الدرس 1212 _كتاب الصوم 12
ومنها: رواية سُليمان بن أبي زينبة «قَاْل: كتبتُ إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) أسأله عن رجلٍ أجنَبَ في شهرِ رمضانَ من أوَّل اللَّيل، فأخَّر الغُسْل حتَّى طلع الفجر؟ فكتب (عليه السلام) إليَّ بخطِّه أعرفه مع مُصادفٍ: يغتسلُ من جنابتِه، ويتمُّ صومَه، ولا شيء عليه»[1].
وفيها: أنَّه مضافاً لضعفها لجهالة سُليمان بن أبي زينبة يمكن حملها على التَّقيّة، ويمكن حملها أيضاً على أنَّ التَّأخير لم يكن عن عمد.
ومنها: صحيحة حبيب الخثعميّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: كَانَ رسولُ الله (ص) يُصلِّي صلاةَ اللَّيلِ في شهرِ رمضانَ، ثمَّ يُجنِبُ، ثمَّ يُؤخِّرُ الغُسْل مُتعمِّداً حتَّى يطلعَ الفجرُ»[2].
وسيأتي الجواب عنها وعمَّا بعدها من الرِّوايات الواردة بهذا المضمون.
ومنها: رواية إسماعيل بن عيسى «قَاْل: سألتُ الرِّضا (عليه السلام) عن رجلٍ أصابته جنابةٌ في شهرِ رمضانَ، فنام حتَّى يُصبحَ، أيُّ شيءٍ عليه؟ قَاْل: لا يضرُّه هذا (ولا يُفطر ولا يُبالي)، فإنَّ أبي (عليه السلام) قَاْل: قالت عائشة: إنَّ رسول الله (ص) أصبح جُنباً من جُماع غير احتلامٍ، قَاْل: لا يُفطر ولا يُبالي، ورجل أصابته جنابة فبقي نائماً حتَّى يُصبح، أيُّ شيءٍ يجب عليه؟ قَاْل: لَاْ شيءَ عليه، يغتسل...»[3].
وهي ضعيفة بعدم وثاقة سعد بن إسماعيل بن عيسى، وعدم وثاقة أبيه إسماعيل أيضاً.
ومنها: مرسلة الصَّدوق (رحمه الله) في المُقنع عن حمَّاد بن عثمان «أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلٍ أجنبَ في شهرِ رمضانَ من أوَّل اللَّيل، وأخَّر الغُسْل حتَّى يطلعَ الفجرُ؟ فقال: كان رسول الله (ص) يجامعُ نساءه من أوَّل اللَّيل، ثمَّ يُؤخِّر الغُسْل حتَّى يطلعَ الفجرُ، ولا أقولُ كما تقول هؤلاءِ الأقشابِ(*): يقضي يوماً مكانه»[4]، وهي ضعيفة بالإرسال.
والإنصاف: أنَّ هذه الرِّوايات الثَّلاث محمولةٌ على التَّقيّة، لاسيَّما أنَّ صحيحة حبيب الخثعميّ ظاهرها أنَّ النَّبيّ (ص) كان يداوم على هذا الفعل لمكان التَّعبير بـــــ (كان)، ولا يمكن أن يداوم رسولُ الله (ص) على فِعْل المكروه.
ولا يُنافي التَّقيّة النِّسبة إلى الأقشاب، بل الإنكار على هؤلاء الأقشاب هو مبالغة في التَّقيّة.
وبالجملة، فإنَّ ظاهر الرِّوايات أنَّه (ص) بتأخيره الغُسْل إلى طُلُوع الفجر كان يفوته وقت فضيلة صلاة الصُّبح. وأيضاً فإنَّ ظاهر مرسلة الصَّدوق (رحمه الله) أنَّ صلاة اللَّيل كانت تفوته أيضاً، مع أنَّها واجبة عليه اتِّفاقاً.
كلّ ذلك مع غضّ النَّظر عن حُرمة شهر رمضان ونوافله وإحياء ليله بالعبادة.
وعليه، فهل يُعقل أنَّ رسول الله (ص) كان يُجنب أوَّل اللَّيل، ولا يغتسل إلى طُلُوع الفجر؟! بل لا ينبغي أن يُنسب ذلك إلى المؤمن العاديّ، فضلاً عمَّنْ يُتأسَّى بأفعاله وأقواله.
