الدرس 27 _ما يشترط في وجوب الزكاة 16
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ الشَّيخ في كتابي الأخبار أي التَّهذيب والاستبصار قد حمَل هذه الرِّوايات المستدلَّ بها على الوجوب تارةً على الاستحباب، وأخرى على الفرار، بعد أن حال الحَوْل، أي بدخول الشَّهر الثَّاني عشر.
واستدلَّ على الثَّاني أي على الحمل على الفرار بعد أن حال الحَوْل : بموثقة زرارة «قال: قُلْتُ لَأبي عبد الله (عليه السلام): إِنَّ أَبَاكَ قَالَ لِي: مَنْ فَرَّ بِهَا مِنَ الزَّكاة، فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا، فَقَالَ: صَدَقَ أَبِي (عليه السلام)، إنّ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا أُوجِبَ عَلَيْهِ، وَمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ (منه)، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْماً، ثُمَّ مَاتَ، فَذَهَبَتْ صَلَاتُهُ، أَكَانَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَاتَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا؟ قُلْتُ: لَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَفَاقَ مِنْ يَوْمِهِ، ثُمَّ قَالَ لي: أرأيت لَوْ أَنَّ رَجُلاً مَرِضَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ مَاتَ فِيهِ، أَكَانَ يُصَامُ عَنْهُ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: وكَذَلِكَ الرَّجُلُ، لَا يُؤَدِّي عَنْ مَالِهِ إِلاَّ مَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»([1]).
فقوله (عليه السلام): «عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا أُوجِبَ عَلَيْهِ...»، واضح في أنَّ ذلك بعد أن حال الحَوْل.
ويرد عليه: أنَّ هذا الحَمْل، وإن أمكن في بعض الرِّوايات المتقدِّمة، إلاَّ أنَّ بعض تلك الرِّوايات لا يمكن حملها على ذلك، كموثَّقة معاوية بن عمَّار، فإنَّه لا يمكن حَمْلها على ما إذا كان الفرار بعد أن حال الحَوْل؛ لعدم الفرق حينئذٍ بين ما إذا كان بقصد الفرار، أو بقصد التجمُّل، مع أنَّها فصَّلت بينهما.
وعليه، فهي كالنَّصِّ في كون ذلك قبل أن يحول الحَوْل، وهذه الرِّواية أي رواية زرارة موثَّقة ولا يوجد فيها عيب، فإنَّ عليَّ بن محمَّد بن الزُّبير القُرَشِيِّ الموجود في إسناد الشَّيخ إلى ابن فضَّال هو مِنَ المعاريف، وإن لم يكن موثقاً بالخصوص.
ثمَّ لا يخفى أنَّ هذه الموثَّقة رواها الكُلَيْني (رحمه الله) في الكافي بطريق حَسَن في جملة حديث طويل، ومن أراد فَلْيراجع.
وأمَّا السَّيِّد المرتضى (رحمه الله) فقد حَمَل الرِّوايات النَّافية للوجوب على التَّقيَّة، وقال: «لأنَّ عدم الوجوب مذهب جميع المخالفين»، ثمَّ ذكر: «إنَّه لا تأويل للأخبار الدَّالَّة على الوجوب...».
ووافقه جماعة كثيرة من الأعلام، قال صاحب الحدائق: «والظَّاهر أنَّ أخبار أحد الطَّرفين إنَّما خرجت مخرج التَّقيَّة، وإن كان العامَّة في ذلك على قولين أيضاً، فذهب مالك وأحمد إلى الوجوب والشَّافعي وأبو حنيفة إلى عدم الوجوب، إلاَّ أنَّه غير معلوم عندي كون التَّقية في أيِّ الطَّرفين ثمَّ قال: ويمكن ترجيح ما ذكره(قدِّس سرُّه) بأنَّ مذهب أبي حنيفة في زمانه كان مشهوراً معمولاً عليه بين خلفاء الجور وقضاة ذلك الوقت، وتلامذته المروجون لمذهبه، مثل أبي يوسف ونحوه مشهورون أيضاً، وأمَّا أحمد ومالك، فإنَّهما في ذلك الوقت ليسا، إلاَّ كسائر العلماء ليس لهما مذهب مشهور، ولا قول مذكور، وإنَّما وقع الاصطلاح على مذهبهما مع ذينك الآخرين في الأعصار الأخيرة في ما يقرب مِنَ السنة السِّتمائة، كما ذكره علماء الفريقين وبيناه في كتاب سلاسل الحديد، وبذلك يظهر قوَّة القول بالوجوب، ويعضده الاحتياط أيضاً».
