضان، ورجَّحه العلاَّمة (رحمه الله) في المُختلف، بل ذهب إلى ذلك كثير من الأعلام، منهم المُصنِّف والشَّهيد الثَّاني (رحمهما الله).
أمَّا مَنْ ذهب إلى الإجزاء عن رمضان، فقد استدلّ لذلك كما عن المُحقِّق في المُعتبر : بأنَّ النِّيّة المشروطة حاصلةٌ في نيَّة القُربة، وما زاد لغوٌ لا عِبرة به، فكان الصَّوم حاصلاً بشرطه، فيُجزي عنه.
وأمَّا مَنْ ذهب إلى القول الآخر وهو عدم الإجزاء عن رمضان : فقدِ استَدلّ كما عن العلاّمة (رحمه الله) في المُختلف : بأنَّ نيَّة صوم رمضان منافيةٌ لنيّة صوم غيره. وبأنَّه منهيٌّ عن نيَّة غيره، والنَّهي يقتضي الفساد. وبأنَّ مطابقة النِّيّة للمنويّ واجبة.
وقال صاحب المدارك (رحمه الله) بعد نقل هذا الكلام عن العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف: «وهو جيِّد»[1].
[1] المدارك: ج6، ص32.