الدرس 152_التكسّب الحرام وأقسامه (147). سادسها: ما يجب على المكلّف فعله
الدرس 152 / الثلاثاء: 02-آذار-2021
ومنها: أنَّ تعطيل الحدود يؤدِّي إلى ارتكاب المحرَّمات وانتشار الفساد، وذلك مطلوب التَّرك في الشَّريعة، بل لا يخفى أنَّ المقتضي لإقامة الحدِّ موجود في صورتي حضور الإمام (عليه السلام) وغيبته؛ لأنَّ المصلحة والحكمة في إقامة الحدود تعود إلى النَّاس، وليست الحكمة في إقامتها عائدة إلى مقيم الحدِّ.
ومنها: فحوى ما سيأتي في كتاب الحسبة إن شاء الله تعالى من جواز إقامة السَّيد الحدَّ على رقيقه إذا شاهد أو أقرَّ الرِّق، وإقامة الأب الحدَّ على ولده، وإقامة الزَّوج الحدَّ على الزَّوجة، مع عدم الفرق في الحدِّ بين الجلد والرَّجم.
وفي الجملة، فعلى القول: بجواز إقامة الحدِّ لهؤلاء فيجوز من باب أولى للفقيه بعد أنْ جَعْله الإمام (عليه السلام) حاكماً.
ومنها: رواية حفص بن غياث «قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام): مَنْ يقيمُ الحُدُودَ؟ السُّلطان أو القاضي؟ فَقَاْل: إقامةُ الحدودِ إلى مَنْ إليه الحُكْم»[1]f128.
ومن المعلوم أنَّ مَنْ له الحكم في زمان الغيبة هو الفقيه للجامع للشَّرائط.
ولكنَّ الرِّواية ضعيفة بطريق كلٍّ مِنَ الشَّيخ الصَّدوق والشَّيخ الطُّوسي t؛ لأنَّ في طريقهما إلى سليمان بن داود القاسم بن محمَّد الأصفهاني، وهو ضعيف.
ثمَّ إنَّه قد يستدلُّ على عدم جواز إقامة الحدود إلاَّ للإمام (عليه السلام) بما في دعائم الإسلام وكتاب الأشعثيات، بإسناده عَنِ الصَّادق (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن عليٍّ (عليه السلام): «لا يصلحُ الحُكْمُ، ولا الحدود، ولا الجمعة، إلا بإمام»[2]f129.
وفيه أوَّلاً: أنَّ الرِّواية ضعيفة، أمَّا في كتاب دعائم الإسلام فبالإرسال، وأمَّا في كتاب الأشعثيَّات المعبَّر عنه بالجعفريَّات فبعدم وثاقة موسى بن إسماعيل.
وثانياً: أنَّ الرِّواية مشتملة على الحكم، ومِنَ المعلوم بالضَّرورة مِنَ المذهب أنَّه يرجع فيه إلى الفقيه، فكيف يكون للإمام (عليه السلام) فقط، وأيضاً الرِّواية مشتملة على الجمعة، وقد عرفت في محلِّه جواز إقامة الجمعة في عصر الغيبة لغير الفقيه فضلاً عَنِ الفقيه.
والخلاصة إلى هنا: أنَّه يجوز للفقيه في عصر الغيبة إقامة الحدود بلا إشكال، كما أنَّه لا خلاف في وجوب مساعدة النَّاس له على ذلك، على نحو مساعدتهم للإمام (عليه السلام)، أي عليه ضرورة كونه مِنَ السِّياسات الدِّينيَّة التي لا يقوم الواحد بها، وأنَّها مِنَ البِرِّ والتَّقوى اللَّذين أُمِر بالتَّعاون عليها، بل لا يبعد وجوب الإقامة عليه، مع أَمْن الضَّرر، ولو بقبول الولاية مِنَ السُّلطان الجائر.
ولعلَّ كون المقام مِنَ المواضع التي متى جاز فيها الحكم وجب، ويكون تعبير الأصحاب بالجواز لكون المهمِّ بيان أصل جوازه في مقابل احتمال الحرمة، والله العالم.
الجهة الثَّانية: هل يجوز للمتولي مِنْ قِبَل الجائر إقامة الحدود، فيما إذا أمكنه ذلك، أم لا؟
أمَّا إذا كان هذا المتولِّي فَقِيهاً، فقد عرفت أنَّه جائز، بل قد يجب عليه، كما تقدَّم.
وأمَّا إذا لم يكن فَقِيهاً، وكان قادراً على إقامة الحدود، ولم يكن مضطرّاً من قِبَل السُّلطان الجائر، فقد ذَكَر جماعة مِنَ الأعلام، منهم الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في محكيِّ المقنعة، والشَّيخ (رحمه الله) في محكيِّ النِّهاية، أنَّه له ذلك بعد اعتقاده بأنَّه يفعل ذلك بإذن الإمام (عليه السلام).
قال الشيخ (رحمه الله) في النهاية: «ومَنِ استخلفه سلطان ظالم على قوم، وجَعَل اليه إقامةَ الحدود، جاز له أن يقيمَها عليهم على الكمال، ويعتقد أنَّه إنَّما يفعل ذلك بإذن سلطانِ الحقِّ، لا بإذن سلطانِ الجَوْر، ويجب على المؤمنين معونته وتمكينه من ذلك، ما لم يتعدَّ الحقَّ في ذلك، وما هو مشروع في شريعة الإسلام، فإنْ تعدَّى في ما جُعِل اليه الحقَّ، لم يجز له القيام به، ولا لأحد معاونته على ذلك، اللَّهم إلاَّ أن يخاف في ذلك على نفسه، فإنَّه يجوز له حينئذٍ أن يفعل في حال التَّقيَّة، ما لم يبلغ قتل النُّفوس، فأمَّا قَتْل النُّفوس فلا يجوز فيه التَّقية على حال...».
وفي المنتهى «قد روي: أنَّ من استخلفه سلطان إلى قوله في النهاية: (ولا لأحد معاونته على ذلك)، ثمَّ قال: أورد هذه الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته...».
وفي السرائر: «والرِّواية أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته، وقدِ اعتذرنا له فيما يُورِده في هذا الكتاب، أعني النِّهاية، في عدَّة مواضع، وقلنا: إنَّه يُورِده إيراداً، من طريق الخبر، لا اعتقاداً من جهة الفُتْيا والنَّظر، لأنَّ الإجماع حاصل منعقد من أصحابنا، ومِنَ المسلمين جميعاً، أنَّه لا يجوز إقامة الحدود، ولا المخاطب بها، إلاَّ الأئمَّة S، والحكَّام القائمون بإذنهم في ذلك، فأمَّا غيرهم فلا يجوز له التَّعرض بها على حال، ولا يرجع عن هذا الإجماع، بأخبار الآحاد، بل بإجماع مثله، أو كتاب الله تعالى، أو سنَّة متواترة مقطوع بها...».