وفيه: أنَّ الرُّجوع إلى مخالفة العامَّة في التَّرجيح بين الرِّوايات إنَّما هو إذا لم يمكن الجمع العرفي بين الرِّوايات، وإلاَّ فمع إمكان الجمع فلا تصل النَّوبة إلى التَّرجيح بمخالفة العامَّة.
ومقتضى الإنصاف: حَمْل الرِّوايات الظَّاهرة في الوجوب على الاستحباب جمعاً بينها وبين الرِّوايات النَّافية التي هي نصٌّ في عدم الوجوب، وهذا جمع عرفي مقبول لا غبار عليه، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فروع: (الأول:) في الصَّداق. لو تشطَّر قبل الدُّخول، وبعد الحَوْل، فالزَّكاة عليها(1)
(1) لو أصدق زوجته نصاباً، وحال عليه الحَوْل، وطلَّقها قبل الدُّخول بها، فيجب عليها الزَّكاة بالاتِّفاق؛ لإطلاق الأدلَّة.
وعليه، فيرجع نصف المهر إلى الزَّوج؛ لأنَّ دليل تملُّكه للنِّصف التَّامِّ بالطَّلاق لا ينافي دليل وجوب الزَّكاة، فلا مانع مِنَ الأخذ بكلٍّ منهما، فيكون للزَّوج نصف تمام المهر، وللفقراء جزء من أربعين جزءاً كما لو كان المهر أربعين شاةً، فللفقراء شاة من الأربعين وللزَّوج عشرون والباقي يكون لها، وهو تسعة عشر شاة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي جواز القِسْمة هنا نظر، أقربه الجواز، وضمانها، وبه قطع في المبسوط(2)
(2) المعروف عند جماعة مِنَ الأعلام أنَّه لا إشكال في جواز الأقتسام قبل إخراج الزَّكاة، فإنَّ النِّصاب الذي حال عليه الحَوْل وهو الأربعون شاةً مثلاً اجتمع فيه ثلاثة حقوق لا منافاة بينها ولا تزاحم، فيدفع النِّصف للزَّوج، وهو عشرون شاةً في المثال المتقدِّم، والنِّصف الثَّاني يدفع منه حقُّ الفقراء، وهو شاة، ويكون الباقي للزَّوجة، وهو تسعة عشر شاة.
ومن هنا قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط : «وإن لم يكن أخرجت الزَّكاة، لكن اقتسمت هي والزَّوج الصَّداق، كان ما أخذه الزَّوج صحيحاً، وعليها فيما أخذته حقّ أهل الصَّدقات...».
وكأنَّ وجه تنظُّر المصنِّف (رحمه الله) في القِسمة قبل إخراج الزَّكاة هو أنَّ القِسمة منافية لحقِّ الفقراء، بناءً على كون تعلق الزَّكاة بالعين من قبيل الشَّركة الحقيقيَّة، أي بنحو الإشاعة، أو من قبيل الشَّركة في الماليَّة، وأمَّا لو كانت من قبيل الكلِّي في المعيَّن فلا إشكال.
أقول: لا يوجد منافاة حتَّى على القول: بأنَّ تعلُّقها بالعين على نحو الإشاعة، أو الشَّركة في الماليَّة؛ لأنَّ هذا التَّصرُّف وهو القِسمة لا يعدُّ عند العرف منافياً لحقِّ الفقراء.
([1]) الوسائل باب 11 من أبواب زكاة الذَّهب والفضَّة ح5.