الدرس 85 _زكاة الغلات الأربعة 23
إذا عرفت ذلك، فنقول: إذا كان الموت قبل تعلُّق الوجوب سواء ظهرت الثَّمرة أم لا وقد أدَّى الورثة الدَّين قبل تعلُّق الوجوب من مال آخر أو أبرأ الدائن، بحيث انتفى موضوع الدَّين، وانتقل المال بكامله إلى الورثة، فإنَّه يُلاحظ بعد التعلُّق هل بلغت حِصَّة كلٍّ منهم النِّصاب أم لا؟
فمَنْ بلغت حصَّته النِّصاب وجبت عليه الزَّكاة دون مَنْ لم تبلغ؛ لأنَّ التعلُّق إنما حدث في ملك الوارث، ولا فرق فيما ذكرناه بين كون الدَّين والوصيَّة مستوعبَين للتَّركة أم لا.
وأمَّا إذا لم يُؤدَّ الدَّين، وبقي إلى وقت التعلُّق، فإنَّ كان الدَّين والوصيَّة مستغرقَين للترَّكة فلا يجب إخراج الزَّكاة لا على الوارث ولا على الميِّت.
وتوضيحه: هو أنَّك قد عرفت أنَّ الترَّكة إن كانت زائدةً على الدَّين والوصيَّة فالزَّائد ينتقل إلى الورثة، وأمَّا ما يقابل الدَّين والوصيَّة فهو باقٍ على حكم مال الميِّت، وإن لم تزد التَّركة عليهما فالمال بتمامه يكون باقياً على حكم مال الميت، وليس للوارث شيء.
وبالجملة، فلا موضوع للإرث مع الاستغراق، كما أنَّه لا تجب الزَّكاة بعد التعلُّق: لا على الوارث لفقد الملك، ولا زكاة إلاَّ على المالك، ولا على الميِّت لعدم كونه قابلاً للخطاب حال التعلُّق، وإن كان مالكاً، ولا محذور في إسناد الملكيَّة التي هي أمر اعتباريّ إلى الميِّت.
نعم، قد عرفت أنَّه لو أدَّى الدَّين من مال آخر أو أبرأ الدائن، بحيث انتقل المال إلى الورثة، وجبتِ الزَّكاة على كلِّ مَنْ بلغت حصَّته النِّصاب؛ هذا كلُّه فيما لو كان الدَّين والوصيَّة مستغرقَين للتَّركة.
وأمَّا إذا لم يكونا مستغرقَين، فلا إشكال في انتقال الزَّائد إلى الوارث، ويكون المال مشتركاً بين الوارث والميِّت، فإذا بلغت حصَّة الوارث النِّصاب وجبتِ الزَّكاة في حصَّته دون الميِّت، لأنَّ حصَّته، وإن بلغت النِّصاب، إلاَّ أنَّه غيرُ قابلٍ للخطاب حال التعلُّق.
وأمَّا قول المصنِّف (رحمه الله): «فإن فضل نصاب لكلِّ وارثٍ ففي وجوب الزَّكاة عليه قولان»، فإن كان ناظراً إلى ما قبل أداء الدَّين فلعل الإشكال حينئذٍ في وجوب الزَّكاة في حِصَّة كلٍّ منهم إذا بلغت النِّصاب هو أنَّ الزَّائد عن الدَّين، وإن كان ملكاً له، إلاَّ أنَّه محجور عليه فيه؛ لتعلُّق الدَّين بالترَّكة تعلُّق حقِ رهانةٍ أو أرشِ جنايةٍ، أو تعلقاً مستقلاً، فتسقط الزَّكاة عنه لذلك.
ولكن يرد عليه: أنَّ الزَّائد على الدَّين والوصيَّة هو ملك الوارث، فإن كانت حِصَّته تبلغ النِّصاب فتجب الزَّكاة فيه، ويكون ما قابل الدَّين والوصيَّة هو للميِّت، والشَّركة لا تمنع من وجوب الزَّكاة.
وعليه، فهو غيرُ محجورٍ عليه فيه، وكون المال مشتركاً بين الميِّت والوراث لا يعني ذلك تعلُّق الدَّين بالتَّركة تعلُّق حقِّ رهانةٍ أو أرشِ جنايةٍ أو تعلقاً مستقلاً.