ومن هنا، فلا إشكال في أنَّ هذه الرِّوايات محمولةٌ على التَّقيّة.
والخلاصة: أنَّ أدلَّة المجوِّزين، لو فرضنا أنَّها تامَّة في حدّ نفسها، إلاَّ أنَّها لمُخالفتها السُّنّة القطعيّة لا تكون حُجّةً، ويُؤيِّد ذلك: إعراض الأعلام عنها.
وعليه، فما ذهب إليه المشهور هو الصَّحيح.
هذا بالنِّسبة لشهر رمضان.
وهكذا الحال بالنِّسبة لقضائه، فإنَّ المشهور بين الأعلام عدم الفرق في الفساد بالبقاء على الجنابة عمداً بين صوم شهر رمضان وقضائه.
ولكنْ قال المحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر بعد أنْ أورد الرِّوايات المتضمِّنة لفساد صوم شهر رمضان بتعمُّد البقاء على الجنابة : «ولقائلٍ أنْ يخصّ هذا الحُكم برمضان دون غيره من الصِّيام»[5].
وقال العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى: «هل يختصُّ هذا الحكم برمضان؟ فيه تردُّد، ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم ولا قياس يدلُّ عليه، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطِّرات مُطلقاً»[6].
والإنصاف: أنَّ هذا الحُكم لا يختصُّ بشهر رمضان، بل يشمل قضاءَه أيضاً؛ وذلك لا لقاعدة اتِّحاد القضاء مع الأداء؛ لعدم سلامتها من الخدشة، بل لجملة من الرِّوايات:
منها: صحيحة عبد الله بن سنان «أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عَنِ الرَّجلِ يقضي شهرَ رمضانَ، فيُجنب من أوَّلِ اللَّيل، ولا يغتسل حتَّى يجيء آخر اللَّيل، وهو يرى أنَّ الفجر قد طلع؟ قَاْل: لَاْ يصومُ ذلك اليومِ، ويصوم غيره»[7].
ومنها: صحيحته الأخرى «قَاْل: كتب أبي إلى أبي عبد الله (عليه السلام)، وكان يقضي شهر رمضان، وقال: إنِّي أصبحتُ بالغُسْل، وأصابتني جنابةٌ، فلم أغتسل حتَّى طلع الفجرُ؟ فأجابه (عليه السلام): لا تصُمْ هذا اليوم، وصُم غداً»[8].
والمراد بالحجَّال الوارد في السَّند: هو عبد الله بن محمَّد الأسديّ الثِّقة.
ومنها: موثَّقة سَماعة بن مهران «قَاْل: سألتُه عَنِ رجلٍ أصابته جنابةٌ في جوفِ اللَّيلِ في رمضانَ، فنامَ وقد عَلِمَ بها، ولم يستيقظ حتَّى أدركه الفجرُ؟ فقال (عليه السلام): عليه أنْ يُتمّ صومه، ويقضي يوماً آخر، فقلتُ: إذا كان ذلك مِنَ الرَّجل وهو يقضي رمضان؟ قَاْل: فَلْيأكل يومه ذلك، وَلْيقضِ، فإنَّه لا يُشبه رمضان شيءٌ مِنَ الشُّهور»[9].
ويُحتمل: أنْ يكون المراد بعدم الشَّبه أنَّه يجب في شهر رمضان الإمساك، وعدم الأكل من باب الاحترام له وإن فسد الصَّوم، بخلاف ما لو فسد الصَّوم في قضائه فلا بأس بالأكل.
ويُحتمل: أنْ يكون المراد من عدم الشَّبه هو من جهة لُحوق قضائه بأدائه في الحُكم، فيختصَّان بذلك، أي لا يُشبه رمضان من حيث الأداء والقضاء غيره من الشُّهور.
[1] الوسائل باب 13 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح5.
[2] الوسائل باب 16 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح5.
[3] الوسائل باب 13 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح6.
(*) الأقشاب: جمع قشب، وهو مَنْ لا خير فيه من الرِّجال.
[4] الوسائل باب 13 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح3.
[5] المعتبر: ج2، ص656.
[6] المنتهى: (ط. ج) ج9، ص79.
[7] الوسائل باب 19 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح1.
[8] الوسائل باب 19 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح2.
[9] الوسائل باب 19 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح3.