الدرس 253 _ المقصد الثالث في العام والخاص 28
الدرس 253 _ المقصد الرابع في العام والخاص 28
الفصل الثاني: تعريف العام وأقسامه وصيغه / المبحث الثامن: اشتراط حجية العام بالفحص عن المخصص.
· التفريق بين الأصول اللفظية والعملية العقلية والشرعية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفريق بين الأصول اللفظية والعملية العقلية والشرعية:
قال صاحب الكفاية R: «إيقاظ: لا يذهب عليك الفرق بين الفحص ها هنا، وبينه في الأصول العملية؛ حيث إنه ها هنا عما يزاحم الحجة، بخلافه هناك، فإنّه بدونه لا حجة؛ ضرورة أن العقل بدونه يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة، فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان والمؤاخذة عليها من غير برهان، والنقل وإن دل على البراءة أو الاستصحاب في موردهما مطلقاً، إلا أن الاجماع بقسميه على تقييده به، فافهم».
حاصل هذا الإيقاظ: لا يخفى أنّه كما يجب الفحص عن المخصِّص قبل العمل بظهور العام الذي هو من الأصول اللفظية، كذلك يجب الفحص عن الدليل الاجتهادي قبل إجراء الأصول العملية؛ فلو شككنا مثلاً بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال، فلا يجوز إجراء البراءة قبل الفحص عن الدليل الاجتهادي، فإن لم نظفر به أجريناها.
نعم، تختلف الأصول اللفظية عن الأصول العملية من جهة أنّ الفحص في الأولى؛ كالفحص عن المخصِّص، فحص عمّا يزاحم العام في الحجية؛ فإنّ العام حجة من أوّل الأمر، إلا أنّه لا يجوز العمل به قبل الفحص عن مخصِّص محتمل يزاحمه في حجيته. وهذا بخلاف الفحص عن الدليل الاجتهادي في الأصول العملية، فإنّ الفحص فيها فحص عن مقتضي الحجية؛ فإنّ البراءة مثلاً لا حجية لها قبل البحث عن الدليل الاجتهادي، وبفحصنا عنه نفحص عمّا يقتضي حجيتها.
إن قلتَ: لكن هذا الكلام يتمّ في البراءة العقلية؛ لأنّ موضوعها عدم البيان، وهو متوقف على الفحص عمّا يحتمل كونه بياناً، وهو من وظائف العباد بعد قيام النبي C والأئمة S بوظيفتهم الإلهية، وهي تبليغ الأحكام على النحو المتعارف، وكذا الكلام في التخيير العقلي. ولكنّه لا يتم في البراءة الشرعية والاستصحاب؛ لأنّ دليل الأوّل، وهو قوله C: «رُفِعَ عن أمتي ما لا يعلمون»[1]f113، مطلق؛ أي سواء فحص المكلف أم لا، وليس مقيّداً بما بعد الفحص، وكذا بالنسبة لدليل الاستصحاب، وهو قول الباقر N في صحيحة زرارة: «ولا تنقض اليقين أبداً بالشك»[2]f114، فهو مطلق أيضاً، وليس مقيّداً وخاصاً بما بعد الفحص.
قلتُ: أجمع الأعلام على تقييد إطلاق كلّ من دليل البراءة الشرعية والاستصحاب بما بعد الفحص؛ بحيث تصبح النتيجة بالنسبة إلى البراءة: (بعد الفحص عن الدليل الاجتهادي وعدم الظفر به، فقد رُفِعَ عن أمتي ما لا يعلمون)، وتصبح بالنسبة إلى الاستصحاب: (بعد الفحص عن الدليل الاجتهادي وعدم الظفر به، فلا تنقض اليقين أبداً بالشك).
وعليه، فالفحص عن الدليل الاجتهادي مقتضٍ لحجيتهما، فلا فرق حينئذٍ بين الأصول العقلية والأصول الشرعية.
هذا حاصل كلام صاحب الكفاية مع توضيح منّا.
وقد وافقه جماعة من الأعلام، منهم الميرزا النائيني R الذي تعرّض إلى ذكر منشأ وجوب الفحص في الأصول العملية، فذكر وجهين:
الأوّل: وهو استقلال العقل في إدراك أنّ على العبد الفحص عن الأحكام؛ إذ لو ترك الفحص مجرياً أصالة البراءة، للزم نقض الغرض من إرسال الرسل وإنزال الكتب، وهو بلوغ هذه الأحكام إلى المكلّفين.
الثاني: وهو عين ما ذكره في منشأ وجوب الفحص في الأصول اللفظية، وهو العلم الإجمالي بوجود أحكام إلزامية في الشريعة يمنع من إجراء البراءة في كلّ الموارد للزومه المخالفة القطعية للعلم الإجمالي، كما يمنع من إجرائها في بعضها دون بعض؛ للزومه الترجيح بلا مرجح.
وعليه يتعين الفحص عن الأحكام استناداً للعلم الإجمالي بوجودها.
[1] صحيحة حريز عن أبي عبد الله N قال: «قال رسول الله C رفع عن أمّتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا إليه، وما لا يعملون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة». وسائل الشيعة باب 56 من أبواب جهاد النفس ج15، ص369، ح1. وإنما صححنا هذه الرواية؛ لأن أحمد بن محمد بن يحيى العطار شيخ الصدوق من المعاريف، مما يكشف عن وثاقته.
[2] وسائل الشيعة باب1 من أبواب نواقض الوضوء ج1، ص245، ح1.