ثمَّ إننا لو سلَّمنا بذلك، إلاَّ أنَّه لا دليل على سقوط الزَّكاة بتعلُّق الرّهانة أو الأرش أو التعلُّق المستقلّ؛ ضرورة عدم اقتضاء ذلك المنع من التصرُّف؛ هذا إذا كانت عبارة المصنِّف (رحمه الله) ناظرةً إلى ما قبل أداء الدَّين.
وأمَّا إذا كانت ناظرةً إلى ما بعد أداء الدَّين، فلعلَّ وجه الإشكال في وجوب الزَّكاة في حِصَّة كلٍّ منهم إذا بلغت النِّصاب هو أنَّه لا زكاة على الوارث بعد أن كان الدَّين محيطاً بالتَّركة وقت بلوغ الحدِّ الذي يتعلُّق به الزَّكاة، وذلك لعدم ملكه؛ لأنَّ المال حينئذٍ باقٍ على ملك الميِّت، فلو اتَّفق زيادة قيمة أعيان التَّركة، وقضى منها الدَّين وفضل للوارث نصاب فلا تجب الزَّكاة على الوراث بعد أن كان الدَّين محيطاً بها وقت بلوغ الحدِّ الذي تتعلَّق به الزَّكاة، ولكن عرفت ما هو مقتضى الإنصاف في المسألة، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو مات بعد بدوِّ الصَّلاح وجبت، ولو ضاقت التَّركة قدّمت، وفي المبسوط: تُوزَّع(1)
(1) لو مات الزَّارع أو مالك النَّخل والشَّجر بعد بدوِّ الصَّلاح على المشهور أو بعد التَّسمية كما هو الصحيح عندنا وكان عليه دين وجب إخراج الزَّكاة، سواء أكان الدَّين مستغرقاً للتَّركة أم لا، ولا يجب التَّحاصّ مع الغرماء؛ لأنَّ الزَّكاة متعلِّقة بالعين فمقدارها لم يكن من تركة الميِّت حتَّى يتعلَّق به الدَّين، بل المفروض أنَّها انتقلت إلى الفقراء في زمن حياته؛ وأمَّا الدَّين فإنَّما يتعلَّق بالعين بعد الوفاة، وقبل الوفاة يكون متعلِّقا بالذّمَّة.
وبالجملة، فلا مزاحمة بينهما أصلاً.
ومن هنا يتَّضح عدم صِّحّة ما ذكره الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط من التَّوزيع بين أرباب الزَّكاة والدُّيان؛ إذ لا موضوع لذلك.
نعم، ذكر جماعة من الأعلام أنَّه لو تلفت الزَّكاة حال الحياة بالتَّفريط انتقلت حينئذٍ إلى الذِّمّة وكانت كسائر الدُّيون محكومةً بالتَّحاصّ، ومنهم المصنِّف (رحمه الله) في البيان، حيث إنَّ ظاهر عبارته ذلك، وهو الأقوى.
ثمَّ لا يخفى أنَّ الزَّكاة تُخرج من أصل المال، وفي المدارك: «أمَّا وجوب إخراج الزَّكاة من أصل المال فمجمع عليه بين علمائنا وأكثر العامَّة...».
أقول: يدلُّ على ذلك مضافاً إلى التسالم بين الأعلام بعض الرِّوايات:
منها: موثقة عبَّاد بن صُهَيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل فرَّط في إخراج زكاته في حياته، فلمَّا حضرته الوفاة حسب جميع ما فرَّط فيه ممَّا لزمه من الزَّكاة، ثمَّ أوصى به أن يخرج ذلك، فيدفع إلى مَنْ تجب له، قال: جائز، يُخرج ذلك من جميع المال، إنَّما هو بمنزلة دَين لو كان عليه، ليس للورثة شيء حتَّى يؤدُّوا ما أوصى به من الزَّكاة»([1])، فإنَّ عبَّاد بن صُهَيب، وإن كان بتريّاً، كما قال الشَّيخ (رحمه الله) في رجاله، إلاَّ أنَّ النَّجاشيّ صرَّح بتوثيقه.
([1]) الوسائل باب 21 من أبواب المستحقِّين للزَّكاة ح1.